أدولف أيخمان.. نازي متهم بـ"الهولوكوست" تخفى بثوب قسيس وخطفته إسرائيل وأعدمته

Adolf Eichmann, the Nazi war criminal and fanatical anti-semite. (Photo by © Hulton-Deutsch Collection/CORBIS/Corbis via Getty Images)
أدولف أيخمان كان يلقب بـ"اليهودي" في طفولته لاختلاف لون بشرته عن الأوروبيين (غيتي)

أدولف أيخمان أحد أشهر النازيين المسؤولين عن ترحيل اليهود إلى معسكرات الموت في بولندا، نشأ في النمسا وتوفيت أمه في طفولته، مارس مهنا مختلفة قبل أن يلتحق بالحزب النازي وبالفيلق النمساوي للحزب في بافاريا.

حاول زيارة فلسطين لدراسة ترحيل اليهود إليها قبل أن يكلف بوضع خطة لإبادة يهود أوروبا، وانتهت حياته بالإعدام شنقا عام 1962 بعدما خطفته الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (الموساد) ومحاكمته في إسرائيل.

المولد والنشأة

ولد أدولف أيخمان يوم 19 مارس/آذار 1906، في مدينة زولينغن غرب ألمانيا. وكان والده كارل أيخمان يعمل محاسبا في شركة كهرباء، قبل انتقاله عام 1913 لوظيفة أخرى في النمسا.

سافر أدولف وإخوته الخمسة للعيش مع والدهم في مدينة لينز شمال النمسا بعد وفاة والدتهم، بالتزامن مع بداية الحرب العالمية الأولى، وخدمة الأب في الجيش النمساوي الهنغاري.

وكان الأطفال في صغره ينعتونه بـ"اليهودي"، بسبب لون بشرته الأقل بياضا من بشرة الأوروبيين.

تزوج أيخمان عام 1935 في ألمانيا من امرأة تدعى فيرونيكا، وأنجب منها 4 أبناء هم كلاوس وهورست وديتر وفرانسيسكو.

أدولف أيخمان في زنزانته بقلعة تيغارت عام 1961 (غيتي)

التكوين العلمي

بدأ أيخمان دراسته في النمسا وأتمّ فيها تعليمه النظامي، ثم درس الهندسة الميكانيكية، لكنه لم يكمل تعليمه لظروف اقتصادية، إذ تأثر العالم آنذاك بالأزمة الاقتصادية التي تلت الحرب العالمية الأولى.

التجربة المهنية والسياسية

تنقل أيخمان بين عدة مهن بعد انقطاعه عن التعليم، فبدأ بالعمل مع والده في شركة تعدين لمدة عامين، ثم عمل بائعا في محلات بالنمسا، ثم في شركة نفط.

واستمر عمله حتى عام 1932، حين عرض عليه أرنست كالتنبرونر الانضمام للحزب النازي بالنمسا، وكان ضمن الفيلق النمساوي الذي تمثل في جمعية للعاطلين من أعضاء الحزب النازي.

وفي عام 1933 عاد أيخمان إلى ألمانيا، والتحق في العام التالي بفرقة القوات الخاصة الألمانية "إس إس"، وكان في المكتب المسؤول عن شؤون اليهود.

وفي عام 1937، حاول السفر إلى فلسطين لدراسة إمكانية ترحيل اليهود إليها، لولا أن السلطات البريطانية لم تمنحه تأشيرة دخول، فقرر السفر إلى القاهرة.

وفي القاهرة التقى أحد أعضاء منظمة "الهاغاناه"، كما التقى مفتي فلسطين أمين الحسيني، وبعدها كتب تقريرا يعارض فيه فكرة ترحيل اليهود بشكل جماعي إلى فلسطين.

كانت معارضة أيخمان لأسباب اقتصادية، ولمعارضة قيام دولة يهودية مع الفكر النازي، لكنه عمل جاهدا لدراسة هجرة اليهود، وهو ما أهّله لمناصب مهمة لاحقا.

وفي مارس/آذار 1938 وبعد الضم الألماني للنمسا، عاد أيخمان إلى ألمانيا، وقاد حملة ضد المكاتب الثقافية اليهودية، وعمل على إنشاء مكتب مركزي للهجرة اليهودية.

أدولف أيخمان وضع داخل القفص الزجاجي يسار الصورة حماية له من اعتداء أهالي الضحايا (غيتي)

وفي 20 أغسطس/آب 1938 افتتح المكتب الذي سهّل هجرة ما يزيد على 100 ألف يهودي نمساوي في الفترة ما بين أغسطس/آب 1938 ويونيو/حزيران 1939.

ونجح المكتب في إجبار اليهود على الهجرة بتأسيس نموذج مثالي سمي بـ"نموذج فيينا"، وترقى أيخمان في القوات الخاصة الألمانية مع بداية الحرب العالمية الثانية، فصار قائد فريق في "إس إس"، وعقد علاقات مع مكتب الهجرة اليهودية.

وأجرى اتصالات بـ"الحركة الصهيونية" لتسريع هجرة اليهود من "الرايخ الثالث" إلى فلسطين، وعاد بعدها إلى برلين عام 1939.

هناك تولى أيخمان قيادة المكتب في بداية أكتوبر/تشرين الأول 1939، لكن نجاحه في هذه المهمة كان أقل من المهمة السابقة.

إبادة اليهود

تشكّل مكتب الأمن الرئيسي للرايخ في الفترة التالية لعودة أيخمان لألمانيا، وأصدر مشروع مدغشقر ووضع خطة لعمليات ترحيل قسرية لليهود، لكنها لم تنفذ.

وفي عام 1940، تمت ترقيته إلى رتبة رائد في القوات الألمانية الخاصة، بعد محاولته الترحيل الجماعي لليهود، والتي بدأت مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، ما أرضى المسؤولين الألمان عن جهوده.

وفي عام 1941، أمر هايدرك قائد مكتب الأمن الرئيسي أيخمان بالمشاركة في التخطيط لإبادة يهود ألمانيا.

أيخمان وجهت له تهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية (غيتي)

وفي يناير/كانون الثاني عام 1942، طلب منه هايدرك إلقاء محاضرة بعد توليه منصب مدير النقل النهائي لليهود ونقلهم لمعسكرات الموت في بولندا، وذلك في المؤتمر المنعقد لكبار المسؤولين النازيين بمنطقة وانسي في برلين، وكان هدف المؤتمر تنظيم الخدمات اللوجستية لما يسميه النازيون "الحل النهائي للمسألة اليهودية".

وتولى أيخمان مع معاونيه في مناطق مختلفة عملية نقل اليهود من جميع أنحاء أوروبا إلى مراكز الإبادة (يطلق عليها اليهود محرقة الهولوكوست).

وفي عام 1945 أمر هاينريش هيملر قائد القوات النازية الخاصة بوقف إبادة اليهود، ومحو أي أثر لعمليات الإبادة، وهو ما أثار غضب أدولف أيخمان، فأكمل جهوده في الإبادة في المجر بشكل مباشر ولم يتول ذلك أحد من معاونيه، واستطاع التهرب من استدعائه للمشاركة في التنجيد العسكري الألماني.

الهروب والاختطاف

دخل أيخمان الاتحاد السوفياتي وعاد إلى النمسا، وفيها قابل صديقه كالتر برونر، والذي أقلقه الاتصال بأيخمان لشهرته بعمليات ترحيل اليهود إلى غرف الغاز.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ألقت الولايات المتحدة القبض على أدولف، لكنه استطاع الهرب من السجن الأميركي في بداية عام 1946، وبعد تنقله في ألمانيا مختبئا هرب إلى إيطاليا بداية عام 1950.

أدولف أيخمان يستمع إلى لائحة الاتهام الموجهة ضده والتي استغرقت ساعة وربع الساعة (غيتي)

وكان هروبه بمساعدة الكنيسة الكاثوليكية، وفيها عاش بأسماء مستعارة وتقمّص شخصيات كان أشهرها اللاجئ ريكاردو كليمنت، وحصل على جواز سفر اللجنة الدولية للصليب الأحمر بجنيف، كما حصل على تأشيرة الأرجنتين باسمه المزيف، بمساعدة راهب.

وفي 14 يوليو/تموز 1950، سافر إلى الأرجنتين وعمل في وظائف مختلفة وغريبة، منها مشرف على العمال في مصنع مرسيدس ومسؤول عن المياه في مزارع الأرانب.

وفي تلك الفترة كان البحث عن القادة النازيين نشطا، فاستطاعت الاستخبارات الإسرائيلية جمع معلومات عنه، من خلال تقارب بين أسرته وأسرة لوثر هيرمان المستقرة في بوينس آيرس بالأرجنتين.

وكان هيرمان الناجي من المحرقة قد أخفى كونه وأسرته يهودا وكان فاقدا للبصر، إلا أنه سمع ذات يوم صوت أيخمان، وهو يردد بفخر مسؤولية والده عن نقل اليهود لمعسكرات الإبادة.

ولما تعرف الأعمى هيرمان على صوت أيخمان الذي كان يحفظه من معتقلات التعذيب النازية بدأت المراسلات بين هيرمان والمدعي العام للدولة الألمانية الغربية، واتصل بمسؤولين إسرائيليين.

وفي 11 مايو/أيار 1960 كان عناصر الموساد قرب منزل أيخمان ينتظرون عودته من عمله في مصنع مرسيدس، واختطفوه ورحلوه إلى القدس لمحاكمته.

وكانت عملية اختطافه "أشبه بعملية صيد وحش" حسب حديث رفائيل إيتان أحد مؤسسي جهاز الاستخبارات الإسرائيلية لإحدى الصحف، وذلك لأن ديفيد بن غوريون أراد إلقاء القبض عليه حيا.

وقال بن غوريون "إذا قتلت أيخمان فلن يعلم العالم أبدا بما فعله، إننا نحتاج إلى تذكير العالم بما فعله وما مر به اليهود".

وبعد التحقيق معه واعترافه أنه أدولف أيخمان، صبغ أفراد الموساد شعره ووضعوا له شاربا مزيفا، وخدروه ليتم نقله دون ممانعة من السلطات الأرجنتينية.

وفي 23 مايو/أيار 1960، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بن غوريون خبر اعتقال أيخمان في جلسة للكنيست، وطالبت الأرجنتين بعقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن في الأمم المتحدة، معتبرة حادثة الخطف تلك انتهاكا للحقوق السيادية للأرجنتين، وذلك بعد فشل المفاوضات السرية بين الأرجنتين وإسرائيل.

ونفت ممثلة الحكومة الإسرائيلية غولدا مائير اختطاف أيخمان، وقالت إن متطوعين يهودا هم الذين قاموا بذلك.

المحاكمة والإعدام

حوكم أدولف أيخمان في القدس بتهمة ارتكاب جرائم حرب، ووجهت له 15 تهمة جنائية، منها جرائم ضد الإنسانية وأخرى ضد الشعب اليهودي والانتماء لمنظمة محظورة.

ولاقت محاكمته التي ترأسها 3 قضاة اهتماما عالميا، ووقف أمام القضاة في قفص من زجاج مضاد للرصاص لحمايته من عائلات الضحايا، حسب قول إسرائيل.

ودافع أيخمان عن نفسه في المحكمة بقوله إنه مجرد منفذ لأوامر قادته النازيين، لكن الشهود الذين زاد عددهم على الـ100 نفوا ذلك، ما أبطل الأخذ بدفاعه.

وفي 14 أغسطس/آب أدين أيخمان وصدر في حقه حكم بالإعدام، وفي 15 ديسمبر/كانون الأول 1961، صدر قرار إعدامه، لكنه استأنف الحكم وادعى أنه كان يحمي الدولة، لكن المحكمة رفضت الاستئناف، وقالت إنه لم يتلق أي أوامر عليا بجرائمه.

وأعدم أدولف أيخمان شنقا في ليلة 31 مايو/أيار 1962 في سجن الرملة، ولم يدفن بل حرقت السلطات اليهودية جثته، وذرت رماده في البحر خارج المياه الحدودية الإسرائيلية، لئلا تكون أي أرض مثواه الأخير.

وأنتجت عدة أعمال سينمائية حول قصته ومحاكمته التي أثارت ضجة عالمية.

المصدر : مواقع إلكترونية