عاصفة دانيال

دانيال هي عاصفة شبيهة بالإعصار تحدث في البحر المتوسط، ترافقها رياح حلزونية تتشكل بسبب الموجة الاستوائية المدارية قبالة المحيط الأطلسي، وتم التعرف على هذه الظاهرة أول مرة في الثمانينيات. في سبتمبر/أيلول 2023 ضربت عاصفة شبيهة بالإعصار اليونان فأطلقت الأرصاد الجوية اليونانية عليها اسم "دانيال" على أمل أن يكون خفيفا كما الأعاصير التي حملت نفس الاسم من قبل. إلا أنه تحول إلى إعصار شديد لا سيما مع وصوله إلى ليبيا حتى صنّف واحدا من أقوى الأعاصير الممطرة وأشدها في آخر 100 عام. ويعد أحد أشكال التغير المناخي المرعب الذي يضرب العالم وتزداد ضراوته عاما بعد عام.

وقد تسبب إعصار البحر الأبيض المتوسط "دانيال" في فيضانات مدمرة في ليبيا، تسببت في مقتل وإصابة آلاف بالإضافة إلى كثير من المفقودين، وألحقت دمارا كبيرا بالمنازل والممتلكات والمنشآت في مدن ساحلية شرقي البلاد.

دانيال.. ظاهرة جوية

تولدت عاصفة دانيال بسبب موجة استوائية بالقرب من السواحل المكسيكية ويصنفها خبراء الأرصاد بأنها منخفض استوائي، ثم صنفت إعصارا منذ عام 2006.

وهي ظاهرة جوية تتمثل في رياح على شكل حلزوني أو ما يسمى بالإعصار الحلقي، نشأت نتيجة لتكوّن موجة استوائية مدارية قبالة المحيط الأطلسي متحركا باتجاه الغرب مع حمل حراري قليل بسرعة رياح تصل ذروتها إلى نحو 24 كيلومترا في الساعة. مما يسبب زيادة نشاط العواصف الرعدية وأمطارا غريزة تكون دائرية ملتفة حول مركز دورة الإعصار مسببة فيضانات.

This 28 July 2000 GOES 10 satellite image released by the National Oceanic and Atmospheric Administration (NOAA) shows Hurricane Daniel (C) out in the Pacific Ocean east of the Hawiian Islands (White outline-L). Daniel has been slowly weakening and is no threat to land at this time. Daniel's maximum sustained winds are near 100 miles per hour and approximately 1,400 miles East-Southeast of Hilo, HI. AFP PHOTO/NOAA (Photo by NOAA / NOAA / AFP)
صورة بالأقمار الصناعية لإعصار دانيال في المحيط الهادئ شرق جزر هاواي عام 2000 (الفرنسية)

والإعصار المَدارِيّ أو الإعصار الاستوائي عموما، عاصفة تتميز بمركز ضغط منخفض وعدد كبير من العواصف الرعدية التي تؤدي إلى رياح قوية قد تصل إلى نحو 200 كيلومتر في الساعة، مترافقة بأمطار غزيرة وفيضانات، لكنها تتشكل بوجود مساحات كبيرة من المياه الدافئة، وتفقد قوتها إذا ما وصلت إلى اليابسة بسبب الاحتكاك وزيادة فقدان سطح المحيط الدافئ كمصدر للطاقة.

وهذا هو السبب في أن المناطق الساحلية يمكن أن تتلقى ضررا كبيرا من الأعاصير الاستوائية، حيث تنتج فيضانات ساحلية واسعة تصل إلى مدى 40 كيلومترا من الساحل، بينما تظل المناطق الداخلية آمنة نسبيا من تأثير الرياح القوية والأمطار الغزيرة، وعلى الرغم من ذلك يمكن أن تنتج فيضانات كبيرة في المناطق الداخلية.

وتتكون هذه الأعاصير عندما يتبخر الماء الدافئ من المحيط فترتفع في هواء مشبع بالبخار، ومع زيادة ارتفاعها تصل إلى طبقات هوائية باردة مما يؤدي إلى تكاثف بخار الماء الموجود في الهواء الرطب.

والسمة التي تصنف الأعاصير المدارية عن غيرها من أنظمة الأعاصير الأخرى، هي أن الأعاصير الاستوائية يكون مركزها أكثر دفئا من أطرافها على أي ارتفاع في الغلاف الجوي، وهي ظاهرة تعرف باسم عاصفة "القلب الحار".

الطريق الساحلي بعد الفيضانات التي نتجت عن عاصفة ​​"دانيال" في درنة (الفرنسية)

إعصار نادر وقوي

تم تصنيف "دانيال" في اليونان وليبيا، على أنه إعصار أو عاصفة استوائية مصحوبة برياح سطحية مستدامة قصوى بين 63 و117 كيلومترا في ساعة. ولم تكن الظاهرة مألوفة خلال العقود الماضية وهي ناجمة عن تغيرات المناخ التي يعاني منها العالم.

ويؤكد خبراء الأرصاد الجوية أن عاصفة بـ"خصائص شبه استوائية" تعد من الأمور النادرة التي تحدث خصوصا في شهر سبتمبر/أيلول.

سمي الإعصار دانيال بالإعصار التاسع بعد أن كان قد استخدم لثمانية أعاصير مدارية سابقة في المحيط الأطلسي، خلال نحو 40 عاما، وتم تصنيفه عام 2023 واحدا من أقوى الأعاصير الممطرة التي ضربت الدول على ساحل البحر الأبيض المتوسط وأشدها في آخر 100 عام. إذ جلب لأول مرة فيضانات مدمرة في اليونان، وصار يعرف بالإعصار المتوسطي الشبيه بالإعصار الاستوائي.

وعندما تحرك جنوبا اشتدت قوته وتحول إلى نظام ضغط منخفض يشبه النظام الاستوائي، قبل أن يصل إلى اليابسة في بنغازي بعد ظهر يوم الأحد 10 سبتمبر/أيلول 2023، ويُعرف هذا النوع من الأنظمة بشكل غير رسمي باسم "ميدكان" وهو مزيج من الكلمتين "البحر الأبيض المتوسط" و"الإعصار" ويتشكل عندما تغذي العاصفة مياه البحر الأبيض المتوسط ​​الدافئة.

ويرجع خبراء الأرصاد الجوية الفرضية الرئيسية في تشكل عاصفة دانيال، إلى موجة الحرارة البحرية التي تؤثر على منطقة شمال المحيط الأطلسي، حيث نشأ الإعصار. إذ يبدو أن تغير المناخ بعد بضعة أشهر من موجات الحر الشديدة هو المسؤول عن عدم استقرار الطقس. ويرجح بعض خبراء الطقس وجود علاقة بين الاحتباس الحراري وشدة الأعاصير وسلوكها.

الذروة المناخية

في يوم 5 سبتمبر/أيلول 2023 تشكل الإعصار دانيال في البحر الأبيض المتوسط، وفي غضون أسبوع، تطور إلى إعصار ميديكان أو إعصار البحر الأبيض المتوسط، ووصل نحو السواحل الليبية ودخل اليابسة يوم 10 سبتمبر/أيلول 2023.

تاريخيا، يظهر النشاط الاستوائي فوق المحيط الأطلسي بين منتصف أغسطس/آب ومنتصف أكتوبر/تشرين الأول، لكن الذروة المناخية تكون في 10 سبتمبر/أيلول، وهو الزمن الذي ظهرت فيه العواصف الأكثر شهرة في حوض الأطلسي، ويُرجع الخبراء ذلك إلى عدد من العوامل، بما فيها انتشار مياه المحيط الدافئة وقلة الغبار الصحراوي والرياح العاتية عبر الحوض خلال هذا الإطار الزمني.

يذكر خبير الأرصاد الجوية في ولاية كولورادو فيليب كلوتزباخ، أنه منذ بداية عصر الأقمار الصناعية عام 1966، كان إعصار واحد على الأقل ينتقل عبر الحوض الأطلسي يوم 10 سبتمبر/أيلول من أصل نحو 50% من جميع مواسم الأعاصير بهذه المناطق.

ووجد عالم الأرصاد الجوية بريان ماكنولدي أن الذروة تحدث خلال الأسبوعين الأولين من شهر سبتمبر/أيلول، وأخبر موقع "أكيوويذر" أنه لم ير كثيرا من الأدلة التي تشير إلى أن ذروة موسم الأعاصير يمكن أن تتغير حتى في مواجهة ارتفاع درجة حرارة المناخ.

لماذا اسم دانيال؟

دانيال من بين الأعاصير المدارية في شمال المحيط الأطلسي التي تم تحديدها حتى الآن باسم دانيال، وسمي الإعصار الذي ضرب جنوب تركيا واليونان وبلغاريا والسواحل الليبية بـهذا الاسم، لأنه أول إعصار مداري في موسم الأعاصير الأطلسي لعام 2023، وقد تم اختياره من قبل لجنة الأعاصير التابعة لوكالة الأرصاد الجوية الأميركية.

وكان قد استخدم مرات عديدة من قبل ولم يكن كارثيا لذلك أطلقت الخدمة الوطنية للأرصاد الجوية اليونانية يوم 5 سبتمبر/أيلول 2023 اسم "دانيال" على الإعصار الذي ضرب البلاد، على أمل أن يكون خفيفا كما الأعاصير التي حملت اسمه من قبل.

وتقسّم المنظمة العالمية للأرصاد الجوية قواعد تسمية الأعاصير المدارية إلى 10 مناطق، لكل منطقة قوائم معدة مسبقا ولفترة محدودة من الزمن وبترتيب متفق عليه. ولا يحدث التغيير فيها إلا إذا كانت العاصفة مميتة أو مكلفة للغاية حيث يتم شطب الاسم المرتبط بها، واختيار اسم آخر ليحل محله، وقد تم سحب 96 اسما من قائمة حوض الأطلسي منذ عام 1953.

يتم إعطاء أسماء العواصف الاستوائية إذا كان نمط دوران وسرعة الرياح تبلغ 63 كيلومترا في الساعة، وتتطور إلى إعصار عندما تصل سرعة الرياح إلى 119 كيلومترا في الساعة.

قائمة عواصف دانيال

دانيال واحد من أكثر الأسماء المعاد تدويرها في قائمة العواصف الدورية، وقد ظهر استخدامه لثمانية أعاصير مدارية سابقة في المحيط الأطلسي :

  • العاصفة الاستوائية دانيال 1980: غمرت منطقة بومونت- بورت آرثر في تكساس.
  •  العاصفة الاستوائية دانيال 1986: تسببت في أضرار طفيفة لجزر ويندوارد التابعة لبولينيزيا الفرنسية.
  • العاصفة الاستوائية دانيال 1992: تسببت في أضرار طفيفة عندما ضربت شبه جزيرة دلمارفا  في الساحل الشرقي للولايات المتحدة.
  • إعصار دانيال 1998: إعصار طويل الأمد من الفئة 2 في الرأس الأخضر.
  • إعصار دانيال 2004: إعصار قوي من الفئة 2 ضرب شرق المحيط الأطلسي المفتوح.
  • إعصار دانيال 2010 إعصار طويل الأمد من الفئة 4 في الرأس الأخضر.
  • العاصفة الاستوائية دانيال 2016: عاصفة قصيرة العمر تشكلت في خليج كامبيتشي ووصلت إلى اليابسة في فيراكروز في المكسيك.
  • إعصار دانيال 2022: إعصار من الفئة 1 تسبب في فيضانات وانهيارات أرضية في البرتغال.
  • إعصار دانيال 2023: يعد من أكبر وأقوى العواصف التي شهدها العالم في الفترة الأخيرة.
جانب من الدمار بعد الفيضانات التي سببتها العاصفة دانيال في درنة (وكالة الأناضول)

في شرق المحيط الهادئ:

  • إعصار دانيال1978: إعصار من الفئة 3.
  • إعصار دانيال 1982: من الفئة 3، وصل إلى هاواي باعتباره منخفضا استوائيا وتبدد في قناة الينويهاها بين ماوي والجزيرة الكبيرة.
  • العاصفة الاستوائية دانيال 1988: لم تصل إلى اليابسة.
  • العاصفة الاستوائية دانيال 1994: لم ترد أنباء عن وقوع أضرار أو إصابات.
  • إعصار دانيال 2000: إعصار من الفئة 3 ، هدد هاواي لبعض الوقت.
  • إعصار دانيال 2006: إعصار قوي من الفئة 4، جلب الأمطار إلى هاواي باعتباره منخفضا استوائيا، كان ثاني أقوى إعصار في موسم الأعاصير في المحيط الهادئ لعام 2006، وقد طلب الدفاع المدني في ولاية هاواي عزل اسم دانيال، لأنه أصبح أحد العواصف المثيرة للتهديد والضرر، ومع ذلك، لم توافق المنظمة العالمية للأرصاد الجوية على الطلب.
  • إعصار دانيال2012: إعصار من الفئة 3.
  • العاصفة الاستوائية دانيال 2018: عاصفة استوائية ضعيفة.
A flooded area is seen in the aftermath of Storm Daniel, in Megala Kalyvia, Greece, September 9, 2023. REUTERS/Giannis Floulis
منطقة غمرتها عاصفة دانيال في اليونان 9 سبتمبر/ أيلول 2023 (رويترز)

التأثيرات

في الفترة من 1998 إلى 2017 احتلت العواصف، بما في ذلك الأعاصير المدارية والأعاصير، المرتبة الثانية بعد الزلازل من حيث الوفيات، مما أسفر عن مقتل 233 ألف شخص. خلال هذه الفترة أثرت العواصف أيضا على ما يقدر بنحو 726 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، مما يعني أنهم أصيبوا أو أصبحوا بلا مأوى أو نزحوا أو تم إجلاؤهم خلال مرحلة الطوارئ من الكارثة.

وفي أواخر التسعينيات زادت نسبة سكان العالم الذين يعيشون على السواحل المعرضة للأعاصير بنسبة 192%، مما زاد من خطر الوفيات والأمراض في حالة حدوث إعصار استوائي. كما أن ارتفاع مستوى سطح البحر بسبب الإعصار يكون أسوأ تأثيرا من الأعاصير الاستوائية التي تبلغ اليابسة، وقد تسبب تاريخيا بـ90% من وفيات الأعاصير الاستوائية.

وتسببت الأعاصير الاستوائية منذ بداية الألفية في وفاة نحو مليون و900 ألف شخص حول العالم. كما أدت مساحات المياه الراكدة الكبيرة الناجمة عن الفيضانات إلى الإصابة بعدوى، بالإضافة إلى مساهمتها في الأمراض التي ينقلها البعوض.

وتعطل الأعاصير الاستوائية البنية التحتية بشكل كبير، مؤدية إلى انقطاع التيار الكهربائي وتدمير الجسور وعرقلة جهود إعادة الإعمار. تنتج معظم أضرار الأعاصير الاستوائية عن الأعاصير الشديدة من الدرجة الثالثة أو أعلى. وتمثل الأعاصير الاستوائية من الدرجة الثالثة أو أعلى، خُمس الأعاصير التي تصل إلى اليابسة كل عام فقط.

وعندما تندفع الأعاصير الاستوائية إلى الشاطئ من المحيط، يدخل الملح إلى العديد من مناطق المياه العذبة ويرفع مستويات الملوحة لدرجة عالية جدا.

وعلى الرغم من الخسائر الفادحة في الأرواح والممتلكات الشخصية، قد يكون للأعاصير دور في التخفيف من ظروف الجفاف عن طريق استعادة رطوبة التربة.كما تساعد أيضا في الحفاظ على توازن الحرارة العالمي عن طريق نقل الهواء الاستوائي الدافئ الرطب إلى خطوط العرض الوسطى والمناطق القطبية، وعن طريق تنظيم الدورة الحرارية الملحية بفضل التيارات الصاعدة.

Aftermath Of Deadly Floods Along Libyan Coastline
آثار الفيضانات القاتلة على طول الساحل الليبي (غيتي)

إعصار دانيال 2023

تسبب إعصار دانيال 2023 بكوارث هائلة في البلاد التي ضربها. فقد بدأ في مطلع سبتمبر/أيلول وضرب كلا من تركيا وبلغاريا واليونان وتسبب في مقتل ما يقارب 15 شخصا فيها، بالإضافة إلى فيضانات كبيرة وأضرار مادية مختلفة وانهيارات في المنازل والجسور، وشبكات الكهرباء والطرق والمدارس. وسجل أشد عاصفة ممطرة شهدتها اليونان منذ عام 1930.

وحين وصل الإعصار إلى السواحل الليبية زادت سرعته وأدى إلى إلحاق أضرار كبيرة في المدن التي ضربها وعلى وجه الخصوص بنغازي والبيضاء وسوسة والمرج وشحات ودرنة التي تعد أكثر المدن تضررا.

وكانت درنة الأكثر تضررا من الإعصار. إذ تقع المدينة على سفح جبل يفصلها واد، يعد هذا الوادي المكان الوحيد الذي تجتمع فيه المياه المنحدرة من وديان الجبل الأخضر في شرق ليبيا، كما أنه مصب السيول القادمة من جنوب المدينة من المخيلي والقيقب والظهر الحمر والقبة والعزيات.

حين بدأ إعصار دانيال امتلأ الوادي بمياه الأمطار القادمة مع الإعصار وارتفع مستواها على نحو غير مسبوق، مما شكّل طوفانا وضغطا هائلا على السدين اللذين يحجزان المياه في الوادي وهما سد البلاد، وسد سيدي بومنصور، أدى ذلك إلى انهيارهما وضرب الطوفان المدينة وأدى إلى غرق أحياء كاملة جرفتها السيول وألقتها في البحر.

وأدى الطوفان إلى مقتل ما يزيد عن 5 آلاف شخص وإصابة ما يزيد عن 7 آلاف، وآلاف من المفقودين. كما تسبب الطوفان بتشريد ما يزيد عن 30 ألفا من درنة.

أما على صعيد الأضرار المادية فقد قدرت المساحة المتضررة من المدينة على نحو كامل بـ3 ملايين متر مربع. فيما بلغت مساحة المنطقة التي جرفتها السيول أو حدث فيها انهيارات ما يقارب 900 ألف متر مربع. بالإضافة إلى انهيار شبكة طرق طولها 30 كيلومترا وانهيار 5 جسور في المدينة.

وأدى الطوفان إلى تدمير شبكة الطرق والجسور التي تؤدي إلى المدينة. وتسبب في انقطاع التيار الكهربائي عن المدينة وتعطل الاتصالات فيها.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية