غوتابايا راجاباكسا.. عسكري أطاحت به ثورة شعبية في سريلانكا

غوتابايا راجاباكسا انتخب رئيسا للبلاد في 2019 وتنحى بعد مظاهرات عارمة في يوليو/تموز 2022 (الفرنسية)

سياسي سريلانكي وضابط سابق في الجيش، اشتهر كزعيم قومي بعد قضائه على تمرد "جبهة تحرير نمور التاميل"، انتخب رئيسا للبلاد في 2019 وأطاحت به ثورة شعبية في يوليو/تموز 2022.

شغل عدة مناصب في الجيش وفي هرم الدولة لعدة عقود، بينها مناصب حكومية وفي رئاسة الدولة.

المولد والنشأة

ولد غوتابايا راجاباكسا في 20 يونيو/حزيران 1949 بمدينة بالاتوا بمقاطعة ماتارا، غرب البلاد، ونشأ في مدينة ويراكيتيا بمقاطعة هامبانتوتا جنوب البلاد.

تنتمي عائلته إلى طبقة ملاك الأراضي، وتنحدر من القومية السنهالية البوذية، التي تشكل ما يقرب من 75% من سكان سريلانكا.

غوتابايا هو الابن الخامس بين إخوته التسعة، وتزوج من قريبته أيوما راجاباسكا، في عائلة سيطرت على السياسة وعلى أجهزة الدولة في سريلانكا منذ عقود.

كان والده سياسيا بارزا معارضا للاستعمار البريطاني وعضوا في البرلمان بين 1947 و1965، كما تولى مناصب حكومية.

بعد مسيرة حافلة في الجيش السريلانكي، هاجر غوتابايا راجاباكسا -الذي تعتبره الأغلبية السنهالية بطلا قوميا- إلى الولايات المتحدة الأميركية عام 1998 واشتغل هناك عدة سنوات وحصل على الجنسية الأميركية في 2003.

عاد إلى سريلانكا في 2005 ليشارك في الحملة الانتخابية لأخيه ماهيندا في السباق الرئاسي، وبعد نجاح ماهيندا في الفوز بمنصب الرئيس عيّنه وزيرا للدفاع، وهو المنصب الذي ظل يشغله إلى 2015.

Demonstrators protest inside the President's House and Presidential secretariat after President Gotabaya Rajapaksa fled, in Colombo
متظاهرون في مسبح القصر الرئاسي بعد اقتحامه في 9 يوليو/تموز 2022 (رويترز)

الدراسة والتكوين العلمي

درس غوتابايا راجاباكسا الابتدائي والثانوي في مدرسة أناندا في العاصمة كولومبو، وهي مدرسة إنجليزية بوذية تأسست في أواخر القرن الـ19، وأصبحت مدرسة حكومية في ستينيات القرن الماضي.

هذه المدرسة أسسها الكولونيل هنري ستيل أولكوت، وهو ضابط وصحفي ومحام أميركي اعتنق البوذية ودرسها في سريلانكا.

بعد حصوله على الثانوية العامة، تلقى راجاباكسا تكوينا أكاديميا في المجال العسكري في عدة كليات ومدارس عسكرية في دول مختلفة، وعين وترقى في الجيش السريلانكي حتى أصبح برتبة عقيد.

فقد تخرج في كلية خدمات الدفاع في ويلينغتون بالهند، ودرس في الكلية العسكرية بروالبندي قرب العاصمة الباكستانية إسلام آباد، وكذا في الكلية العسكرية بكويتا شمال باكستان.

كما تخرج في جامعة مرداس جنوب الهند، وحصل أيضا على دبلوم في تكنولوجيا المعلومات من جامعة كولومبو في سريلانكا، واشتغل في شركة للمعلومات في العاصمة كولومبو عام 1992.

وتلقى تكوينا عسكريا في قاعدة فورت بينينغ في ولاية جورجيا الأميركية، وحصل على دكتوراه فخرية من جامعة كولومبو في سبتمبر/أيلول 2009.

التجربة السياسية والعسكرية

التحق غوتابايا راجاباسكا بالجيش السريلانكي في 26 أبريل/نيسان 1971، وبعد فترة تدريب في مركز دياتا لاوا التابع للجيش عُين ضابط إشارة في قسم المشاة.

في بداية خدمته مع الجيش عين ضابطا في لواء قوات النخبة "غاجابا" التابع للمشاة، وشارك معه في عدة عمليات عسكرية أشهرها عملية فادامراتشي سنة 1987، وعملية تريفيدا بالايا في أغسطس/آب 1990.

وبعد سنوات طويلة في الجيش تقلد خلالها عدة مناصب، هاجر إلى الولايات المتحدة، ثم عاد إبان الحملة الانتخابية الرئاسية في عام 2005، وبعد فوز أخيه ماهيندا في هذه الانتخابات عينه وزيرا للدفاع.

وفي هذه الفترة لعب دورا محوريا في حسم المعركة ضد نمور التاميل (خصوصا بين 2005 و2009) في حرب قتل فيها مئات الآلاف، ما جعل منه بطلا قوميا في نظر أبناء قوميته السنهالية.

لكنه أيضا واجه اتهامات في الفترة نفسها باغتيال وتهديد معارضين وحقوقيين وصحفيين، وتشكيل فرقة عسكرية سرية لتصفيتهم، ورفعت ضده اتهامات بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان، وهي الاتهامات التي نفاها راجاباسكا.

غوتابايا راجاباكسا تقلد عدة مناصب عسكرية وسياسية في سريلانكا منذ تسعينيات القرن الماضي (وكالة الأنباء الأوروبية)

كما لاحقته اتهامات بالفساد وإساءة استخدام أموال الدولة، وبينها تبذير أموال من الخزينة العامة في بناء نصب تذكاري لأسلاف عائلة راجاباسكا.

تعرض لمحاولة اغتيال في ديسمبر/كانون الأول 2006 نفذها مسلح من جبهة نمور التاميل حسب ما قالت السلطات، كما أنها عادت وكشفت في سبتمبر/أيلول 2018 بأنه تعرض لمحاولة اغتيال أخرى بسبب ما قالت إنها الحرب التي شنها على المخدرات.

وفي 2019، وبسبب استحالة ترشح أخيه الأكبر ماهيندا للرئاسة بسبب مانع دستوري، ترشح غوتابايا راجاباسكا للانتخابات، وتم اختياره في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 رئيسا للبلاد، وعين أخاه ماهيندا رئيسا للوزراء.

وبذلك كان أول عسكري سابق ينتخب رئيسا للبلاد (ثامن رئيس في تاريخها الحديث)، وبسبب تداعيات جائحة كورونا وانعكاسات الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، وكذا بسبب ما يعتبره خصومه فسادا وسوء تدبير، عاشت سريلانكا أسوأ أزمة اقتصادية منذ استقلالها عن الاستعمار البريطاني عام 1948.

وبلغت الأزمة أوجها في أبريل/نيسان 2022، وخرجت مظاهرات مناهضة لراجاباسكا وحكومته، وبلغ الحد أن عجزت سريلانكا عن سداد ديونها الخارجية، التي بلغت 51 مليار دولار، ودعت إلى خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي.

وأعلن راجاباسكا في 6 مايو/أيار 2022 فرض حالة الطوارئ للمرة الثانية خلال شهر في أعقاب إضراب عام شمل إغلاق جميع المتاجر والشركات في جميع أنحاء البلاد، غير أن المظاهرات ضده تصاعدت، وفي بداية يوليو/تموز 2022 وصل إلى العاصمة كولومبو عشرات الآلاف من المحتجين، يدعمهم رهبان بوذيون، للمطالبة باستقالة غوتابايا راجاباكسا وحكومته بسبب فشلهما في حل المشكلات الاقتصادية.

وفي يوم السبت 9 يوليو/تموز 2022 اقتحم المتظاهرون القصر الرئاسي وفر راجاباكسا ولجأ إلى قاعدة عسكرية بحرية، ومنها أعلن تنحيه عن رئاسة البلاد.

Demonstrators protest at the Presidential Secretariat, after President Gotabaya Rajapaksa fled, in Colombo
المتظاهرون في كولومبو اقتحموا القصر الرئاسي في يوم 9 يوليو/تموز 2022 (رويترز)

الوظائف والمسؤوليات

تولى غوتابايا راجاباكسا مناصب عسكرية عدة أثناء خدمته العسكرية، وترقى في الجيش حتى أصبح برتبة عقيد.

كما تولى منصب وزير الدفاع في 2005 وقاد القوات المسلحة والشرطة عام 2009، وفي 2011 تغير مسمى المنصب إلى وزير الدفاع والتنمية الحضرية، واستمر فيه إلى 2015.

تولى رئاسة البلاد في 2019 بعد الفوز في الانتخابات لأن الدستور منع شقيقه ماهيندا، الرئيس السابق، من الترشح لمنصب الرئيس مرة أخرى.

الإنجازات

أثناء عمله العسكري حظي بعدة تكريمات ووشح بعدة أوسمة وميداليات، ولعب دورا كبيرا في إنهاء الحرب الأهلية التي امتدت من 1983 إلى 2009.

في 2020، فاز بـ"شهادة صفر انبعاثات كربونية" بسبب حملته الانتخابية التي احترمت المعايير البيئية، واعتبرت حملة نظيفة وغير مضرة بالبيئة.

شارك أيضا في إخماد تمرد قاده ماركسيون سنهاليون في الثمانينيات.

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية