في صرح ضم 75 شهيدا فلسطينيا.. هكذا خلّدت برقة نابلس الراحلين دفاعا عن الوطن

صرح الشهداء أقيم عند مدخل برقة وبمكان استشهد فيه شابان من القرية (الجزيرة)

نابلس- في عام 1948 وبعيد النكبة لم يكن الثائر الفلسطيني عقاب صالح الفرعونية ابن قرية برقة قرب مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية قد بلغ العقدين من عمره حين جاء مشيعا رفيقي دربه في المقاومة ضد المحتل الإسرائيلي بشير حميد سيف وعيد حجة في جنازة مهيبة.

وتقول الرواية التي يتناقلها أقارب الشهيد إن عقاب وصل إلى مسقط رأسه قرية برقة ومعه مجموعة من رفاقه الثوار، وعند المقبرة حيث دفن رفيقاه وقف وأطلق 21 رصاصة بالهواء تحية لهما، ثم انسحب إلى منزل عائلته ليودع والده ووالدته هاجر.

يومها، توسلت له والدته أن يبيت تلك الليلة عندها لكنه رفض، واكتفى بأكل طعام أعدته خصيصا له، ثم عاد أدراجه ليساند المقاومين بالتصدي لهجمات العصابات الصهيونية على مدينة يافا، ليرتقي فيها شهيدا بعد أسبوع من استشهاد صديقيه سيف وحجة.

يقول سامي دغلس ابن شقيق الشهيد عقاب "أحست جدتي هاجر بقرب منية نجلها عقاب، وبعد أيام زُفَّ الخبر إليها وجاؤوا به محملا على الأكتاف، ففاضت دموعها حزنا عليه، لكنها تعهدت للرجال حولها عند المقبرة بألا تقيم عليه عويلا شريطة أن يكَّرم دفنه مثل رفيقيه، فكان لها ما أرادت".

حنظلة شكّل رمزية العودة وشكّلت حجارة الصرح رمزية المقاومة وانتفاضة الحجارة (الجزيرة)

رمزية الصرح

هذه القصة ينقلها دغلس (62 عاما) عن أبيه وجده وبات يحفظها عن ظهر غيب، لكن تداولها ظل مقتصرا على عائلته فقط، قبل أن يخطها أخيرا على صفحته عبر موقع فيسبوك تزامنا مع نقش اسم عمه الشهيد عقاب ورفيقيه بشير وعيد على نصب تذكاري شُيّد في قريته برقة قرب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية.

وبحضور رسمي وشعبي ولفيف من أهالي القرية وفعالياتها رفع الستار أمس الجمعة عن النُصب التذكاري في برقة، واستحضر أهالي الشهداء سِيَر أبنائهم وتناقلوها ليعيدوا مجدا عاشته القرية ولا تزال.

وحوى الصرح الحجري 75 شهيدا من القرية، استشهد ودفن معظمهم على أرضها ودفاعا عنها وعن أرض فلسطين انطلاقا من ثورة البراق عام 1927 ومرورا بثورة الفلسطينيين عام 1936 ونكبتهم عام 1948 ونكستهم 1967، وما تلا ذلك من انتفاضات وثورات شاركت فيها القرية وخاضتها منفردة وآخرها انطلق مطلع العام الجاري ولما يتوقف بعد.

ويفخر أهالي القرية حين يروون سير شهدائها، ويقول دغلس للجزيرة نت إن الشهادة قضية وجدانية وتعكس رمزية من ضحوا بأنفسهم لأجل الآخرين، وهي تجسيد "لعمل ملحمي جماعي يعيشه ويخوضه الفلسطينيون وليست عملا فرديا أو لأهداف شخصية".

سامي دغلس يشير إلى اسم عمه الشهيد في عام 1948 الذي ارتقى دفاعا عن مدينة يافا (الجزيرة)

شهداء مراحل النضال

واتخذ الفلسطينيون منذ أمد بعيد النُصُب التذكارية والصروح تعبيرا رمزيا لتكريم شهداء واستذكارهم على الدوام وتأكيدا لمقولتهم "إننا لن ننسى ولن نغفر".

وتكمن رمزية الصرح الذي شيده المجلس القروي والقوى الوطنية في قرية برقة وبدأ الإعداد له منذ مارس/آذار الماضي بالحضور الكبير للقرية عبر مراحل النضال الفلسطيني طوال 100 عام بدءا بثورة البراق.

كما تميز نُصُب الشهداء -وفق حديث منسق لجنة تشييد الصرح ضرار أبو عمر للجزيرة نت- بطريقة بنائه من الرخام والحجر الملون ونقش أسماء الشهداء عليه، وبموقعه عند مدخل القرية حيث ارتقى الشهيدان خالد صلاح وتامر دسوقي خلال انتفاضة الحجارة عام 1987.

وشكّلت الحجارة وشجرة الزيتون ومجسم حنظلة الحديدي -الذي أعده ابن القرية وفنانها التشكيلي موسى ياسين- وتزامن نصبه مع الذكرى الـ35 لاستشهاد ناجي العلي إضافة نوعية إلى الصرح، كما يقول أبو عمر.

ويضيف "رمزت الزيتونة لتجذر الفلسطيني بأرضه، وجسّد حنظلة (مخزن ناجي العلي وكاتم أسراره) حق العودة".

وفي الصرح تركت بعض الحجارة فارغة وكأنها تنتظر شهيدا آخر يدون اسمه فوقها.

المصدر : الجزيرة