بين التفسير النفسي والاعتقاد الطبي.. مفهوم الأحلام ورموزها وتأويلاتها

شغل عالم الأحلام عقل الإنسان منذ القدم، وحاول تفسيره باستمرار، فتارة يراها بأنها وحي إلهي، وتارات أخرى يراها مخاوف مرحلة الطفولة أو رغبات يسعى إليها، أو تفريغا لنشاط دماغي ينتجع عن عمليات معينة تحدث خلال النوم، ورغم تنوع النظريات واختلافها فإنها لم تستطع قول الكلمة الفصل في عالم الأحلام، وبقي هذا العالم خاضعا للتأويلات المختلفة المتعددة.  

من بلاد الرافدين إلى مصر القديمة

لا يُعرف تحديدا متى بدأ البشر بتفسير الأحلام؛ لكن أقدم سجل تاريخي يتحدث عن معاني الأحلام وتفسيرها يعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، كتبه البابليون والسومريون القدماء.

ووفقا لكتابات من بلاد ما بين النهرين ومصر القديمة، فقد كانت الأحلام في ذلك الحين طريقة للتنبؤ بالمستقبل، ووسيلة لتلقي الوحي الإلهي، وساد الاعتقاد بأن الآلهة تزور الحالمين لتأمرهم باتخاذ إجراءات محددة، لذا ربما بنيت مدن وهدمت أخرى في ذلك الزمان لمجرد حلم رآه أحد الملوك.

ويعدّ تفسير الأحلام أمرا شائعا لدى حضارات ودولة مختلفة، مثل: الصين والهند وبلاد فارس. من ذلك المعتقدات الهندوسية القديمة التي تنظر للحلم على أنه واحد من الحالات الثلاث التي تعيشها الروح: حلم، يقظة، نوم. ويحدث الحلم حين تغادر الروح الجسد وتهيم في عالم الأحلام إلى أن يستيقظ الحالم.

تفسير الأحلام في الديانات السماوية

اهتمّ أصحاب الديانة اليهودية بتفسير الأحلام على نحو خاص لإيمانهم بالقدرة على استخلاص الدروس منها ولعدها وسيلة لتلقي الوحي.

وربط العبرانيون القدماء أحلامهم بدينهم بشكل كبير، وفرقوا بين الأحلام الجيدة (التي تأتي من الله) والأحلام السيئة (التي تأتي من الأرواح الشريرة).

كما عُنِي المسيحيون أيضا بتفسير الأحلام، وأعطوها الأهمية ذاتها بعدّها مصدرا لتلقي الوحي.

أما المسلمون فقد صنفوا الأحلام 3 أنواع:

  • "الرؤيا" وهي من الله تعالى، وقد يراد بها التبشير بالخير أو التحذير من الشر.
  • "حديث الشيطان" وهو ما يراه النائم من مكروه.
  • "أضغاث الأحلام" وهي الأحلام اليومية التي لا تحمل أي معنى أو أنها تعكس ما عاشه الحالم خلال يقظته.

 

منهج فرويد في تفسير الأحلام

يعدّ سيغموند فرويد مؤسس التحليل النفسي أول من تحدث عن تفسير الأحلام وربطها بعلم النفس، وقد ألف كتابا مشهورا في هذا الأمر وُسِمَ بـ "تفسير الأحلام".

ففي أواخر القرن الـ19، وضع فرويد نظرية مفادها أن الأحلام انعكاس لـ"رغبات العقل اللاواعي" للشخص الحالم، بمعنى آخر يحاول الحالم تحقيق رغباته اللاواعية من خلال الأحلام، وفي معظم الأحيان تتعلق تلك الرغبات بذكريات الطفولة وتجاربها، وقد تعكس المخاوف المختبئة في عالم اللاوعي وتظهر في الأحلام.

ويقود تحليل فرويد إلى استنتاج يوضح أنه لا يوجد تفسير واحد للأحلام ينطبق على الجميع، فكل شخص يرى في أحلامه ما يتعلق به، من تجارب ورغبات ومخاوف لا تشبه بالضرورة رغبات الآخرين ومخاوفهم.

ويؤيد الكثيرون هذه النظرية في وقتنا الحالي رغم الانتقادات التي طالت فرويد في ذلك الوقت، إذ يعتقد كثيرون أن الأحلام تخبرهم الكثير عن رغباتهم اللاواعية، وقد أجرى باحثون استطلاعا شمل طلابا من الولايات المتحدة والهند وكوريا الجنوبية، ووجدوا أن 74% من الهنود، و 65% من الكوريين الجنوبيين، و56% من الأميركيين يعتقدون أن لأحلامهم محتوى ضمنيا يزودهم بنظرة ثاقبة حول معتقداتهم ورغباتهم اللاواعية.

sleep dreams
عالم النفس الأميركي كالفين هال يرى أن الأحلام هي مجرد أفكار تظهر أثناء النوم (شترستوك)

منهج "كالفين هال" في تفسير الأحلام

ولا يرى عالم النفس الأميركي كالفين هال أن أحلامنا هي انعكاس لرغباتنا الكامنة -على عكس فرويد- بل قدم نظرية أخرى تقول إن الأحلام هي مجرد أفكار تظهر أثناء النوم وتمثل انعكاسات من الحياة الشخصية بما في ذلك:

  • نظرة المرء لنفسه: فعلى سبيل المثال: قد يحلم المرء أن يصبح رجل أعمال قويا ولكن يخسر بعد ذلك كل شيء، ومعنى هذا النوع من الأحلام وفقا لهال أن هذا الشخص يرى نفسه قويا ولكنه قلق من عدم تمكنه من الحفاظ على هذه القوة.
  • نظرة المرء للآخرين: فمثلا: إذا اعتقد شخص بأن والدته لديها طلبات وتوجيهات كثيرة، أو أن والده قاس عليه، فسينعكس ذلك في أحلامه.
  • نظرة المرء لبيئته: فقد يعتقد المرء أنه يعيش بلا جدوى في مكان لا يشعر بالانتماء إليه، فيشاهد في نومه أنه في بيئة مظلمة أو باردة.
  • فهم الرغبات المكبوتة: قد تكون الأحلام كذلك انعكاسا لفهم رغبات مكبوتة، ويختلف هال مع فرويد في هذه النقطة، ففي حين يرى فرويد أن الأحلام انعكاس للرغبات، يعتقد هال أن الأحلام انعكاس للطريقة التي يفهم بها الإنسان هذه الرغبات، مع مراعاة الدوافع والنواهي والمحرمات التي يؤمن بها.
  • مواجهة التحديات: وفقا لهال فإن الأحلام تعكس على نحو كبير التحديات والصعوبات التي تواجه المرء والصراعات والمعارك التي يخوضها يوميا.

ومن الجدير بالذكر أن هال توصل إلى استنتاجاته تلك من خلال نهج طوره مع روبرت فان دي كاسل في الستينيات من القرن الماضي. فقد جمع مع زميله أكثر من 50 ألف تقرير عن الأحلام من طلاب الجامعات، وقاموا بتحليلها ودراستها، على عكس نهج فرويد في تفسير الأحلام الذي يفتقر إلى الدقة العلمية.

التفسير العصبي-البيولوجي للأحلام

ظهرت بحوث من نوع مختلف منذ بداية القرن الـ20 لمحاولة تفسير الأحلام من منطلق عصبي وبيولوجي.

فقد طرح طبيبان نفسيان في جامعة هارفارد -هما ألان هوبسون وروبرت مكارلي- نظرية مختلفة عام 1977 تفيد بأن الأحلام محاولة من الدماغ لفهم النشاط العصبي الذي يحدث أثناء النوم، إذ لا يتوقف نشاط الدماغ في تلك الفترة.

لذا رأى العالمان هوبسون ومكارلي أنه أثناء النوم يتم تفسير النشاط في بعض المستويات الدنيا من الدماغ المسؤولة بشكل أساسي عن العمليات البيولوجية الأساسية من قبل أجزاء الدماغ المسؤولة عن الوظائف العليا مثل التفكير ومعالجة المعلومات. بمعنى آخر فإن نشاط الدماغ أثناء النوم هو ما يولد الأحلام في نهاية المطاف.

ووفقا لهوبسون وباحثين آخرين، فإن الدوائر الموجودة في جذع الدماغ تنشط أثناء مرحلة حركة العين السريعة، وبمجرد أن تنشط هذه الدوائر تنشط كذلك المناطق المعنية بالعواطف والأحاسيس والذكريات، بما في ذلك اللوزة والحصين، ومن ثم يقوم الدماغ بتوليف هذا النشاط الداخلي وتفسيره ومحاولة خلق معنى من هذه الإشارات، مما يؤدي إلى الحلم.

ويؤكد هوبسون عدم تعارض نظريته مع وجود معنى للحلم، ويرى أن الحلم قد يكون أكثر حالات الوعي إبداعا، حيث ينتج عن إعادة التركيب العشوائي والعفوي للعناصر المعرفية وخلق أفكار جديدة.

الأحلام.. طريقة دماغنا لحمايتنا من المخاطر

ويرى علماء آخرون أن الأحلام تخدم أغراضا هامة أبرزها تدريب النفس على مواجهة المخاطر والتهديدات، فهي -على حد تعبيرهم- وسيلة الدماغ للحماية من المخاطر عن طريق تدريب الغريزة البدائية، إذ توفر الأحلام عادة "محاكاة" للتهديدات التي قد تواجه الإنسان في الواقع، ومن ثم يقوم بصقل مهارات الدفاع لديه وزيادة القدرة العقلية على التعامل مع السيناريوهات التي تشكل تهديدا لنا أو قد تكون قاسية علينا، بما في ذلك:

  • الهروب أثناء مطاردة أحدهم.
  • السقوط إلى الهاوية.
  • حضور الامتحانات من دون دراسة.
  • التجول عراة في أماكن عامة.

وترى هذه النظرية أن لا تفسير محددا لهذا النوع من الأحلام الشائعة، وإنما هي مجرد محاولة من الدماغ للتدريب على التهديدات المحتملة في الحياة الواقعية.

تخزين مؤقت "للوعي"

إحدى أبرز النظريات التي تفسر الأحلام من ناحية علمية هي التي اقترحها الطبيب النفسي جي تشانغ الذي يقول إن الأدمغة تخزن الذكريات على نحو دائم بصرف النظر عما إذا كان المرء نائما أو مستيقظا، ومن ثم من الممكن عدّ الأحلام نوعا من التخزين المؤقت للوعي، إذ إن منطقة التخزين المؤقت هي مكان يحمل فيه المرء الذكريات قبل انتقالها إلى منطقة التخزين طويل الأمد في الدماغ.

لماذا يحدث الحلم؟

رغم وجود كل هذه النظريات التي تحاول تفسير الأحلام، فإنه لا توجد إجابة علمية دقيقة وقطعية تفسر الأحلام وتبين سبب وجودها. ويعتقد العلماء أن الأحلام تخدم مجموعة من الأغراض بما في ذلك:

  • معالجة الذكريات.
  • معالجة العواطف.
  • انعكاس لرغباتنا اللاواعية.
  • أسلوب لمواجهة المخاطر المحتملة.

أي أن الإنسان لا يستطيع تفسير الأحلام وفقا لنظرية واحدة فقط، فقد تخدم الأحلام أغراضا متعددة في واقع الأمر.

sleep dreams
اختلاط الواقع بالحلم (شترستوك)

كيف يحدث الحلم؟

أجمع العلماء على آلية حدوث الحلم، وهي:

في المراحل الأولى من النوم يدخل الإنسان في مرحلة "حركة العين غير السريعة"، التي تقسم بدورها إلى 3 مراحل:

  • المرحلة الأولى: تكون العينان مغلقتين، لكن من الممكن أن يستيقظ النائم بسهولة خلال هذه المرحلة، التي تستمر من 5 إلى 15 دقيقة.
  • المرحلة الثانية: مرحلة النوم الخفيف، إذ يقل وعي النائم بما حوله ويتباطأ معدل ضربات القلب وتنخفض درجة حرارة الجسم استعدادا للنوم العميق، وتستمر هذه المرحلة لمدة 20 دقيقة.
  • المرحلة الثالثة: وهي مرحلة النوم العميق، ترتخي فيها العضلات ويهبط معدل ضغط الدم والتنفس، ويصبح من الصعب إيقاظ الشخص النائم. بعد انتقال النائم إلى مرحلة النوم العميق تبدأ مرحلة "حركة العين السريعة". يرافق هذه المرحلة نشاط مكثف للدماغ، وتبدأ عادة بعد 90 دقيقة من النوم.. هنا يصبح التنفس أسرع وأكثر انتظاما وتتحرك العيون بسرعة وباتجاهات مختلفة ويزيد معدل ضربات القلب، كما يرتفع ضغط الدم، وفي هذه المرحلة تحديدا يدخل الإنسان إلى عالم الأحلام.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية