الانتخابات الهولندية.. ضربة لليمين وراحة بال للأوروبيين

Dutch Prime Minister Mark Rutte of the VVD Liberal party appears before his supporters in The Hague, Netherlands, March 15, 2017. REUTERS/Yves Herman
رئيس الوزراء روتي عبّر عن سعادته بفوز حزبه "الشعب للحرية والديمقراطية" وفشل اليمين المتطرف في تصدر المشهد السياسي (رويترز)

انتخابات تشريعية هولندية نظمت يوم 15 مارس/آذار 2017 وحلّ فيها حزب الشعب للحرية والديمقراطية في المرتبة الأولى، في وقت حل حزب "الحرية" اليميني المتطرف الذي يتزعمه خيرت فيلدرز في المركز الثاني.

سياق الانتخابات
اكتست الانتخابات الهولندية في العام 2017 أهمية خاصة وحساسية بالغة بالنظر للسياق الذي جاءت فيه، حيث نظمت في ظل صعود سياسي وانتخابي متزايد للتيارات الشعوبية واليمينية المتطرفة في عدد من الدول الغربية.

ولم تكن انتخابات 2017 شأنا هولنديا خالصا، بل كانت حدثا أوروبيا بامتياز، حيث حبس الأوروبيون أنفاسهم كثيرا في انتظار نتائجها، فكل الدلائل كانت تشير إلى أن انتخابات هولندا ستعطي مؤشرات قوية على توجهات الناخبين في القارة العجوز بعد الهزات التي عرفتها القارة.

ونظمت انتخابات هولندا في سياق أوروبي يتميز بارتفاع منسوب الإسلاموفوبيا في معظم أرجاء القارة، وتفاقم الكراهية للمهاجرين والأجانب، وصعود الخطاب الشعبوي، وتنامي الشكوك بشأن الوحدة الأوروبية، وزيادة دعوات الانفصال بعد قرار البريطانيين الخروج من الاتحاد الأوروبي.

وتزداد أهمية نتائج الانتخابات الهولندية أيضا بالنظر إلى كونها أول انتخابات من سلسلة انتخابات حاسمة ستجري في أوروبا (فرنسا وألمانيا)، وينتظر أن تعيد نتائج هذه الانتخابات رسم المشهد السياسي الأوروبي.

الرابحون
كان أول الرابحين من انتخابات مارس/آذار 2017 في هولندا هو الحزب الحاكم حزب الشعب للحرية والديمقراطية، وهو حزب سياسي ليبرالي محافظ يتزعمه رئيس الوزراء مارك روته.

وقد حصل على 33 مقعدا من أصل 150 هي مقاعد البرلمان الهولندي، مقارنة بـ41 مقعداً في انتخابات 2012.

وحقق حزب "الحرية" اليميني المتطرف الذي يتزعمه خيرت فيلدرز بعض التقدم، حيث حصل على 20 مقعدا، متقدما بعدة مقاعد عن الانتخابات السابقة (2012) التي فاز فيها بـ15 مقعدا.

وزاد حزبا "ديمقراطيون 66″ (يسار الوسط) و"النداء الديمقراطي المسيحي" (يمين الوسط) من حضورهما ورفعا عدد مقاعدهما في البرلمان، حيث حصل كل منهما على 19 مقعدا، بزيادة بلغت 7 و6 مقاعد للحزبين على الترتيب.

وبرز حزب الخضر اليساري أيضا كأحد أهم الرابحين من الانتخابات بحصده 14 مقعداً، مقارنة بـ4 مقاعد فقط في الانتخابات الماضية.

ويرأس هذا الحزب الشاب جيسي كلافر الذي ينحدر من أصول مغربية (أبوه من أصول مغربية وأمه من أصول إندونيسية)، ويحظى بشعبية متزايدة في هولندا، وقد خرج من هذه الانتخابات كأقوى قوة حزبية في العاصمة أمستردام، وذلك وفقا للنتائج المعلنة.

الخاسرون
أما أكبر الخاسرين في الانتخابات، فكان حزب العمل الذي يصنف ضمن يسار الوسط، حيث تظهر النتائج خسارته لـ29 مقعداً واكتفاؤه بتسعة مقاعد فقط عوضاً عن 38 مقعداً كانت بحوزته، وهي أكبر نكسة انتخابية يتعرض لها الحزب في تاريخه القريب.

ويعتبر حزب العمل أحد شركاء رئيس الوزراء مارك روتي في الائتلاف الحكومي الذي تشكل وفق الخريطة السياسية التي أفرزتها انتخابات 2012 البرلمانية.

وينظر إلى حزب "الحرية" اليميني المتطرف الذي يتزعمه خيرت فيلدرز باعتباره أيضا أحد الخاسرين في هذه الانتخابات، فرغم أنه حققا تقدما وكسب مقاعد إضافية وجاء ثانيا في الترتيب الانتخابي بعد الحزب الحاكم، فإنه أيضا لم يحقق النتيجة التي كان يتوقعها أنصاره مدعومين باستطلاعات الرأي التي ظلت لفترة طويلة تمنحه المرتبة الأولى.

كما أنه خسر على المستوى السياسي حلفاءه المفترضين، إذ بادرت أغلب الأحزاب المؤثرة إلى الإعلان عن عدم استعدادها للتحالف معه لتشكيل حكومة جديدة، ويعود ذلك إلى حالة النفور التي بدأت تبرز في المشهد السياسي الهولندي من خطابه المتطرف، خصوصا تجاه الوحدة الأوروبية، فضلا عن دواعي المنافسة السياسية الطبيعية.

أهم النتائج
وفي المجمل فقد حصلت أهم الأحزاب المشاركة على النتائج التالية:
– حزب الشعب للحرية والديمقراطية: 33 مقعدا.
– حزب "الحرية": 20 مقعدا.
– حزب "ديمقراطيون 66": 19 مقعدا.
– حزب النداء الديمقراطي المسيحي: 19 مقعدا.
– حزب الخضر اليساري: 14 مقعدا.
– حزب الاشتراكيين: 14 مقعدا. وقد حل حزبا الاشتراكيين والخضر اليساري في المركز الرابع.
– حزب العمل: 9 مقاعد.
– حزب دانك (التفكير): 3 مقاعد.

مواقف
اعتبر رئيس الوزراء الهولندي الليبرالي مارك روتي أن نتائج الانتخابات مثلت "انتصارا على الشعبوية السيئة". وقال إن الهولنديين أوقفوا بتصويتهم هذا المد الشعبوي الذي بدأ مع البريكست في بريطانيا ومن ثم انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة. وأضاف أمام حشد من أنصاره "بعد بريكست والانتخابات في الولايات المتحدة، قالت هولندا كفى للشعبوية السيئة".

من جانبه، هنأ زعيم حزب الحرية خيرت فيلدرز -المعادي للإسلام والمهاجرين- رئيس الوزراء الهولندي، وقال للصحفيين في لاهاي "نحن أحد الفائزين في هذا التصويت، لكن بالطبع كنت أود أن نكون نحن الحزب صاحب الصدارة"، مشيرا إلى أنه كان يتمنى الحصول على ثلاثين مقعدا، لكنه أعرب عن سعادته بهذه النتيجة بعد زيادة عدد مقاعد حزبه.

كما أعلن فيلدرز استعداده للمشاركة في ائتلاف حكومي رغم رفض سائر الأحزاب مسبقا التعاون معه، وقال للصحفيين "إذا كان ذلك ممكنا، أود المشاركة في الحكم، ولكن هذا الأمر لن يتم أبدا، سندعم الحكومة حيث يجب في المسائل التي تهمنا".

وفي ردود الفعل، رحب رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر بما وصفه بالفوز الصريح لرئيس الوزراء الهولندي في الانتخابات العامة في بلاده، واعتبره "تصويتا لأوروبا وتصويتا ضد المتطرفين".

من جهته، أشار مصدر في المفوضية الأوروبية لوكالة الصحافة الفرنسية إلى وجود ما وصفه بالارتياح في بروكسل.

كما هنأت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل رئيس الوزراء الهولندي على إعادة انتخابه. وأعربت ميركل خلال اتصال هاتفي مع روتي عن تطلعها إلى "مواصلة التعاون كأصدقاء وجيران وأوروبيين"، بحسب ما ذكره شتيفن زايبرت المتحدث باسم المستشارة الألمانية.

المصدر : الجزيرة + وكالات