إسحاق نيوتن.. مكتشف الجاذبية ومنكر "الثالوث المقدس"

UNITED KINGDOM - MARCH 18: Portrait after John Vanderbank's painting. Isaac Newton (1642-1727) graduated from Trinity College, Cambridge in 1665, becoming Lucasian Professor of Mathematics there in 1669. His theories, published in his treatise �The Mathematical Principle of Natural Philosophy� in 1687, exerted a huge influence on science. They included the three laws of motion, the theory of gravitation and the law of cooling. As a mathematican, Newton also discovered the binomial theorem and differential calculus. His work was unique, pointing physics in a new direction and giving mathematical expression to physical phenomena. (Photo by SSPL/Getty Images)
إسحاق نيوتن وُلد يتيما ونشأ مع جدنه بعد أن تزوجت أمه (غيتي)

عالم إنجليزي يعدّ أحد أبرز رواد الثورة العلمية في القرن 17، التي مهدت لاحقا لما سمي بـ"عصر التنوير"، وعلى الرغم من أنه حاز شهرته لاكتشاف "قوانين الحركة والجاذبية"، فإنه قدّم العديد من الإنجازات العلمية الأخرى في مجالات متنوعة؛ مثل: الفيزياء والرياضيات وعلم الفلك والبصريات واللاهوت، وجعلته إنجازاته واحدا من أعظم العلماء وأكثرهم تأثيرا في التاريخ.

المولد والنشأة

ولد إسحاق نيوتن يوم 4 يناير/كانون الثاني 1643 في قرية صغيرة بمقاطعة لينكولنشاير في إنجلترا، وقد كان يتيما، إذ توفي والده الذي حمل -أيضا- اسم "إسحاق نيوتن" قبل 3 أشهر من ولادته.

وعندما أصبح نيوتن في الثالثة من عمره، تزوجت والدته مرة أخرى وذهبت لتعيش مع زوجها الجديد، القس برنابا سميث، تاركة ابنها في رعاية جدته لأمه. كان نيوتن يكره زوج أمه ويكنّ بعض العداء كذلك تجاه والدته؛ بسبب زواجها منه.

الدراسة والتكوين العلمي

تلقى نيوتن تعليمه منذ سن 12 وحتى 17 من عمره في مدرسة الملك في غرانثام، التي كانت تدرّس اللغة اللاتينية واليونانية القديمة. لكن والدته قررت إخراجه من المدرسة ليعود إلى القرية ويعمل مزارعا، وهي مهنة كان نيوتن يمقتها بشدة، ورفض العمل فيها.

اقتنعت والدته أخيرا بعودته إلى المدرسة بعد أن يئست من إجباره على العمل، وعند عودته، تميّز ليصبح الطالب الأعلى مرتبة بين زملائه؛ إذ عرف باختراعاته وبنائه لنماذج عديدة للساعات الشمسية وطواحين الهواء.

وفي يونيو/حزيران 1661، قُبل نيوتن في كلية ترينيتي في جامعة كامبريدج، حيث أتم دراسته الجامعية وحصل على درجة الماجستير.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 1667، انتُخب نيوتن زميلا في الثالوث بجامعة كامبريدج، وفي 1669 أصبح نيوتن أستاذا في كلية ترينيتي، ولاحقا انتُخب لزمالة الجمعية الملكية في 1672.

التجربة العلمية

يرتبط اسم نيوتن في أذهان كثيرين بالتفاحة التي سقطت على رأسه بينما كان جالسا تحت الشجرة، وأن تلك التفاحة كانت السبب الذي أدى إلى اكتشافه قانون الجاذبية، ومع ذلك فقد اختلف المؤرخون حولها، فمنهم من عدّها أسطورة، ومنهم من أكدّ حدوثها، لكن المؤكد أنه اكتشف الجاذبية ووضع قوانينها الأساسية.

بدأ نيوتن بتطوير نظريته حول الجاذبية في 1665، ثم صبّ تركيزه على دراسة تأثيرها على مدارات الكواكب في 1679، وتوصل إلى أدلة تبرهن أن الشكل الإهليلجي لمدارات الكواكب ينتج عن قوة جذب مركزي تتناسب عكسيا مع مربع ناقل نصف القطر. وأرسل نيوتن نتائجه إلى عالم الفلك والرياضيات الشهير إدموند هالي وإلى الجمعية الملكية في كتابه "حول حركة الأجسام في مدارات".

احتوى الكتاب على النواة التي طورها نيوتن لتشكل لاحقا كتاب "المبادئ"، الذي نشر في 5 يوليو/تموز 1687 بتشجيع ومساعدة مالية من هالي. ويعدّ كتاب المبادئ أحد أبرز أسباب شهرة نيوتن.

وفي هذا الكتاب تحدث نيوتن عن القوانين العالمية الثلاثة للحركة التي تصف العلاقة بين أي جسم، والقوى المؤثرة فيه والحركة الناتجة عنه، وشكّلت هذه القوانين الحجر الأساس للميكانيكا الكلاسيكية، كما أسهمت في العديد من التطورات خلال فترة الثورة الصناعية.

قدّم نيوتن طريقة تشبه حساب التفاضل والتكامل للتحليل الهندسي باستخدام "النسب الأولى والأخيرة"، وأعطى أول تحليل (استند فيه إلى قانون بويل) لسرعة الصوت في الهواء، واستدل على تفلطح الشكل الكروي للأرض، ودرس حركة القمر وتأثيرها في الأرض، وقدم نظرية لتحديد مدارات المذنبات، وغيرها.

نيوتن رفض فكرة أن الكون يعمل من تلقاء نفسه على مدار الساعة وشدد على وجود "العناية الإلهية" (غيتي)

إنجازاته العلمية الأخرى

من أشهر إنجازات نيوتن في مجال الرياضيات توصله لنظرية حساب التفاضل والتكامل، لكنها أثارت كثيرا من النزاعات والجدل آنذاك، فقد اكتشف عالم الرياضيات الإنجليزي جون لايبنتز قوانين التفاضل والتكامل خلال الفترة ذاتها، وتنازع الطرفان حول أحقية هذا الاكتشاف، ووصل النزاع إلى ذروته في 1711 عندما أعلنت الجمعية الملكية في دراسة أن نيوتن هو المكتشف الحقيقي، ووصفت لايبنتز بأنه محتال.

اتهم المؤرخون نيوتن لاحقا باستغلال منصبه ومكانته في الجمعية العلمية لتمرير هذا الإعلان، ويعتقد كثيرون منهم أن كلا من نيوتن ولايبنتز قد توصلا لاكتشاف حساب التفاضل والتكامل في الوقت نفسه وبشكل مستقل، على الرغم من ترجيح بعض المؤرخين أن نيوتن قد سبق لايبنتز في هذا الاكتشاف، فإنه اعتُمد على ترميز لايبنتز، وعُدّت طريقته أكثر ملاءمة بالنسبة للعديد من علماء الرياضيات في وقت لاحق.

وفيما عدا حساب التفاضل والتكامل، قدّم نيوتن العديد من الإسهامات في مجال الرياضيات، كان منها تصنيف منحنيات المستوى المكعب، والإسهام في نظرية الاختلافات المحدودة، فقد كان أول من استخدم المؤشرات الكسرية واستخدم الهندسة الإحداثية لاستخلاص حلول لمعادلات ديوفانتاين.

وبعيدا عن عالم الرياضيات كان لنيوتن إسهامات جلية كذلك في مجال البصريات، فقد لاحظ في 1666 أن طيف الألوان الخارج من المنشور في موضع الحد الأدنى من الانحراف يكون مستطيلا، حتى عندما يدخله شعاع ضوئي دائري، وهذا يعني أن المنشور ينكسر إلى ألوان مختلفة بزوايا مختلفة. وقاده هذا إلى استنتاج أن اللون هو خاصية جوهرية للضوء، وهي النقطة التي كانت، حتى ذلك الحين، موضع نقاش.

وما بين عامي 1670 و1672، ألقى نيوتن العديد من المحاضرات في علم البصريات. ودرس خلال هذه الفترة انكسار الضوء، موضحا أن الصورة متعددة الألوان التي ينتجها المنشور (الطيف)، يمكن إعادة تكوينها إلى ضوء أبيض بواسطة عدسة ومنشور ثان.

واستنتج نيوتن أن عدسة أي تلسكوب كاسر ستعاني من تشتت الضوء إلى ألوان (الانحراف اللوني). وكدليل على هذا المفهوم، بنى تلسكوبا باستخدام المرايا العاكسة بدلا من العدسات، وهو أول تلسكوب عاكس وظيفي معروف باسم التلسكوب النيوتوني.

ومن بين ما يقدر بعشرة ملايين كلمة مكتوبة في أوراق نيوتن، هناك حوالي مليون كلمة كتبها في مجال الكيمياء، إلا أن العديد من كتاباته في الكيمياء هي نسخ من مخطوطات أخرى، مع إضافة شروحه الخاصة عليها.

كتب نيوتن عن الفلسفة والطبيعة عزّزت مكانته عالما بارزا (مواقع التواصل الاجتماعي)

التجربة الدينية

بعيدا عن المجالات العلمية كان نيوتن ناشطا -أيضا- في مجال اللاهوت، فقد كتب في تسعينيات القرن 17عددا من المقالات الدينية التي تتناول التفسير الحرفي والرمزي للكتاب المقدس.

ومن أشهر أعماله في هذا المجال، مخطوطة أرسلها إلى الفيلسوف الإنجليزي جون لوك شكك فيها في صحة "الفاصلة اليوحناوية"، وهي عبارة يعتقد أنها موضوعة في الإصحاح الخامس (5-7) من رسالة يوحنا. ولم تُنشر مخطوطة نيوتن تلك حتى سنة 1785.

كما اعتاد نيوتن على تسجيل أبحاثه اللاهوتية في دفاتر ملاحظات لم يعرضها على أحد، وعندما اطُلِع عليها لاحقا أظهرت سعة معرفته بالنصوص الدينية.

ومن المعروف عن نيوتن أنه كان رافضا لفكرة "الثالوث المقدس"، إذ رأى أن عبادة المسيح لا تختلف عن عبادة الأوثان، وتصنّف من ضمن الخطايا الكبرى، وبسبب ذلك اتهمه كثير من المؤرخين بالهرطقة.

الوظائف والمسؤوليات

تقلّد نيوتن العديد من المناصب المرموقة بإنجلترا منها:

  • كان عضوا في برلمان إنجلترا عن جامعة كامبريدج، ما بين 1689 و1701.
  • تولى منصب مراقب دار سك العملة الملكية في 1696.
  • أصبح بعد ذلك رئيسا للدار، وهو المنصب الذي شغله في الأعوام الثلاثين الأخيرة من حياته.
  • عيّن رئيسا للجمعية الملكية في 1703 وعضوا في أكاديمية العلوم الفرنسية.
  • وفي أبريل/نيسان 1705، منحته الملكة آن لقب فارس خلال زيارة ملكية لكلية ترينيتي في كامبريدج، ليصبح بذلك ثاني عالم يحصل على هذا اللقب بعد الفيلسوف فرانسيس بيكون.

ومن المهام الحكومية التي أوكلت له كشف العملات المزورة أثناء إعادة سكّها، وقد قدّر نيوتن أن 20% من العملات المعدنية التي استُولي عليها خلال عملية إعادة سك العملة الكبرى في 1696 كانت مزيفة.

وكان التزييف حينها خيانة عظمى، يعاقب عليها المجرم بالشنق والتقطيع إلى أرباع. وعلى الرغم من أن إدانة المجرمين صعبة للغاية، لكن نيوتن أثبت أنه على قدر المهمة، فقد تنكّر بهيئة أحد مرتادي الحانات، وجمع كثيرا من تلك الأدلة بنفسه، ثم أجرى أكثر من 100 استجواب للشهود والمخبرين والمشتبه بهم في الفترة ما بين 1698 و1699، ونجح في محاكمة 28 من مزوري العملة.

الوفاة

في أيامه الأخيرة، أقام نيوتن مع ابنة أخته وزوجها التي اهتمت به حتى وفاته في 20 مارس/آذار 1727 في كرانبيري بارك، بالقرب من وينشستر، حيث أقيمت لنيوتن جنازة مهيبة حضرها النبلاء والعلماء والفلاسفة، ودُفن في كنيسة ويستمنستر الملكية بين الملوك والملكات. ليكون أول عالم يُدفن في ديرها.

عقب وفاته فُحص شعره وتبيّن تعرّضه للزئبق، ويُعتقد أنه تأثر به نتيجة لتجاربه الكيميائية؛ فأصيب بالتسمم به حتى تُوفي.

المصدر : مواقع إلكترونية