أميلكار كابرال المناضل الذي قوّض النفوذ البرتغالي في أفريقيا

Amílcar Cabral
أميلكار كابرال درس في البرتغال وحاربها في أفريقيا (مواقع التواصل)

شاعر وأديب ثائر قاد الحركة القومية لغينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر، ناضل ونافح عن الوطن بالقلم والكلم، وبثّ الحماسة في نفوس الثوار ضد المحتل الأوروبي. ألهمت أفكاره المناضلين في أفريقيا وأنحاء العالم كافة، واغتيل على يد عملاء للمحتل البرتغالي في يناير/كانون الثاني 1973.

المولد والنشأة

ولد أميلكار لوبيش دا كوستا كابرال يوم 12 سبتمبر/أيلول 1924 في مدينة بافاتا بغينيا بيساو، لأب من الرأس الأخضر يدعى جوفينال أنطونيو لوبيش دا كوستا كابرال، وأمّ غينية تدعى إيفا بينيل إيفورا.

ينتمي والده إلى عائلة ثرية تملك الكثير من الأراضي، أما والدته فقد كانت مالكة متجر وتعمل في الفنادق من أجل إعالة أسرتها، ولا سيما بعد انفصالها عن زوجها عام 1929. ولم تكن أسرتها في حالة جيدة، لذلك لم تتمكن من متابعة دراستها في التعليم العالي.

انتقل  كابرال عام 1932 مع عائلته إلى الرأس الأخضر، ثم بعدها إلى البرتغال، وتزوج من امرأة برتغالية أثناء فترة إقامته في لشبونة تدعى ماري هيلينا رودريغيز.

عُرف بحنكته وإستراتيجيته الكبيرة، فقد كان عسكريا لامعا ودبلوماسيا ماهرا ومفكرا بارزا.

الدراسة والتكوين

أنهى أميلكار كابرال دراسته الثانوية عام 1944 قبل نهاية الحرب العالمية الثانية في سان فسينتي بالرأس الأخضر، وكان يعبّر عن حبه لبلده من خلال القصائد والخطب الحماسية والندوات الثقافية.

حصل على منحة دراسية للدراسة في المعهد الزراعي في لشبونة عاصمة البرتغال، وتخرج عام 1950. وتلقى تكوينا في الهندسة الزراعية، مما أتاح له فرصا مهنية كبيرة في الجهاز الاستعماري في البرتغال وأنغولا وغينيا البرتغالية (غينيا بيساو).

Amílcar Cabral
أميلكار كابرال يعدّ أحد أهم المناضلين الأفارقة الذين قادوا كفاحا مسلحا وضع حدا للاستعمار البرتغالي (مواقع التواصل)

الوظائف والمسؤوليات

بدأ العمل في مكتب الطباعة الوطني عام 1944 بعد دراسته الثانوية، وبعد عودته إلى غينيا بيساو عام 1952 عمل في الخدمات الزراعية والغابات، وفي عام 1953 كُلِّفَ بإجراء مسح زراعي وافقت عليه الحكومة.

وفي فترة طرده من غينيا بيساو من عام 1954 إلى 1958، عمل في المقاولات الزراعية بمهام طويلة في أنغولا.

تجربة المقاومة

بدأ نشاطه المناهض للاستعمار منذ عودته إلى بلاده بعد إنهاء دراسته، حيث حاول تأسيس جمعية سياسية قومية تحت غطاء الأنشطة الثقافية والرياضية في بيساو؛ إلا أن السلطات الاستعمارية اكتشفت الجمعية فحظرتها وطردت كابرال من غينيا عام 1954-1955، فانتقل إلى أنغولا وانضم إلى "حركة تحرير أنغولا" (MPLA).

وفي أثناء زيارة سرية له إلى غانا، أسّس الحزب الأفريقي للاستقلال (PAIGC) يوم 19 سبتمبر/أيلول 1956، بالتعاون مع مجموعة من الثوار، هم: أريستيدس بيريرا، ولويس كابرال، وجوليو دي ألميدا، وفرناندو فورتيس، وإليزي توربين، بهدف تحرير الرأس الأخضر وغينيا بيساو من الاحتلال البرتغالي.

وعلى الرغم من تبني الحزب إستراتيجية السلاح، فإن كابرال رأى في التعليم آلية فعالة لشحذ همم الشعوب الأفريقية الراغبة في الحرية، لكنه عاد وغير رأيه بعد عام من السفر في جميع أنحاء غينيا وأريافها، إذ اقتنع أن الاستقلال يحتاج إلى كفاح مسلح.

في عام 1960، سمح الرئيس الغاني كوامي نكروما لكابرال بإنشاء معسكرات في غانا؛ لتدريب قوات حرب العصابات التابعة للحزب الأفريقي لاستقلال غينيا بيساو والرأس الأخضر.

حضر كابرال المؤتمر الثالث للشعوب الأفريقية في القاهرة عام 1961، واستخدم عبارات لينين عن الحاجة الملحة إلى "تحليل ملموس لكل موقف ملموس" لصد الاستعمار، أو التكيف مع واقع كل بلد عوضا عن محاولة إعادة إنتاج نضال يُبنى في بلد آخر ضد الاستعمار.

وفي العام ذاته، زار مدينة وجدة شرق المغرب والتقى فيها عددا من الزعماء الثوريين الأفارقة والمغاربة والجزائريين، منهم: أحمد بن بلة، ونيلسون مانديلا، ومحمد بوضياف، والشاعر الأنغولي أغوستينو نيتو مؤسس "الحركة الشعبية لتحرير أنغولا"، وسامورا ماشيل قائد حرب التحرير في الموزمبيق وأول رئيس للبلاد.

وبحلول عام 1962، شارك الحزب الأفريقي للاستقلال في تنفيذ هجمات على شكل حرب عصابات ضد الحكومة البرتغالية، بالتزامن مع بدء الحرب المفتوحة يوم 23 يناير/كانون الثاني 1963، ليعلن الحزب بعد 3 سنوات من النضال سيطرته على أكثر من 60% من أراضي غينيا بيساو.

وقد حظي كابرال ووفد من الحزب الأفريقي لاستقلال غينيا والرأس الأخضر (PAIGC) بلقاء مع البابا بولس السادس، لحشد الدعم للثورة عام 1970.

كما ألقى كابرال خطابا خلال الدورة 163 لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عام 1972، للمناشدة بإرسال لجنة لتقصي الحقائق من أجل تقييم النزاع بين البرتغال وقوات الحزب الأفريقي لاستقلال غينيا والرأس الأخضر.

وعقب انتصارات عسكرية كبيرة، بدأ كابرال الاستعدادات الرسمية لاستقلال غينيا عام 1972.

التكريمات

تكريما له ولما بذله من جهد في النضال لتحرير دول أفريقية من الاحتلال البرتغالي، أُطلق اسمه على مجموعة من المنشآت المختلفة والبطولات، منها:

  • مكتبة كابرال في بولونيا بإيطاليا منذ عام 1974.
  • بطولة "كأس أميلكار كابرال" لكرة القدم.
  • مطار أميلكار كابرال الدولي في مدينة سال بالرأس الأخضر.
  • مدرسة كابرال الثانوية في سيغو بمالي.
  • مدرسة أميلكار كابرال الثانوية التقنية في واغادوغو ببوركينا فاسو.
  • مدرسة أميلكار كابرال الثانوية الزراعية (LAAC) في برازافيل في الكونغو.
  • كلية أميلكار كابرال زيغنشور في السنغال.
  • أُطلق اسمه على عدد كبير من الشوارع والساحات في أنحاء القارة السمراء، وحتى في البرتغال.
Amílcar Cabral
أميلكار كابرال (يسار) مع الزعيم الكوبي الراحل فيدل كاسترو  (مواقع التواصل)

مؤلفاته

كان كابرال شاعرا وكاتبا ومثقفا، ألّف مجموعة من الكتب، منها:

  • "الثقافة والقومية".
  • "نصوص مناهضة للاستعمار"، وقد ألّفه بالتعاون مع مجموعة من الكتاب الأفارقة المناضلين.
  • كما نُشرت خطاباته وكتاباته على نطاق واسع، على مستوى أفريقيا وأوروبا.

وفاته

اغتيل كابرال يوم 20 يناير/كانون الثاني 1973 في مقر الحزب الأفريقي بمدينة كوناكري الغينية، على يد أحد أعضاء الحزب ويدعى إنوسينسيو كاني، بالتعاون مع عملاء برتغاليين.

وعقب تصفيته، عمت الثورة البلاد، مما أدى إلى إعلان استقلال غينيا بيساو عن البرتغال من جانب واحد.

استمرت حركة التحرير مع تولي قيادة الحزب الأفريقي لاستقلال غينيا والرأس الأخضر السلطة في أكتوبر/تشرين الأول 1974 بعد انتخابات منحت الحزب الأفريقي 90% من الأصوات، فأصبح لويش كابرال الأخ غير الشقيق لأميلكار، أول رئيس لغينيا بيساو.

ويعدّ أميلكار كابرال أحد أهم المناضلين الأفارقة الذين قادوا كفاحا مسلحا وضع حدا للاستعمار البرتغالي في كل من غينيا بيساو والرأس الأخضر، وأدت الثورة التي تزعمها إلى تفكيك الإمبراطورية البرتغالية في أفريقيا وانهيار النظام الفاشي في لشبونة.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية