أحمد عرابي.. قائد الثورة العرابية على الخديوي توفيق

أحمد عرابي قائد عسكري وزعيم مصري، ولد عام 1841، وقاد الثورة العرابية ضد الخديوي توفيق، التي أدخلت البلاد في حرب مع فرنسا وبريطانيا، على إثرها حكم عليه بالنفي إلى سيلان (سريلانكا) عام 1890، ودخلت البلاد بعدها تحت الاحتلال البريطاني.

عاد أحمد عرابي من المنفى عام 1903 إلى مصر، وأحضر معه شجرة المانجو التي عرفتها البلاد لأول مرة.

المولد والنشأة

ولد أحمد محمد الحسيني عرابي في 31 مارس/آذار 1841 بقرية "هرية رزنة" في محافظة الشرقية شمال مصر.

كان والده محمد عرابي شيخ القرية، ويعد المؤثر الأكبر عليه وعلى آخرين من أقرانه، لما كان له من دور في تأسيس العلم الشرعي داخل القرية، وحرصه على تعليم أبنائها علوم الفقه والعبادات؛ فنشأ عرابي كما نشأ غيره متأثرا بالعلوم الشرعية.

ويذكر عرابي في مذكراته أصل نسبه ويعدد آباءه، فذكر السيد صالح البلاسي، الذي يقول إنه أول من نزل مصر آتيا من العراق، ثم يعددهم حتى يصل إلى الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو ما آمن واعتز به طويلا، وكان له أثر في نفسه التي رفضت التبعية للحكم الأجنبي داخل مصر.

الزعيم أحمد عرابي_مواقع التواصل
أحمد عرابي التحق بالمدرسة الحربية وهو في 14 من عمره عام 1854 وأصبح نقيبا في سن الـ20 (مواقع التواصل الاجتماعي)

الدراسة والتكوين العلمي

تعلم القراءة والكتابة وحفظ بعض القرآن في كتّاب القرية، ولأنه ابن شيخها، تعلم الحساب على يد صرّاف القرية ميخائيل غطاس، حتى وفاة والده وهو في الثامنة من عمره.

تولّاه بعدها أخوه الأكبر محمد فأرسله للتعلم في الأزهر عام 1849، وهو يرجو أن يكون أحد علمائه، فلبث فيه 4 سنين، تعلم فيها شيئا من الفقه والتفسير والنحو، وحفظ القرآن، حتى أوقف تعليمه وعاد إلى قريته.

التحق بالمدرسة الحربية وهو في 14 من عمره عام 1854، بعدما أمر سعيد باشا أن تملأ صفوف الجيش بأبناء المشايخ والأعيان كي لا يحتقر الجندي، ثم درس القوانين العسكرية واجتاز اختبارها بتفوق، وسرعان ما ترقى في الرتب العسكرية حتى أصبح نقيبا في سن الـ20.

التجربة العسكرية

كانت قدرة عرابي على القراءة والكتابة والحساب سببا في انضمامه إلى فيلق المشاة الأول، غير أنه كره هذا العمل ورأى أنه لا مجال فيه للترقي، فألح كثيرا على رئيسه سليمان باشا كي يلحقه بقسم آخر في صفوف الجيش، رغم أن ذلك كان سيخفض أجره من 60 قرشا إلى 15 قرشا فحسب، لكنه أصر حتى عُيّن في الجيش برتبة شاويش.

بعدها بسنتين رقّي لرتبة ملازم ثان، ثم ملازم أول، وما لبث أن رُقّي إلى بكباشي، وهو حينئذ في 17 من عمره، وواصل الترقي حتى بلغ رتبة قائم مقام، وهو أول منصب يتولاه مصري كما قال هو نفسه في مذكراته.

وكانت لعرابي نزعة قومية مصرية، فلم يعجبه تولي الشركس للمناصب العليا في الدولة، وهو ذاته مذهب سعيد باشا الذي لازمه وجعله قدوة له.

ويذكر عرابي في مذكراته مدى تأثره بخطبة ألقاها سعيد في "قصر النيل"، وهي دعوة وطنية للنهوض بالبلاد عبر تمكين أهلها، ونبذ الاستعباد والظلم التي تعرض له المصريون في تاريخهم، لكن وفاة سعيد باشا وتولي الخديوي إسماعيل بعده، أوقفا حلم عرابي، ومعه ترقيته.

وتأثُّر عرابي بسعيد باشا بلغ حد قوله إن هذا الأخير كان يقرأ كتابا عن حياة بونابرت فأغضبه كيف دخل نابليون لمصر وقهر أهلها، فرمى الكتاب على الأرض غاضبا، وما كان من عرابي إلا أن أخذه وعكف على قراءته طوال الليل، وفي الصباح ذهب إلى سعيد وقال له إن ما جعل الفرنسيين ينتصرون هو جيشهم المنظم، وهو ما يستطيع المصريون فعله إذا أرادوا.

وخلال فترة حكم الخديوي إسماعيل، هيمن الشراكس والترك على قيادة الجيش، وطُرد عرابي بعد خلاف مع الشركسي خسرو باشا عام 1863، الذي كان رئيسا على عرابي لفترة، ووصلت المشاكل بينهما حد اتهامه خسرو بإساءة استعمال سلطته فحُبس على إثرها 21 يوما، لكن المجلس الأعلى قضى ببراءته، غير أن إصرار خسرو أبعد عرابي عن وظيفته 3 سنوات، مما زاد من سخطه على الشركس، حتى عفا عنه الخديوي إسماعيل.

ترك إسماعيل حكم مصر وهي على أعتاب الاحتلال البريطاني، حيث كان أحد الأسباب الرئيسية لتمرّد ضباط الجيش المصري بقيادة أحمد عرابي
ترك الخديوي إسماعيل حكم مصر وهي على أعتاب الاحتلال البريطاني الذي كان سببا رئيسيا لتمرّد ضباط الجيش المصري بقيادة أحمد عرابي (مواقع التواصل الاجتماعي)

الفكر العُرابي

عاد بعدها لصفوف الجيش في وقت كانت تتجهز فيه مصر للحملة الحبشية، وتقوم بتكوين الفرق وترقية بعض رجال الجيش، أما بالنسبة لعرابي فرفضت ترقيته لرتبة الميرلاي مرتين رغم ترقية من كان يعلّمهم، وبقي في رتبة قائم مقام 19 عاما، وهو ما يعزوه عرابي في مذكراته إلى إصرار المسؤولين الشركس على رفض ترقيته لما كان بينه وبينهم من عداوة سابقة.

علاقته السلبية بالشركس وأصحاب السلطة، وتأثير ذلك على حياته العملية وتأخير ترقيته، جعلا منه شخصية ثورية، فأثر على غيره من الضباط وبدأ بنشر أفكاره والدعوة لها عام 1875 بأسلوبه الذي تميز به، فقد كان فصيحا لبقا، ويَعرف من العلوم الشرعية ما يمكن أن يستأثر به للإقناع.

تولى الخديوي توفيق حكم مصر بعدها مما حسّن من وضع عرابي، حيث تمت ترقيته إلى أميرلاي لآلاي المشاة الرابع في الإسكندرية، وظل يشغل هذا المنصب حتى بدأت ملامح ثورته عام 1881.

التجربة السياسية

ألحق عرابي في منصب مأمور مهمات بالحملة الحبشية التي كانت بين عامي 1875 و1876، وعاد منها وهو حانق ساخط عليها، فلم يُدفع له قرش واحد، ودفع هو تكاليف سفره في هذه المهمة، غير أن البلاد عانت من مشاكل اقتصادية وديون متراكمة من الخسائر التي عانى منها الجيش، فظهرت على إثرها ميول عرابي السياسية.

وفي فبراير/شباط 1878 وقعت مظاهرة الضباط التي قام بها عدد من الضباط بزعامة البكباشي لطيف سليم مطالبين برواتبهم المتأخرة أمام وزارة المالية، لكنها سرعان ما تحولت إلى هجوم على وزير المالية والسير ريفرز ولسن، فتدخل الخديوي لفضها بالسلاح.

وسرعان ما أشارت أصابع الاتهام إلى تدبير عرابي لها مع اثنين آخرين من الضباط ورغم نفيه لذلك، عُقد مجلس عسكري لمحاكمتهم، وأصدر الحكم بفصلهم وإرسالهم لمناطق بعيدة، فكانت الإسكندرية من نصيب عرابي.

توريط عرابي في قضية لم تكن له علاقة بها كما يذكر، زاد من كراهيته للخديوي وزادت رغبته في الدعوة لخلعه من حكم البلاد، إذ يرى أنه كان وراء "مظاهرة الضباط" في محاولة للتخلص من الوزارة الأوروبية، وكان أقصر طريق للتفّلت من اتهامه بتدبير المظاهرة، ولكن سرعان ما عزلت أوروبا الخديوي إسماعيل من منصبه عام 1879.

midan - أحمد عرابي
وصل أحمد عرابي  إلى رتبة قائم مقام في الجيش وهو أول منصب يتولاه مصري (مواقع التواصل الاجتماعي)

انطلاقة الثورة العرابية

تولى الخديوي توفيق حكم مصر بعد والده إسماعيل، وعَيَّن الشركسي التركي عثمان رفقي وزيرا لنظارة الجهادية (وزارة الحربية) عام 1881، وقرر إنهاء خدمة أحد الضباط الكبار، ونقل ضابط آخر، ووضع ضباط شركس مكانهما، فعلم الضابطان بذلك قبل صدور القرار، فذهبا إلى منزل عرابي ومعهم جمع من الضباط، منهم قائد حرس الخديوي.

طلب الضباط من عرابي أن يذهبوا ويقتلوا ناظر الجهادية، لكنه رفض واقترح أن يرفعوا عريضة لرئيس الوزراء، وإن لم يقبل يرفعونها للخديوي، فرفع مطالبهم ومعه الميرالاي علي بك فهمي والميرالاي عبد العال بك حلمي، رغم علمهم أن هذه الخطوة تهدد حياتهم.

في 17 يناير/كانون الثاني 1881 قدم عرابي العريضة باسم الضباط لإقالة ناظر الجهادية، وإجراء تحقيق حول كفاءة من ظفروا بالترقي، وكانت تلك المرة الأولى التي يتفق فيها الضباط على رفض أوامر صادرة من سلطة عسكرية أعلى، وكانت أول مرة يختارون فيها زعيما لهم، ويقسمون على الولاء له، لذلك عدت فاتحة الثورة العرابية.

عندما علم توفيق بالعريضة قرر محاكمة الضباط الثلاثة، بعد اجتماع لمجلس الوزراء في 31 يناير/كانون الثاني تقرر فيه وجوب تقديمهم إلى المجلس العسكري، وتولى عثمان رفقي وزير الجهادية هذه المهمة.

فدعاهم ناظر الجهادية للتجهيز لحفل زفاف شقيقة الحضرة الخديوية في قصر النيل، وهي دعوة استغربها الضباط الثلاثة، فأخذوا احتياطاتهم ووضعوا عيونا تلحق بهم، وما إن وصلوا ديوان الجهادية حتى أحاط بهم الحرس واعتقلوهم، ثم حبسوهم داخل ديوان الجهادية.

وعيَّن الخديوي توفيق ضباطا من الشركس بدل المعتقلين، وكانت وقتها العيون التي وضعها الضباط المعتقلون قد أعلمت الضابط محمد عبيد الذي أمر بحبس الضباط الجدد، وسار بالجند مقتحمين الديوان وحرر عرابي ومن معه، وبدأ الآلاي يجمعون جنودهم ذاهبين للديوان نصرة لعرابي بعد خبر اعتقاله، فكان ذلك سببا في تنازل الخديوي توفيق خوفا من تطور الأحداث.

وافق الخديوي توفيق على مطلب الضباط بعد رد فعل ضباطهم وجنودهم، فأقال رفقي، وعين بدلا منه ناظر الأوقاف الباشا محمود سامي البارودي ناظرا للجهادية والأوقاف، فاستغل الضباط ذلك وقدموا له لائحة تتعلق بزيادة المرتبات للجند، وتحسين جودة الطعام الذي كان رديئا، مع سن قوانين للترقي، وإعادة الضابط الذي قام رفقي بطرده، وأجيبت هذه المطالب كاملة.

وبعد هذه التغييرات، زاد صيت عرابي بين الضباط والجنود والمصريين عموما، وأصبح فكره مؤثرا في الوطنيين من المدنيين والعسكريين، تشكل على إثرها "الحزب الوطني".

تولى توفيق حكم مصر عام 1879 بعد والده إسماعيل الذي عزلته أوروبا (غيتي)
تولى الخديوي توفيق حكم مصر عام 1879 بعد والده إسماعيل الذي عزلته أوروبا (غيتي)

في الجانب الآخر، أصبح عرابي هدفا لمحاولات الاغتيال، وجرت محاولات كثيرة لقتله، لكنها لم تفلح لتنبه قادة حركة الجيش الذين أصبحوا لا يتحركون إلا وسط حراسة.

لاحظ عرابي أن قنصل إنجلترا السير مالت في مصر كثير التردد على الخديوي توفيق، علما أن فرنسا كانت قد احتلت تونس في أبريل/نيسان 1881، فخشي أن تقع مصر في الاحتلال الإنجليزي، لإحداث توازن قوى أوروبي عبر مصر، فأرسل رسالة لأعيان البلد يحث فيها على إقالة وزارة رياض باشا، فعدت نقلة كبيرة في مسار الحركة الوطنية.

يوم عابدين

أرسل عرابي إلى ناظر الجهادية أن آلاي (لواءات) القاهرة ستجتمع كلها أمام قصر عابدين في التاسع من سبتمبر/أيلول 1881، وبعث أيضا إلى القناصل الأجانب ليطمئنهم على أحوال رعاياهم، وأنه ليس هناك ما يقلقهم، ولما سمع الخديوي بذلك أرسل على الفور مبعوثا إلى الآلاي، لكنهم رفضوا إلغاء المظاهرة، فخرج الخديوي بنفسه على الألوية ليثنيهم عن المشاركة، فرفضوا، إلا لواء حرس الخديوي بقيادة علي بك فهمي، الذي انتشر في القصر ووقف جنوده على النوافذ.

في يوم المظاهرة، حضر عرابي وباقي آلاي القاهرة وخرج الناس يسيرون وراءهم إلى قصر عابدين، ولما وصلوا أرسل عرابي إلى علي بك فهمي ليحضر، فلما وقف أمامه سأله عن موقفه، فأجابه "إن السياسة خداع"، فطلب منه أن يأخذ مكانه، فجمع الآلاي ووقف مكانه في الميدان، فاكتملت قوة الجيش في ميدان عابدين، ومن ورائهم المصريون.

بعدما رأى الخديوي تجمهر الجنود طالبهم بإغماد سيوفهم والعودة إلى أماكنهم، فلم يجيبوه، فسأل عرابي عن طلباته، فأخبره أنهم يطلبون "إسقاط الوزارة المستبدة، وتشكيل مجلس النواب على النسق الأوروبي، وزيادة عدد الجيش إلى القدر المعين في الفرمانات السلطانية، والتصديق على القوانين العسكرية السابق أمركم بوضعها". وكان قوام الجيش 12 ألف جندي، والفرمان السلطاني يقضي بأن يكون 18 ألفا.

رفض الخديوي هذه المطالب وقال لعرابي "ما أنتم إلا عبيد إحساننا"، فقال عرابي جملته الشهيرة "نحن خلقنا الله أحرارا، ولم يخلقنا تراثا أو عقارا، فوالله الذي لا إله إلا هو إننا لا نورث ولا نستعبد بعد اليوم".

وبعد مفاوضات تدخل بها السير أوكلاند كولفن مراقب حسابات مصر، قبل الخديوي إقالة الوزارة، واتفقوا على إسنادها إلى محمد شريف باشا، واتفقوا على إنفاذ باقي الطلبات بالتدريج مما عد نصرا كبيرا للثورة العرابية.

رفض محمد شريف باشا تولي الوزارة في البداية؛ خشية سيطرة العسكريين عليها، لكن عرابي تعهد له بأن يبتعد عن السياسة، وبعد تشكيل الوزارة طلب البارودي من عرابي وعبد العال حلمي أن ينتقلا من القاهرة، ونقل حلمي إلى دمياط، وعرابي إلى رأس الوادي بالشرقية، وقبلا القرار، لكن عرابي اشترط أن يصدر أمر بانتخاب مجلس شورى النواب قبل السفر، وبعد صدوره بيوم توجه إلى الشرقية.

ووقع الخلاف داخل الحركة الوطنية المصرية عند إعداد لائحة مجلس النواب؛ فقد رأى شريف باشا -لتخفيف الضغوط الخارجية- أن يناقش المجلس نصف الموازنة المالية المصرية، إذ كان يذهب النصف الباقي إلى الديون الأوروبية والجزية إلى الباب العالي، ورفض العرابيون ذلك، ولما استشعر شريف إصرارهم استقال من رئاسة الوزراء، وكلف محمود البارودي بتشكيل الوزارة، وأصبح عرابي وزيرا للجهادية.

جنود بريطانيون عقب الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882 يقفون أمام تمثال أبو الهول بالجيزة (شترستوك)
جنود بريطانيون عقب الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882 يقفون أمام تمثال أبو الهول بالجيزة (شترستوك)

اكتشف عرابي محاولة ضباط من الشراكس اغتياله واغتيال زعماء من الحركة الوطنية، وتم اعتقال 48 ضابطا، منهم عثمان رفقي باشا، وصدر ضدهم حكم بالنفي المؤبد إلى السودان وتجريدهم من الرتب العسكرية، لكن أوكلاند كولفن مراقب حسابات مصر وقنصل إنجلترا السير مالت استغلا الفرصة لزرع الانقسام؛ فنصحا الخديوي بعدم التصديق على الحكم، بدعوى أنه لا يجوز لغير السلطان أن يجرده من لقبه.

فأرسل الخديوي إلى "الحضرة العلية"، فأصبح للعثمانيين دور كذلك في القضية، وللخروج من الأزمة اقترحت الوزارة أن يتم نفيهم إلى أي بلد من دون أن تمس رتبهم وألقابهم، لكن تمحى أسماؤهم من سجلات الجيش؛ فتدخل الإنجليز مرة أخرى ليصدر قرار الخديوي بنفيهم إلى السودان، مع عدم استبعاد أسمائهم من سجلات الجيش، الأمر الذي يعني أن نفيهم سيكون مؤقتا، فثارت الوزارة ضد القرار.

استفحل الخلاف بين وزارة البارودي والخديوي، فأبلغ القنصلان الإنجليزي والفرنسي الخديوي توفيق، منتصف مايو/أيار 1882م أن حالة البلاد خطرة وتستوجب التدخل قبل قيام أي ثورة، وأنهما سيرسلان سفنا حربية إلى المياه المصرية، وبدأ وصول السفن يوم 20 من الشهر ذاته.

وتقدمت الحكومتان البريطانية والفرنسية بمذكرة مشتركة بعدها بـ5 أيام، طالبتا باستقالة حكومة البارودي وإخراج عرابي من القطر المصري، وإبعاد عبد العال بك حلمي وعلي بك فهمي إلى الأرياف، مع احتفاظهم جميعا برتبهم وراتبهم ونياشينهم، وأعلنتا الدعم للخديوي.

قبل الخديوي المذكرة، واستقالت الحكومة على إثرها رفضا للتدخل الأجنبي، لكن أعيان القطر وضباط آلاي الإسكندرية ذهبوا إلى الخديوي وأبلغوه رفضهم المذكرة المشتركة، وأنهم لا يرضون غير عرابي وزيرا للجهادية، وأنه إن لم يعد خلال 12 ساعة فإنهم غير مسؤولين عما سيحدث، فاضطر الخديوي للتراجع، فأعيد عرابي إلى الجهادية، لكن القوات الأجنبية لم يعجبها ذلك.

ضرب الإسكندرية

كانت الأساطيل لا تزال مرابطة على شواطئ الإسكندرية، وبدأت القصف صباح 11 يوليو/تموز 1882، ولم تصمد المدينة أمام القصف الذي دكّها، وحاول عرابي التحصن في كفر الدوار، لكنه هزم، فانتقل العرابيون للدفاع من التل الكبير.

كاد الجيش المصري أن يردم جزءا من قناة السويس كي لا يدخل منها الأسطول الإنجليزي، لكن المهندس الفرنسي (صاحب فكرة حفر قناة السويس) ديليسبس أكد لعرابي حيادية القناة، وأن الإنجليز لن يدخلوا منها، فتراجع عرابي عن ردمها، لكن دخل الأسطول الإنجليزي من القناة في 26 يونيو/حزيران، فهُزم عرابي في معركة "التل الكبير" في 13 سبتمبر/أيلول 1882م.

بعدها بيومين سلّم عرابي نفسه في القاهرة بعد دخول الإنجليز، وحوكم ورفاقه بقرار الإعدام في الثالث من ديسمبر/كانون الأول 1882، لكن الخديوي توفيق خففه للنفي خارج البلاد، ومنذ ذلك الحين بقي الاحتلال الإنجليزي في مصر حتى 18 يونيو/حزيران 1956.

المنفى

نفي عرابي إلى سيلان (سريلانكا) في 28 ديسمبر/كانون الأول 1883، وبقي في المنفى 20 عاما، كتب خلالها مذكراته ورؤيته السياسية من بدايتها، حتى صدر قرار بالعفو عنه وعن زملائه، فعاد في أكتوبر/تشرين الأول 1903.

البريطانيون بداية الاحتلال عام 1882 دخلوا مصر بالعربات المصفحة المثبت في مقدمتها رشاشات، واستخدموا السكك الحديدية للعبور.
البريطانيون بداية الاحتلال عام 1882 دخلوا مصر بالعربات المصفحة وثبتوا في مقدمتها رشاشات، واستخدموا السكك الحديدية للعبور (شترستوك)

الوظائف والمسؤوليات

  • شغل عرابي منصب وزير الجهادية (وزير الدفاع) في الرابع من يناير/كانون الثاني 1882، ورئاسة وزراء مصر، وكذا مناصب في الجيش.
  • رقي إلى مرتبة الضباط ثم ملازم (من تحت السلاح) عام 1858.
  • حصل على رتبة يوزباشي ثم رتبة صاغ عام 1859، ثم رتبة بكباشي عام 1860، وفي سبتمبر/أيلول من العام نفسه رقي لقائم مقام.
  • رقي إلى مرتبة أميرلاي عام 1879 خلال فترة حكم الخديوي توفيق، الذي عينه فيما بعد أميرلاي على المشاة الرابع في القاهرة (آلاي العباسية).

الوفاة

بعدما عاد عرابي من المنفى إلى مصر، عاش 10 أعوام فيها ثم توفي في 21 ديسمبر/كانون الأول 1911.

المصدر : الجزيرة + الصحافة المصرية + مواقع إلكترونية