رئيس نيكاراغوا خوسيه دانييل أورتيغا.. من ثائر سانديني إلى حاكم مطلق

دانييل أورتيغا وزوجته روزاريو موريو التي تتولى منصب نائب الرئيس (الفرنسية)

خوسيه دانييل أورتيغا سافيدرا رئيس نيكاراغوا، ولد عام 1945، كان أحد قادة جبهة التحرير الوطني الساندينية، وتولى السلطة عام 1979 ضمن حكومة ثورية بُعيد الإطاحة بالنظام الدكتاتوري الذي أرسته عائلة سوموزا لأكثر من 4 عقود.

انتخب أورتيغا رئيسا لأول مرة عام 1990 قبل أن يخسر الانتخابات الثلاثة اللاحقة، ليعود مجددا إلى السلطة عام 2007. وفي عام 2021، فاز بولاية رئاسية هي الرابعة على التوالي، إثر تعديلات دستورية أتاحت له الاستمرار في الحكم ليصبح أطول حكام المنطقة بقاء في السلطة.

بعد انتخابه عام 2007 بدعم من الطبقات الفقيرة، اتخذ أورتيغا خطوات متدرجة لتوطيد حكمه، إذ ألغى بين عامي 2011 و2014 القيود الدستورية على المدد الرئاسية، وحدّ من الحريات، وسجن قادة المعارضة بمن فيهم بعض منافسيه في انتخابات الرئاسة.

وبالتوازي مع ذلك، تعاظم نفوذ زوجته روزاريو موريو التي أصبحت نائبة له عام 2017، وهيمنت الجبهة الساندينية على البرلمان وعلى المشهد السياسي عموما.

وشكلت احتجاجات عام 2018 أكبر تحد لسلطة دانييل أورتيغا، لكن قوات الأمن ومجموعات شبه عسكرية قمعتها بعنف، مما أسفر عن مقتل أكثر من 300 شخص.

يتهمه معارضوه بإرساء نظام حكم استبدادي مطلق على نمط النظام الذي أقامته عائلة سوموزا، وهي تهمة ينفيها أورتيغا، في حين يعتبره أنصاره وطنيا حقيقيا ويطلقون عليه "القائد دانييل".

المولد والنشأة

ولد خوسيه دانييل أورتيغا يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني 1945 بمدينة لا ليبرتاد بنيكارغوا لعائلة تنتمي إلى الطبقة العاملة. شارك والدُه في مقاومة الاحتلال الأميركي لنيكارغوا، وانتقل دانييل مع عائلته إلى العاصمة ماناغوا منتصف خمسينيات القرن الماضي بحثا عن عمل مستقر، وسكنوا في حي للطبقة المتوسطة.

كان والده دانييل أورتيغا سيدرا ووالدته ليديا سافيدرا معارضين لنظام عائلة سوموزا التي بدأ حكمها للبلاد عام 1936، وله 3 إخوة، أحدهم هامبرتو وكان أحد قادة الجبهة الثورية، وآخر يدعى كاميلو قتل عام 1979 خلال المعارك بين الجبهة الساندينية والقوات الحكومية، كما أن لهم أختا تدعى جرمانيا توفيت.

عام 1979 -الذي شهد نجاح الثورة الساندينية- تزوج خوسيه دانييل أورتيغا روزاريو موريو في حفل سري بعد أن تعارفا في السجن، وأنجبا 3 أبناء.

اعتقل لأول مرة بسبب نشاطه السياسي حينما كان عمره 15 عاما، وعام 1967 حكم عليه بالسجن لمدة 7 سنوات بتهمة السطو على بنك، وأفرج عنه أواخر عام 1974 في إطار صفقة تبادل للأسرى بين الحكومة والجبهة الساندينية.

وبعد ذلك، غادر مع عدد من المفرج عنهم من أعضاء الجبهة إلى كوبا، حيث تلقى تدريبا على حرب العصابات لبضعة أشهر، وعاد على إثر ذلك سرا إلى نيكاراغوا.

الدراسة والتكوين العلمي

درس أورتيغا في مدارس خاصة وكاثوليكية، وأرسله والداه إلى 4 معاهد مختلفة سعيا لإبعاده عن الحركة الطلابية المناهضة للسلطة، التي كانت تتصاعد أواخر خمسينيات القرن العشرين.

درس أورتيغا القانون لمدة عام واحد في جامعة أميركا الوسطى في ماناغوا، لكن سرعان ما غادرها عام 1963 ليتفرغ للنشاط السياسي.

مظاهرة خرجت فبراير/شباط 2023 الجاري في ماناغوا دعما لخوسي دانييل أورتيغا (الأوروبية)

الوظائف والمسؤوليات

انضم أورتيغا إلى الجبهة الساندينية عام 1963، وقبل ذلك بسنوات نشط بقوة في حركة طلابية مناهضة لحكم عائلة سوموزا، وأسهم بعد ذلك في التمرد المسلح الذي أفضى إلى انهيار نظام سوموزا يوم 19 يوليو/تموز 1979.

بعد دخول الجبهة الساندينية العاصمة ماناغوا وفرار الرئيس أناستازيو سوموزا ديايلي، انتخب خوسيه دانييل أورتيغا منسقا "لمجلس البناء الوطني" المؤلف من 5 قياديين من الجبهة الساندينية، الذي شكل الحكومة، ثم تم حل المجلس عام 1985، في حين أُسندت وزارة الدفاع لشقيقه هامبرتو الذي كان المخطط العسكري للجبهة.

وفي الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 1984، انتخب أورتيغا رئيسا للبلاد، ووصف أغلب المراقبين الدوليين الانتخابات بالحرة، في حين قالت المعارضة إن تجاوزات شابتها.

وأما إدارة الرئيس الأميركي حينها رونالد ريغان، فطعنت في شرعيتها ومولت وسلحت حركة "الكونترا" اليمينية، التي كانت مثل الذراع العسكرية لثورة مضادة على الحكومة الوليدة في ماناغوا، وتسبب هذا التمرد في مقتل عشرات الآلاف من النيكاراغويين.

وبداية من عام 1990، خسر أورتيغا 3 انتخابات رئاسية متتالية كان فيها مرشح الجبهة الساندينية، ولكن بداية من عام 2007 تمكن من الفوز بـ4 ولايات متتالية بعد تعديل الدستور.

أفكار وتوجهات خوسيه دانييل أورتيغا

قبل انضمامه للجبهة الساندينية، كان دانييل أورتيغا كاثوليكيا نشطا، وكان يلقي دروسا دينية في أحياء العاصمة الفقيرة. ولكثافة نشاطه في هذا المجال بفضل التزامه الديني وقدرته على الخطابة، توقع البعض أن يصبح راهبا في الكنيسة الكاثوليكية.

وعلى غرار عديد من رفاقه، اعتنق الفكر الماركسي الذي كان الموجه الأيديولوجي للجبهة الساندينية، وكان يوصف بأنه براغماتي ورجل وفاق.

وقبيل انتخابات عام 2006، بدا أن أورتيغا ينأى بنفسه عن الأفكار الشيوعية، إذ أعلن أن المسيح هو قدوته، وتخلى عن شعارات الجبهة الساندينية خلال الحملة الانتخابية التي قادتها زوجته، كما أعلن أنه سيسعى لجلب الاستثمارات الأجنبية من أجل تخفيف حدة الفقر في البلاد.

ومع سعيه لتعزيز حكمه الفردي، دخل أورتيغا في مواجهة مع الكنيسة الكاثوليكية التي اتهمها بدعم احتجاجات المعارضة عام 2018.

Riot police throw a sound granade towards demonstrators during a protest against Nicaraguan President Daniel Ortega's government in Managua
مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين مناهضين لخوسي دانييل أورتيغا في العاصمة ماناغوا عام 2018 (رويترز)

نيكاراغوا في أثناء حكم أورتيغا

تعد نيكاراغوا ثاني أفقر بلد في الأميركتين بعد هاييتي، وفقا لمجلة "فوربس" (Forbes) الأميركية، وبعد نجاح الثورة مباشرة صادرت حكومة الجبهة الساندينية ممتلكات نظام سوموزا، وأممت الشركات الكبرى، ولكن رغم كونها ماركسية لينينية التوجه، لم تفرض النمط الاقتصادي الذي كان سائدا في الاتحاد السوفياتي.

بعد عودته إلى السلطة عام 2007، وبدعم من الإمدادات النفطية التي قدمها الرئيس الفنزويلي حينها هوغو تشافيز، حققت حكومة دانييل أورتيغا نتائج إيجابية، إذ نما الاقتصاد بقوة، وتقلصت معدلات الفقر والبطالة.

بيد أن هذا التحسن لم يلبث طويلا، وبدأ التململ بين مؤيديه والطبقة الوسطى على حد سواء، خاصة مع سيطرة عائلة أورتيغا على جزء من الاقتصاد، واتهامها بأنها صارت نسخة جديدة من عائلة سوموزا.

وعام 2018، شهدت نيكاراغوا احتجاجات واسعة على ما يصفه معارضو أورتيغا بالفساد ونهجه الاستبدادي، وقمعت قوات الأمن المظاهرات بعنف، مما أسفر عن مقتل أكثر من 300 شخص واعتقال مئات آخرين، بينهم رفاق سابقون لأورتيغا في الجبهة الساندينية.

واعتبر الرئيس تلك الاحتجاجات محاولة انقلاب بدعم من قوى خارجية، وفي فبراير/شباط 2023، أفرجت حكومته عن 222 سجينا سياسيا ورحلتهم إلى الولايات المتحدة.

وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن إطلاق سراح هؤلاء المعارضين يمكن أن يفتح باب الحوار مع أورتيغا.

ويفرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة منذ عام 2018 عقوبات على نيكاراغوا وعدد من رموز النظام فيها.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية