تغيرات المناخ تدفع السكان في العالم للنزوح.. ما الهجرة المناخية؟

Al Chibayish, Iraq. November 1st, 2018 Boats on dried cracked earth during a drought in the Southern Marshes of Iraq. Climate change and political instability causing a crisis for local fishermen and
قوارب مهجورة بسبب الجفاف في الأهوار الجنوبية بالعراق عام 2008 (شترستوك)

الهجرة المناخية مفهوم ظهر بعد ما خلفته التغيرات المناخية والظواهر الطبيعية من نزوح وانتقال السكان من مواطنهم الأصلية إلى مناطق أخرى، داخل وخارج بلدانهم.

التعريف والدلالة

يمكن التعبير عن مفهوم "الهجرة المناخية" بعدة مصطلحات أخرى منها "اللجوء البيئي" و"الهجرة البيئية"، والتي تعني اضطرار السكان لمغادرة موطنهم الأصلي بسبب التغيرات المناخية في بيئتهم.

يهاجر السكان هجرة داخلية وخارجية بسبب تغيرات المناخ الطاردة، وهي على شقين، أحدهما يتفاقم ضرره تدريجيا مثل الجفاف، وشق آخر يدّمر فوريا مثل الزلازل والفيضانات.

ويتأثر السكان (الذين تعتمد معيشتهم بشكل مباشر على المحاصيل الزراعية أو ترتبط أنشطتهم بمجالات تتأثر بالتغيرات المناخية) سلبا من التغيرات المناخية التدريجية، فتكون هجرتهم طوعية، بينما يهاجر المتضررون من الكوارث الطبيعية سريعة التدمير هجرة قسرية.

ولم يوضع بعد تعريف قانوني مقبول دوليا للأشخاص المهاجرين بسبب التغيرات المناخية، لكن المنظمة الدولية للهجرة وضعت تعريفا لوصف المهاجرين البيئيين.

ففي عام 2007 عرفتهم بأنهم "أفراد أو مجموعات تختار أو تضطر لمغادرة بيئتها المعتادة إلى أخرى داخلية أو خارجية، لأسباب تتعلق بالتغير المفاجئ أو التدريجي في المناخ، إما بشكل دائم أو مؤقت".

أبرز دوافع الهجرة المناخية

أكدت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة أن أعداد مهاجري المناخ ستتجاوز حاجز المليار والنصف بحلول عام 2050، وأبرز دوافع الهجرة المناخية هي الظواهر الطبيعية الطاردة، والتي يتعلق أكثرها بالاحتباس الحراري.

ارتفاع درجات الحرارة

يشهد كوكب الأرض تزايدا في درجات الحرارة، مما يشكل خطرا على بعض مناطق العالم وخاصة المناطق الأوروبية، فقد نتج عن الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة عام 2022 عدة حرائق.

فقد سجلت بريطانيا في صيف 2022 درجات حرارة تجاوزت 40 درجة مئوية لأول مرة في تاريخ سجلاتها المناخية.

كما تسببت درجات الحرارة العالية في البرتغال برفع السلطات مستوى التحذير إلى الأحمر، وكانت حرائق الغابات في البرتغال قد تسببت في إجلاء 900 شخص من منازلهم.

التصحر

التصحر ظاهرة طبيعية تضرب المناطق القاحلة وشبه القاحلة، ويؤدي انتشارها إلى تدهور التربة الزراعية في مناطق عدة من العالم والقارة الأفريقية خاصة.

ينتج التصحر عن عوامل عدة منها التغير المناخي والنشاط الإنساني، وهو ظاهرة تتسم بالتدرج والتطور، ويكبد التصحر العالم خسائر مادية تقدر بتريليونات الدولارات سنويا.

بالإضافة إلى دفع السكان للهجرة المناخية والنزوح لمناطق صالحة للزراعة، ففي عام 2012 توصلت أبحاث في الأمم المتحدة إلى أن 50 مليون شخص قد يضطرون للبحث عن مواطن جديدة للعيش ووسائل أخرى لكسب القوت.

وأوضح تقرير من دراسة أشرفت عليها الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2015 أن "ثلث العالم مهدد بتجريف التربة وثلث أفريقيا مهدد بالتصحر".

ارتفاع مستوى سطح البحر

أدى ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى ذوبان الصفائح الجليدية في غرينلاند (الأرض الخضراء) والقارة القطبية، مما أسفر عن ارتفاع مستوى سطح البحر.

ويمثل ارتفاع مستوى سطح البحر تهديدا عالميا للسكان، لما ينتج عنه من إغراق لجزر كاملة ومدن ساحلية، إضافة إلى تعطيله دوران تيارات المحيط.

وإذا ارتفعت مستويات سطح البحر بمقدار متر واحد أو أكثر، قد يضطر تقريبا 100 مليون شخص من سكان سواحل المحيط الهادي والجزر إلى الهجرة المناخية.

ففي عام 2005 تم إجلاء ألف شخص من سكان إحدى الجزر المرجانية التابعة لبابوا غينيا الجديدة، لأن ارتفاع مستوى سطح البحر كان يغرق الجزيرة تدريجيا.

وفي بالاو وتوفالو وكيريباتي تخطط الحكومات لهجرة مناخية تشمل كل سكان الجزر، لأن جزرهم معرضة للاختفاء نظرا لارتفاع مستوى سطح البحر.

مخاطر الهجرة المناخية

تعتبر الهجرة المناخية حلا للسكان المتضررين من تغير المناخ والكوارث البيئية، لكن مخاطرها تكمن في تزايد المتضررين وتنافس النازحين إلى مدن يتمركز فيها السكان.

نوقش موضوع الهجرة المناخية في مؤتمر عقد ببريطانيا عام 2015، وكان المؤتمر لتوضيح مشروع بحثي قام به مركز بحوث الهجرة بجامعة ساسكس البحثية البريطانية، مع وحدة بحوث اللاجئين وحركات الهجرة في دكا.

وأكد دومينيك نيفتون (أحد أعضاء فريق البحث بجامعة ساسكس) في المؤتمر تأييده للهجرة المناخية، ويرى أن تكيف المهاجرين سيمنحهم فرصا أفضل.

بينما يلفت الدبلوماسي البنغالي ميجارول كوايس النظر لمخاطر الهجرة المناخية، ولا يرى أن تكيف "من سيفقدون منازلهم تماما" أمر وارد.

بالإضافة إلى ما سيترتب على حركة الهجرة المناخية من حركة عابرة للحدود، والتي "سترتبط بتهريب الأسلحة والاتجار بالبشر وتهريب المخدرات".

وبالرغم من أن مهاجري المناخ يحصلون على وضع النازحين في بلدانهم، إلا أنهم بمجرد عبور الحدود الدولية يفقدون الحماية التي تتوفر للمهاجرين هربا من العنف أو الاضطهاد.

أول مهاجر مناخ

ظهر مفهوم "اللجوء البيئي" لأول مرة عام 2013، بفضل رجل من جزيرة كيريباتي يدعى إيونا تايتيوتا، وبذلك يكون أول مهاجر مناخ.

يعتبر تايتيوتا أول من تقدم بطلب اللجوء البيئي إلى نيوزيلندا له ولأسرته، وجاء طلبه بعدما فقدت أسرته سبل العيش وإمكانيات بناء مستقبل في الجزيرة نظرا لتغير المناخ وارتفاع مستوى سطح البحر.

وأحدث هذا الطلب ضجة دفعت دنيا إيونسكو (سكرتيرة سياسات شؤون الهجرة والبيئة والتغير المناخي في المنظمة الدولية للهجرة) إلى الدعوة لمناقشة العلاقة بين الهجرة والعوامل البيئية.

وقالت إيونسكو إن "على نيوزيلندا أن تتخذ قرارها في هذا الشأن، فكل دولة تحدد بنفسها ما يعتبر سببا للجوء وما هو غير ذلك".

حيث إن المنظمة الدولية للهجرة لا تستخدم مصطلح "لاجئ بيئي"، لكنها تتحدث عن "المهاجرين البيئيين"، وذلك لأن اتفاقية جنيف التي حددت شروط قبول اللجوء لم تذكر المناخ كسبب من الأسباب، وإنما حصرت منح اللاجئ حق اللجوء في حال تعرضه للاضطهاد السياسي والديني.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية