العدوان الثلاثي على مصر

يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول 1956 قامت القوات الإسرائيلية بغزو منطقتي شرق قناة السويس وصحراء سيناء ثم قطاع غزة، مانحة القوات البريطانية والفرنسية ذريعة للانضمام إلى الحرب يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول 1956 فيما عُرف بالعدوان الثلاثي على مصر الذي نجح في تدمير سلاح الجو المصري.

العدوان جاء تنفيذا لخطط سياسية وعسكرية وضعت يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول 1956 خلال اجتماع سري عقد في بلدة سيفر بفرنسا بين ممثلين عن بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، وبحث سبل الإطاحة بحكم الرئيس المصري جمال عبد الناصر بعد قيامه بتأميم قناة السويس.

أهداف العدوان الثلاثي على مصر

كان لكل طرف من هذه الأطراف الثلاثة (فرنسا وبريطانيا وإسرائيل) هدف خاص به يسعى إلى تحقيقه، فقد وجدت إسرائيل في تسليح الجيش المصري سببا يخل بتوازن القوى القائم آنذاك، كما أن توجيه ضربة قوية إلى مصر سيؤدي إلى وضع حد لعمليات الفدائيين الفلسطينيين المنطلقة من قطاع غزة.

قبلها واصل الفلسطينيون الفدائيون مقاومتهم، وأشرفت الحكومة المصرية في سنة 1955 على تدريب الفدائيين العاملين انطلاقا من قطاع غزة وشرق سيناء، وهو ما أزعج تل أبيب بشدة وسعت إلى وضع حد له.

الرغبة في معاقبة الفدائيين دفعت إسرائيل إلى البدء بالتخطيط لهجوم على مصر، فإذعان مصر التي تشكل النقطة الأساس في الصراع سيؤدي إلى استسلام إقليمي أوسع، ووجدت حليفا في فرنسا التي سعت بقوة إلى توطيد علاقتها مع إسرائيل والانتقام من مصر التي دعمت ثورة التحرير الجزائرية عام 1954.

كما وجدت إسرائيل حليفا في بريطانيا الراغبة في استعادة مركزها السابق في مصر قبل ثورة 23 يوليو/تموز 1952 إثر اهتزاز هيمنتها طويلة الأمد على مصر مع تسلم جمال عبد الناصر السلطة عام 1952 وتأميمه شركة قناة السويس في يوليو/تموز 1956.

أسباب العدوان الثلاثي

يمكن تقسيم الأسباب التي أدت إلى هذه الحرب إلى قسمين، الأسباب المباشرة، وهي تلك التي كانت متصلة ببدء العمليات العسكرية، والأسباب التاريخية، وهي تلك المقدمات التاريخية والجيوسياسية أو البذور الرئيسية التي أنبتت على مر الزمن حطب النار الذي أشعل "حرب السويس".

الأسباب التاريخية

في عام 1854 أقنع الدبلوماسي الفرنسي السابق فرديناند دي ليسبس والي مصر محمد سعيد باشا بالموافقة على بناء قناة شحن عبر 100 ميل من الصحراء بين البحرين المتوسط والأحمر.

افتتحت القناة في نوفمبر/تشرين الثاني 1869، وتقاسمت فرنسا وبريطانيا الاستثمار فيها بعدما باعت مصر حصتها بالكامل لبريطانيا.

منذ ذلك الوقت أصبحت قناة السويس شريان الحياة للإمبراطورية البريطانية وتصل بين لندن ومستعمراتها في الهند وآسيا، وأصبحت حمايتها وتأمينها هدفا إستراتيجيا لجميع الزعماء والقادة الإنجليز.

نجحت بريطانيا في الإبقاء على القناة آمنة أثناء الحرب العالمية الأولى (1914-1918) والحرب العالمية الثانية (1939-1945).

في عام 1951 ألغى مصطفى النحاس باشا زعيم حزب الوفد المنتخب حديثا المعاهدة الأنغلو- مصرية لعام 1936، وسرعان ما تبعت ذلك هجمات على الحامية البريطانية وأحداث شغب في القاهرة وعموم مصر، واستمرت حالة عدم الاستقرار حتى يوليو/تموز 1952 حين أطيح بالملك فاروق بواسطة مجموعة من الضباط بقيادة اللواء محمد نجيب.

وفي عام 1954 حل جمال عبد الناصر محل اللواء نجيب، وكانت له 3 أهداف: إنهاء الاحتلال البريطاني، وبناء القوات المصرية لمهاجمة إسرائيل، وإنشاء السد العالي.

تراجعت الولايات المتحدة عن تعهداتها بالمساعدة في إنشاء السد العالي، ورفض البنك الدولي المساهمة بمبلغ 200 مليون دولار لبنائه، كما ألغى رئيس الحكومة البريطانية ونستون تشرشل صفقة أسلحة لمصر، مما دفع عبد الناصر إلى تسليح الجيش المصري بأسلحة سوفياتية من صنع تشيكوسلوفاكيا، الأمر الذي أثار حفيظة الولايات المتحدة والمعسكر الغربي.

الأسباب المباشرة

في 26 يوليو/تموز 1956 أعلن الرئيس المصري جمال عبد الناصر تأميم شركة قناة السويس، وهي الشركة البريطانية الفرنسية المشتركة التي امتلكت وشغلت قناة السويس منذ إنشائها عام 1869.

جاء إعلان عبد الناصر بعد شهور من تصاعد التوترات السياسية بين مصر وبريطانيا وفرنسا وإقدام مصر في أغسطس/آب 1955 على إغلاق مضيق تيران عند خليج العقبة في وجه الملاحة "الإسرائيلية".

بداية الحرب

في 22 أكتوبر/تشرين الأول 1956 التقى رئيس الحكومة الفرنسية غي موليه ورئيس حكومة بريطانيا أنتوني إيدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون في بلدة سيفر بالقرب من باريس، وأبرموا اتفاقية سرية مفادها أن إسرائيل يجب أن تهاجم مصر، مما يوفر ذريعة لغزو أنغلو- فرنسي لقناة السويس.

في 29 أكتوبر/تشرين الأول 1956 بدأ الهجوم الإسرائيلي بإنزال جوي للسيطرة على ممر ميتلا، وتبع ذلك قتال عنيف، وفي اليوم التالي أصدرت بريطانيا وفرنسا إنذارا للطرفين لوقف القتال على الفور.

في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني 1956 بعد حوالي 3 أشهر و10 أيام من تأميم عبد الناصر القناة بدأ الهجوم الأنغلو- فرنسي على السويس، وسبقه قصف جوي أدى إلى تحطيم وتدمير القوات الجوية المصرية.

أهم المعارك والمحطات

واصل الإسرائيليون عملياتهم متوقعين هجوما مصريا مضادا، وبدلا من ذلك كان جيش عبد الناصر ينسحب، ويومي الخامس والسادس من نوفمبر/تشرين الثاني 1956 قامت القوات البريطانية والفرنسية بعمليتي إنزال في بورسعيد وبور فؤاد، وبدأت باحتلال منطقة القناة.

وفي صباح يوم السادس من نوفمبر/تشرين الثاني 1956 وجه الاتحاد السوفياتي إنذارا شديد اللهجة إلى كل من بريطانيا وفرنسا، كما وجه إنذارا آخر إلى إسرائيل بعد ذلك بأيام.

وخوفا من مضاعفات الإنذار السوفياتي أرسل الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور إنذارا لكل من إسرائيل وفرنسا وبريطانيا يدعوها للانسحاب، فأرغمت الدول المعتدية على قبول القرار الدولي والانسحاب.

في منتصف ليل السادس من نوفمبر/تشرين الثاني 1956 تمت الدعوة لوقف إطلاق النار بناء على إصرار الأمين العام للأمم المتحدة داغ همرشولد، وصدر قرار مجلس الأمن رقم 1001 القاضي بوقف إطلاق النار.

كانت القوات الأنغلو- فرنسية قد وصلت إلى جنوب بورسعيد، لكنها لم تكن تسيطر بعد على القناة بأكملها عندما تم إيقافها.

وفي 22 ديسمبر/كانون الأول 1956 قامت الأمم المتحدة بإجلاء القوات البريطانية والفرنسية، وانسحبت القوات الإسرائيلية في مارس/آذار 1957.

Damage caused by Franco-British forces during the Suez Crisis, in Port Said, Egypt, November 9, 1956. (Photo by KEYSTONE-FRANCE/Gamma-Rapho via Getty Images)
أثناء العدوان الثلاثي على مصر لحقت أضرار كبيرة بمحافظة بورسعيد الواقعة على بوابة قناة السويس (غيتي)

الخسائر البشرية جراء العدوان الثلاثي

ليست هنالك إحصائيات موثقة عن الخسائر في الأرواح لدى الجانب المصري أو القوات الغازية، لكن مصادر صحفية أشارت إلى أن خسائر الجيش البريطاني بلغت 22 قتيلا و97 جريحا، وفي الجانب الفرنسي تحدثت المصادر عن 10 قتلى و33 جريحا، ومن الإسرائيليين 172 قتيلا و817 جريحا.

وقد أسفر العدوان عن مقتل أكثر من ألف من المدنيين المصريين، فيما قتل أكثر من 1650 عسكريا وأسر 5500.

النتائج السياسية للعدوان الثلاثي

من الناحية السياسية، كان التدخل في السويس كارثيا وكان بمثابة إعلان رسمي عن تنازل الإمبريالية البريطانية عن قيادة العالم وتراجعها -بصحبة فرنسا- إلى الصفوف الخلفية تاركة المجال للولايات المتحدة لرسم الخارطة العالمية من جديد.

وقد أجبر الرأي العام العالمي -خاصة الرأي العام في الولايات المتحدة- إلى جانب التهديد بالتدخل السوفياتي بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على سحب قواتها من مصر، وكان هناك غضب واسع النطاق في بريطانيا نفسها.

ضعفت علاقة بريطانيا مع الولايات المتحدة، وتضاءل نفوذها في "شرق السويس" بسبب تلك المغامرة، وبدأت الاتهامات بالتواطؤ بين بريطانيا وفرنسا وإسرائيل عام 1956 تطفو على السطح، لكن أنتوني إيدن نفى ذلك في البرلمان وحاول تجنب إعطاء إجابة قاطعة.

وفي 20 ديسمبر/كانون الأول 1956 ألقى إيدن خطابه الأخير أمام مجلس العموم البريطاني، ونفى فيه علمه المسبق بأن إسرائيل كانت تخطط للهجوم على مصر، وفي يناير/كانون الثاني 1957 تدهورت صحة إيدن وتضررت مصداقيته السياسية بشدة فاستقال من منصبه.

وتعرض رئيس وزراء فرنسا غي موليه لانتقادات شديدة، ثم انهارت حكومته في يونيو/حزيران 1957 بسبب الضرائب التي فرضها لدفع ثمن الحرب الجزائرية.

أما عبد الناصر فقد خرج من أزمة السويس منتصرا معنويا وبطلا لقضية القومية العربية والمصرية، ولم تحصل إسرائيل على حرية استخدام القناة، لكنها استعادت حقوق الشحن في مضيق تيران، وفقدت بريطانيا وفرنسا معظم نفوذهما في الشرق الأوسط نتيجة هذه الحرب.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية