القوات المسلحة السودانية

يحتل الجيش السوداني المرتبة الـ77 عالميا في قائمة أقوى جيوش العالم، من بين 145 دولة حسب المراجعة السنوية لقوة النيران العالمية لعام 2021. وجاءت "القوات المسلحة السودانية" في المرتبة الـ8 على مستوى القارة الأفريقية.

ويأتي تصنيف قوة الجيوش بناء على عدة معايير، منها التعداد السكاني والعتاد العسكري والموقع الجغرافي، إذ يبلغ عدد سكان السودان قرابة 45.5 مليون نسمة، بينهم قرابة 24.1 مليون نسمة قوة بشرية متاحة للتجنيد.

لمحة تاريخية

يمثل السودان جزءا من وادي النيل، ويعدُّ من أقدم مناطق التجمعات البشرية، حيث قامت فيه عبر تاريخه الطويل ممالك عظيمة، واصطرعت على أرضه قوى عديدة أثرت في تحديد مساره الحضاري والثقافي والسياسي والعسكري.

وقد عرف السودان تكوين الجيوش منذ القرن الثامن قبل الميلاد، حين قامت فيه الممالك والدول، كالمملكة الكوشية والمرَوية القديمة، التي ظهرت بين القرن الثامن قبل الميلاد والرابع الميلادي، ثم تلتها بعد ذلك الممالك المسيحية النوبية في المقرة ودنقلا، ما بين القرنين السادس والرابع عشر الميلادي.

ونتيجة لتدفق القبائل العربية منذ القرن الثالث عشر الميلادي ظهرت ممالك إسلامية في السودان، كسلطنة الفونج والعبدلاب والفور والمسبعات وتقلى الإسلامية، واعتمدت هذه الممالك والسلطنات على قوتها العسكرية في نشاطها وتكوينها وبقائها.

وكانت القوة العسكرية عماد تلك الممالك البائدة، وكان الجيش يعمل في بعضها وفق النظام الطوعي غير النظامي، حيث يتكوّن من أفراد متطوعين يتجمعون من القبائل المختلفة عندما تدعو الحاجة لذلك، ولم تكن تُعرَف آنذاك الجيوش النظامية الدائمة ولا المقاتلون المحترفون كما هو معروف حاليا في الدول الحديثة.

وكان التنظيم القتالي للجيش يتكون من الفرق، وكانت كل فرقة تمثل إحدى القبائل في المملكة، وكانت هذه الفرق مقسمة بحسب نوع السلاح المستعمل، فهنالك فِرق رماة الأقواس وفرق المشاة التي تنقسم إلى جماعة الرماح وجماعة الفؤوس وجماعة السيوف وجماعة المقاليع وجماعة الخناجر وجماعة الهراوات (العصي الغليظة)، وهناك فرق الفرسان.

وكانت تلك الجيوش تمتلك بعض الصنّاع والفنيين والحدادين والنجارين والبنائين الذين كانوا يقومون بالمهام الهندسية من بناء القلاع والحصون وبناء السفن والقوارب وعمل أدوات الحصار من أبراج وسلالم خشبية.

وشهدت مملكة الفونج الإسلامية، وتحديدا في عهد السلطان بادي أبو شلوخ إنشاء أول جيش نظامي ثابت ومحترف، وجند الرقيق جنودا نظاميين وقام بإسكانهم في قرى خاصة بهم حول سنار عاصمة مملكة الفونج، وتمثّل كل قرية وحدة قتالية واحدة، وفي كل وحدة قتالية قائد عسكري يشرف على هذه القوات.

النشأة

وخلال القرن الـ19 الميلادي، وبالضبط عام 1821 وهو الذي غزا فيه محمد علي باشا السودان، كانت القوات السودانية والقوات المصرية تأتمر سويا بإمرة محمد علي باشا، ومن بعده أولاده وأحفاده، لكن الاتهامات بسوء التدبير للسلطة القائمة آنذاك قادت في النهاية إلى الثورة المهدية التي أنهت حكم عهد محمد علي للسودان.

بانتصار الثورة المهدية عام 1881 دخل السودان في حقبة جديدة، وكان جيش المهدي يعكس التكوين القبلي في البلاد، وكان يتكون مما عرف بالرايات، واستفاد من استيعاب الأفراد الذين خدموا مع الزبير باشا ود رحمة، الذي كان تاجرا للرقيق في أواخر القرن التاسع عشر، وأصبح فيما بعد باشا وحاكما للسودان، وكذا بعض التجار الذين طردهم من الجنوب "غوردون باشا" -الحاكم الإنجليزي للخرطوم آنذاك- ولمع منهم قادة بارزون في حروب المهدية مثل حمدان أبو عنجة والزاكي طمل وآخرين.

وقد أعاد الإمام محمد أحمد المهدي تنظيم جيشه على النحو التالي:

  • فرسان الاستطلاع.
  • قوة الاقتحام الرئيسية.
  • قوة النيران.

وكوّن المهدي رئاسة ميدانية تتناسب مع توسع الجيش تتكون من الخلفاء الثلاثة وقاضي الإسلام وأمين بيت المال.

وحسب معايير الجيوش الحديثة فقد تأسست أول نواة للجيش السوداني عام 1925، إبان فترة الاحتلال البريطاني لمصر والسودان، وكانت تسمّى آنذاك "قوة دفاع السودان"، وتكونت من عدد من الجنود السودانيين تحت إمرة ضباط من الجيش البريطاني المحتل.

وبعد عام 1956 عندما نال السودان استقلاله عن التاج البريطاني، كوّن جيشا وطنيا جديدا بفرقه كافة، ابتداء بفرقة للمشاة، ثم تأسست القوات البحرية والجوية، وعرف باسم الجيش السوداني، بعد ذلك جرى تعديل الاسم إلى "قوات الشعب المسلحة" واستقرت التسمية أخيرا على "القوات المسلحة السودانية".

القيادة

في أغسطس/آب 1954 أصبح اللواء أحمد محمد أول قائد سوداني للجيش الحديث لبلاده.

ومنذ استقلال البلاد لم يكن الجيش السوداني غائبا عن المسرح السياسي، فقد استولى على السلطة 5 مرات ناجحة، عدا عن حوالي 20 محاولة أخرى فاشلة.

وتلخّص المحطات الزمنية الآتية سيطرة الجيش على مفاصل السلطة السياسية في البلاد في المرات الخمس الناجحة:

  •  في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1958، بقيادة الفريق إبراهيم عبود.
  • في 25 مايو/أيار 1969 بقيادة العقيد جعفر نميري.
  • في 6 أبريل/نيسان 1985 عندما تم تكليف المشير عبد الرحمن سوار الذهب -وزير الدفاع حينذاك- برئاسة مجلس عسكري مؤقت لحكم السودان بعد الانتفاضة.
  • في 30 يونيو/حزيران 1989 بقيادة العميد عمر البشير، والذي أصبح رئيسا للسودان على مدى 30 عاما.
  • في 11 أبريل/نيسان 2019 بقيادة الفريق أول أحمد عوض بن عوف وزير الدفاع ونائب الرئيس عمر البشير حينذاك برئاسة مجلس عسكري مؤقت لحكم السودان بعد ثورة 19 ديسمبر/كانون الأول 2018.

حجم القوات وتسليحها

يصل عدد أفراد الجيش السوداني إلى 105 آلاف جندي فاعل، إضافة الى 85 ألف جندي في قوات الاحتياط.

وتضم القوات الجوية السودانية 191 طائرة حربية من بينها 46 مقاتلة، ويمتلك السودان 81 طائرة هجومية و23 طائرة شحن عسكري، إضافة إلى 11 طائرة تدريب. فيما يصل إجمالي المروحيات العسكرية التي يمتلكها الجيش السوداني إلى 73 مروحية من بينها 43 مروحية هجومية، ولديه 74 مطارا صالحا للاستخدام العسكري.

ويمتلك الجيش السوداني 830 دبابة و450 مركبة قتالية مدرعة، و15 مدفعا ذاتي الحركة، ونحو 7 آلاف مركبة عسكرية و379 مدفعا. و20 منصة إطلاق صواريخ و750 مدفعا يجر يدويا.

وتصل ميزانية الدفاع السودانية إلى حوالي 4 مليارات دولار سنويا.

المهام

يعتمد الجيش السوداني عقيدة قتالية تقوم على أساس الدفاع عن الوطن والحفاظ على سيادته ووحدته الوطنية وحماية الدستور. كما يقوم بمهام مدنية تتمثل في تقديم المساعدات أثناء الكوارث الطبيعية وحفظ الأمن في حالة الأوضاع الأمنية المضطربة.

وتتّبع القوات المسلحة السودانية نظام انضباط عسكريا صارما. وتتسلسل فيها الأوامر والتكليفات على نحو هرمي دقيق، من أعلى رتب الضباط في القيادة إلى أدنى رُتب الجنود في الميدان، شأنها في ذلك شأن الجيوش النظامية في البلدان الأخرى.

وللجيش السوداني مشاركات إقليمية ودولية، وفق ما تمليه التزامات دولة السودان في الإقليم والعالم، لانضوائها تحت مظلة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، ومعاهدات الدفاع العربي المشترك.

وتبعا لمهمة حفظ الأمن القومي واجه الجيش السوداني حركات المعارضة المسلحة، ومحاولات الانفصال.

فمنذ تأسيس "قوة دفاع السودان" شاركت في الحرب العالمية الثانية ضد الإيطاليين في إريتريا وإثيوبيا، وحرب الصحراء الغربية لدعم الفرنسيين في "العلمين"، لوقف تقدم "ثعلب الصحراء"، الجنرال الألماني رومل.

وشارك الجيش السوداني في حروب فلسطين في الأعوام 1948 و1973، إلى جانب مشاركاته في عمليات الأمم المتحدة في كل من الكونغو وتشاد وناميبيا، وضمن "قوات الردع العربية" في لبنان، وكذا في "عاصفة الحزم" باليمن.

المحطات التاريخية وأهم العمليات

كان للقوات السودانية على مر التاريخ حضور مهم في الأزمات التي شهدها القرن الأفريقي المتاخم للسودان، أو تلك التي حدثت في الجوار الأفريقي والإقليم العربي، وصولا إلى أبعاد عالمية في قارات مختلفة، ومن أبرز هذه المحطات:

  • شاركت وحدات سودانية ضمن الجيش المصري في حروب محمد علي باشا، والي مصر في سنتي 1854 و1856.
  • استقدمت السلطنة العثمانية وحدات من المقاتلين السودانيين للمشاركة معها في حرب القرم إلى جانب القوات التركية ضد الإمبراطورية الروسية، بين عامي 1853 و1856.
  • شاركت في المكسيك سنة 1862، عندما طلبت كل من فرنسا وإنجلترا وإسبانيا إرسال فرقة من السودانيين لحماية رعاياها ضد العصابات المكسيكية.
  • في الحرب العالمية الأولى أرسلت بريطانيا فرقتين من الجنود السودانيين إلى جيبوتي بناء على طلب من فرنسا لتحل محل الجنود السنغاليين هناك.
  • ومرة أخرى توجهت وحدات من القوات السودانية إلى معارك بالمكسيك إبّان فترة الاحتلال البريطاني للسودان.
  • أثناء الحرب العالمية الثانية شاركت قوات الدفاع السودانية في عمليات خارجية وداخلية ضد الإيطاليين الذين كانوا يحتلون إريتريا، وذلك عندما حاولوا احتلال مدينة كسلا في شرق البلاد، وهو ذلك الانتصار الذي جعل تشرشل يعدل عن الاستسلام للألمان كما ظهر لاحقا.
  • شاركت القوات السودانية في حملة الصحراء الغربية لدعم الفرنسيين حيث رابطت في واحتي الكفرة وجالو في الصحراء الليبية بقيادة القائد البريطاني أرشيبالد ويفل، وفي العلمين لوقف تقدم الجنرال الألماني رومل الملقب بثعلب الصحراء.
  • شارك الجيش السوداني في حرب فلسطين عام 1948.
  • كما شارك في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، عندما أرسلت الحكومة السودانية قوة قوامها لواء مشاة إلى شبه جزيرة سيناء.
  • شاركت القوات المسلحة السودانية أيضا في عمليات دولية تصب في مساعي حفظ السلام والاستقرار كما في "الكونغو البلجيكية" عام 1960 وتشاد عام 1979 وناميبيا في 1989.
  •  شاركت القوات المسلحة السودانية ضمن قوات الردع العربية في لبنان أواسط سبعينيات القرن الماضي، لحفظ السلام تحت لواء جامعة الدول العربية.
  • شارك السودان في عملية إعادة الحكومة المدنية الشرعية في جمهورية جزر القمر، حيث أسهمت قوات المظليين السودانية في استعادة جزيرة أنجوان وتسليمها لحكومة جزر القمر عام 2008.
  • كما كانت القوات السودانية شريكا أساسيا إلى جانب القوات السعودية والإماراتية، في "عاصفة الحزم" باليمن.

اشتباكات أبريل/نيسان 2023

في أبريل/نيسان 2023 تأهب الجيش السوداني لمواجهة قوات الدعم السريع التي رفضت الاندماج مع الجيش، وبدأت مواجهات عسكرية بين الطرفين يوم 23 أبريل/نيسان 2023.

كانت المواجهات في محيط مطار مَرَوي شمالي السودان. ثم امتدت لتشمل المناطق كلها بما في ذلك العاصمة الخرطوم. وأدت هذه المواجهات إلى سقوط مئات القتلى وإصابة الآلاف وتشريد آلاف آخرين. كما أدت إلى أضرار مادية كبيرة وأزمة مياه وكهرباء خانقة.

وتدخلت وساطات دولية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لإجراء مفاوضات تنهي النزاع. 

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية