رفعت الأسد قائد مجزرة حماة 1982

Rifaat al-Assad amassed a huge property empire after being exiled from Syria [File: Michel Euler/AP]
رفعت الأسد عاد إلى سوريا في أكتوبر/تشرين الأول 2021 (أسوشيتد برس)

رفعت الأسد شقيق الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد، ولد عام 1937، تدرج بالمناصب العسكرية، وأسس سرايا الدفاع وقادها في مجزرة حماة عام 1982، التي راح ضحيتها نحو 40 ألف قتيل، خرج من سوريا بعد خلاف مع شقيقه، وعاد إليها عام 2021 بعد 36 عاما أمضاها في المنفى. صدرت بحقه مذكرة توقيف في فرنسا.

المولد والنشأة

ولد رفعت علي سليمان الأسد عام 1937 في مدينة القرداحة في محافظة اللاذقية، لأسرة فقيرة تعمل في الزراعة، وتنتمي إلى الطائفة العلوية، والده علي سليمان الأسد، وأمه أنيسة مخلوف من أسرة علوية غنية.

تلقى تعليمه الأساسي في قريته، ثم درس العلوم السياسية في جامعة دمشق، وحصل على الدكتوراه في الاقتصاد منها عام 1977.

تزوج 4 مرات، وكانت أولى زوجاته ابنة عمه أميرة عبد العزيز الأسد، ثم تزوج لاحقا لين الخير، ورجا بركات وسلمى مخلوف وأخت عايدة فستق، إحدى زوجات الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، وله 8 أبناء أكبرهم دريد، و8 بنات أكبرهن تماضر.

حياته العسكرية

انضم رفعت عام 1952 إلى حزب البعث على خُطى أخيه حافظ، ثم التحق بالخدمة الإلزامية في الجيش، بعد ذلك انتقل إلى وزارة الداخلية عقب الانفصال بين مصر وسوريا عام 1961، ودرس في الكلية العسكرية في مدينة حمص بعد انقلاب عام 1963، الذي نفذته اللجنة العسكرية للإطاحة بحكم الرئيس ناظم مقدسي، وكان أحد أعضاء اللجنة حينها أخوه حافظ الأسد.

أوكلت إليه أولى المهام العسكرية برفقة اللواء سليم حاطوم عام 1966، وهي مهمة اقتحام منزل الرئيس السوري حينها أمين الحافظ، لأنه حاول نقل عدد من الضباط من بينهم حاطوم إلى مناصب أخرى في الجيش، وأسفرت المهمة عن استسلام أمين الحافظ وتنازله عن رئاسة البلاد، وعودة اللجنة العسكرية لحكم البلاد بقيادة صلاح جديد وحافظ الأسد.

شارك رفعت في  حرب 1967 بين الدول العربية وإسرائيل، وكان مسؤولا عن كتيبة الدبابات في جبهة القنيطرة، وحمل رتبة نقيب حينئذ، وانسحبت الكتيبة مع اللواء 70 الخاص بالمدرعات من الجبهة، بعد الإعلان المبكر عن سقوط جبهة القنيطرة قبل سقوطها فعليا.

ومع نهاية الستينيات أصبح الصراع محصورا في حزب البعث بشكل أكبر بين حافظ الأسد وأخيه الأصغر رفعت من جهة، وبين صلاح جديد ومدير المخابرات العامة عبد الكريم الجندي من جهة أخرى، وأفضت تلك المواجهة إلى هزيمة جديد والجندي، واستلام حافظ الأسد السلطة في نوفمبر/تشرين الثاني 1970، وكان دور رفعت محوريا عبر تأمين دمشق من أي محاولة انقلاب على أخيه.

وعام 1971 شُكلت الوحدة 569، أو ما يعرف بـ"سرايا الدفاع"، وتشير بعض المصادر إلى أنها تأسست في مطلع الثمانينيات، وتعد قوة عسكرية لا تتبع للجيش النظامي، ترأسها رفعت الأسد، وأوكلت إليها مهمة حماية السلطة الحاكمة عبر قوة عسكرية قوامها 40 ألف مقاتل.

وانتشرت سرايا الدفاع بين طلاب الجامعات بهدف تشجعيهم على التطوع فيها، إذ أسس رفعت "الرابطة العليا للخريجين"، والتي أصبحت كيانا طلابيا عسكريا موازيا له، وعُين فيما بعد رئيس مكتب التعليم العالي حتى عام 1980، وذلك بالتزامن مع تعيينه رئيسا للمحكمة الدستورية.

(FILES) - A picture taken 29 November 1984 in Damascus shows Rifaat al-Assad, the banished younger brother of late Syrian President Hafez al-Assad. The exiled uncle of Syrian President Bashar al-Assad has called for elections in Syria and a change of its constitution, in a statement received by AFP 31 March 2005. Rifaat al-Assad was a vice president under the reign of his late brother, who was succeeded by his son, Bashar, in 2000. Rifaat had fallen out of grace with the late president and was exiled to Europe in 1985. AFP PHOTO/FILES / AFP PHOTO / AFP FILES / PHILIPPE BOUCHON (Photo credit should read PHILIPPE BOUCHON/AFP via Getty Images)
رفعت الأسد قاد فرقة سرايا الدفاع منذ تأسيسها وحتى حلّها (الفرنسية)

في السبعينيات من القرن الـ20 ارتفعت حدة المواجهة بين رفعت الأسد وأخيه حافظ من جهة وجماعة الإخوان المسلمين والطليعة المقاتلة من جهة أخرى، وفي تلك الفترة بدأ رفعت بتعزيز سلطته في البلاد.

وظهرت أفكار رفعت ونواياه تجاه المعارضة على نحو جلي عام 1979، حين ألقى خطابا خلال المؤتمر القطري السابع لحزب البعث الحاكم بوصفه عضوا في القيادة القطرية، أوضح فيه أنه من أجل مواجهة الإخوان المسلمين، وكل حزب يحمل "قيم رجعية" تُعارض الدولة يجب تكرار ما قام به "جوزيف ستالين" في روسيا، حين قتل 10 ملايين مواطن روسي في سبيل تمكين وجود حزبه في السلطة.

واقترح في خطابه إصدار قانون "للتطهير العرقي" يطال كل "منحرف عن المسار الوطني ممن يعتنق أي مبادئ هدامة تمس الفكر القومي أو السلامة الوطنية"، حسب وصفه، وأوصى رفعت وزير الدفاع بأن يُغلق الجوامع في سوريا، واعتبرها "مكانا لإنتاج الفكر المُتعصب والطائفي".

وخططت الطليعة المقاتلة في دمشق عام 1981 لاغتيال رفعت الأسد عبر سيارة مفخخة عن بعد، ولكن أُلغيت العملية قبل التنفيذ مباشرة، بسبب تطابق موجات اللاسلكي التي تملكها الطليعة المقاتلة مع موجات اللاسلكي التي تملكها المخابرات السورية في تلك المنطقة، مما يعني عدم التأكد من انفجار السيارة في الوقت الصحيح.

وفي العام نفسه ألقى رفعت الأسد خطابا في حفل تخرج الدورة الثالثة للقفز المظلي لوحدة المظليين في سرايا الدفاع، وهاجم فيه النساء المحجبات، وشجع المظليات على التصدي لهذا الفكر "الرجعي"، مما دفع المظليات إلى نزع حجاب بعض النساء في دمشق. وفي العام التالي قاد سرايا الدفاع في مجزرة حماة.

مجزرة حماة

وفي نهاية يناير/كانون الثاني 1982، وبقيادة رفعت الأسد وبقوات قوامها 20 ألف جندي، حاصرت سرايا الدفاع والفرقة الثالثة واللواء 21 واللواء 57 والمخابرات العسكرية، مساندة من القوات الخاصة بقيادة علي حيدر، مدينة حماة وأغلقت مداخلها، وبدأت مساء الثاني من فبراير/شباط قصف المدينة من كل جوانبها.

وقُطعت الكهرباء والاتصالات عن المدينة، واستمرت عمليات القصف حتى الخامس من فبراير/شباط 1982، وبدأت بعدها عملية برية لاقتحام المدينة وفرض حظر التجوال، وسط اشتباكات مع مقاتلي تنظيم الإخوان المسلمين وعمليات إنزال مظلي قامت بها قوات الجيش، واستمرت المجازر في المدينة وإعدام المدنيين وحرق الممتلكات حتى 28 فبراير/شباط، إذ سُمح بالتجوال في الأول من مارس/آذار.

وقد خلفت هذه الحملة العسكرية نحو 40 ألف قتيل، وُثقت أسماء نحو 10 آلاف منهم، و17 ألف مفقود وثقت أسماء نحو 4 آلاف منهم،  بالإضافة إلى تدمير قرابة 79 مسجدا و3 كنائس، وتدمير أحياء كاملة في المدينة. (وفق تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان الصادر عن المجزرة عام 2022)

وفي مقابلة أجرتها إحدى القنوات التلفزيونية مع رفعت الأسد، ونشرت في ديسمبر/كانون الأول 2011، نفى مسؤوليته عن مجزرة حماة، وقال إنها تهمة وكذبة روج لها "النظام السوري" وفق قوله، واتهم الرئيس حافظ الأسد بالمسؤولية عما جرى.

وقال "أنا لا أعرف حماة حتى الآن"، (أي حتى سنة 2011 حين أجريت المقابلة)، وبرر ما حدث بأنه "تطبيق للقانون الدستوري السوري الذي ينص على أن من ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين في سوريا يُعدم".

وأنكر في المقابلة ذاتها وجود سرايا الدفاع، كما أنكر قيادته لها، واعتبر أن الأمر كله "كذبة كبيرة نُشرت وروج لها"، إلا أنه أقرّ بقياته للوحدة 569.

Picture taken in 1984 shows late Syrian president Hafez al-Assad (R) with his youngest brother Rifaat (L) at a military ceremony in Damascus. The estranged and banished brother, Rifaat, announced 12 June 2000 that he considers himself the legitimate successor to the presidency of Syria. The statement represents a direct challenge to the right of Bashar al-Assad, the late president's son and designated heir, to take the post. (Photo by Handout / AFP) / XGTY / == RESTRICTED TO EDITORIAL USE - MANDATORY CREDIT "AFP PHOTO / HO " - NO MARKETING NO ADVERTISING CAMPAIGNS - DISTRIBUTED AS A SERVICE TO CLIENTS == - XGTY / == RESTRICTED TO EDITORIAL USE - MANDATORY CREDIT "AFP PHOTO / HO " - NO MARKETING NO ADVERTISING CAMPAIGNS - DISTRIBUTED AS A SERVICE TO CLIENTS == / BEST QUALITY AVAILABLE
صورة التقطت عام 1984 تظهر حافظ الأسد (يمين) مع أخيه رفعت في حفل عسكري في دمشق (الفرنسية)

انقلاب رفعت على أخيه

مع مرور نحو سنتين على مجزرة حماة، وتحديدا في نوفمبر/تشرين الثاني 1983 أصيب حافظ الأسد بأزمة قلبية، وعقدت القيادة القطرية لحزب البعث اجتماعا حينها، الأمر الذي دفع رفعت لوضع عدد كبير من سرايا الدفاع في الساحة الداخلية لقيادة الحزب.

وأثناء كلمته في الاجتماع طالب بطرد كل من مدير المخابرات العسكرية علي دوبا وقائد القوات السورية في لبنان إبراهيم صافي، وقائد القوات الخاصة علي حيدر ومدير المخابرات الجوية محمد خولي، وهدد -في حالة الرفض- باحتلال قواته العاصمة دمشق كلها.

استعاد حافظ الأسد صحته في فبراير/شباط 1984، وكانت أولى قراراته القبض على المساعد الأمني لرفعت الأسد العقيد سليم بركات، ثم عيّن حافظ أخاه نائبا له بعد عزله من سرايا الدفاع وتعيين العقيد محمد غانم بدلا عنه.

وفي اجتماع القيادة القطرية الذي عُقد في مارس/آذار 1984 حدد حافظ صلاحيات رفعت بصفته نائبا للرئيس للشؤون الأمنية، بالإضافة إلى نائبين آخرين هما محمد زهير مشارقة وعبد الحليم خدام، ولكن رفعت أمر بنشر قواته في الأماكن المُطلة على العاصمة، وبالمقابل قامت القوات الخاصة بقيادة علي حيدر، وقوات الحرس الجمهوري بقيادة عدنان مخلوف بالاستعداد لمواجهة رفعت في حال بدأ معركته ضد أخيه حافظ في العاصمة.

في نهاية أبريل/ نيسان 1984 أدرك رفعت أن الكفة مالت لصالح أخيه، فوافق على شروطه، وضمّت سرايا الدفاع إلى الجيش، وأصبحت تُشكِّل الفرقة الرابعة بقيادة باسل بن حافظ الأسد، واختار رفعت منفاه بداية في موسكو، مع الحصول على 200 مليون دولار قُدمت له من قِبل الزعيم الليبي معمر القذافي، الذي سعى لحل الإشكال بين الأخوين.

وفي عام 1986 طلب رفعت في منفاه دعما بريطانيا لإسقاط حافظ، ولكن الرد البريطاني كان بالرفض، نظرا للعلاقة الحساسة التي كانت حينها بين بريطانيا وحافظ الأسد، وكذا العلاقات المتينة بينه وبين الاتحاد السوفياتي وقتها، وفرضت على إثرها بريطانيا شروطا تُعقِّد حصول السوريين على تأشيرة الدخول إليها، ولكن رفعت وصل إلى لندن بعد شهرين من الرفض البريطاني عبر جواز سفر مغربي، وعدّ نفسه خليفة محتملا لرئاسة سوريا بعد تلقيه دعما من بعض الدول.

رفعت الأسد
رفعت الأسد غادر سوريا عام 1984 وبقي في المنفى 36 عاما (مواقع التواصل الاجتماعي)

الحراك السياسي

عاد رفعت في زيارة إلى سوريا بعد وفاة والدته عام 1992 بناء على طلبها قبل وفاتها، واستمر في منفاه، بالعمل في منصب نائب الرئيس للشؤون الأمنية وعضو القيادة القطرية "نظريا" حتى عام 1999 لحمايته من أي ملاحقات قانونية.

وأسس رفعت عام 1999 قناة أطلق عليها اسم شبكة الأخبار العربية، وانتهجت مسار المعارضة لسياسة نظام البعث الحاكم، وأدارها ولداه سوار وريبال، واستمرت بالبث باللغة الإنجليزية حتى عام 2009 وباللغة العربية حتى عام 2014.

وعام 2018 تقدم رفعت الأسد وأولاده بطلب للحصول على الجنسية البريطانية، ولكن تم الرفض بسبب قرابتهم ببشار الأسد، وقدم رفعت وعائلته طعنا بقرار محكمة الهجرة، ولكن لجنة الاستئناف رفضته.

ومع بداية الثورة السورية في مارس/آذار 2011 دعا رفعت ابن أخيه بشار إلى التنحي قائلا إنه لا يمكن الاستمرار في إراقة الدماء في سوريا، وصرح في لقاء تلفزيوني أن وقت الحوار مع النظام قد انتهى، ولا بد من تغيير النظام.

واتخذ ريبال رفعت الأسد موقفا سياسيا، إذ كان ناشطا يُعارض سلطة ابن عمه، في حين اتخذ ابنه فراس موقفا معاديا لعائلة الأسد بشكل كامل وانتقد سيطرتها على السلطة، ونشر تفاصيل عن فساد والده والعائلة كلها.

واستمر رفعت في موقفه المعارض لحكم بشار حتى ظهوره في مايو/أيار عام 2021 في سفارة نظام الأسد في باريس، وهو يدلي بصوته في "الانتخابات" الرئاسية، وبعث لاحقا برقية تهنئة لبشار بمناسبة إعادة "انتخابه".

ملاحقات قضائية

وفي عام 2013 رفعت مجموعة "شربا" لمكافحة الفساد دعوى قضائية ضد رفعت في فرنسا، وذلك بتهمة غسل أموال سورية عامة ضمن عصابة منظمة، وأدلى رفعت بإفادته عام 2015 أمام القضاء الفرنسي، ونفى ارتكاب أي مخالفات.

ولكن محكمة البداية الفرنسية أصدرت عام 2020 حكما بسجنه 4 سنوات ومصادرة العقارات التي يملكها في فرنسا، والتي تقدر قيمتها بـ100 مليون دولار، كما أدانته محكمة الاستئناف في باريس بتهمة الاحتيال الضريبي وتشغيل أشخاص بشكل غير قانوني عام 2021، وأمرت بسجنه ومصادرة جميع العقارات الخاصة به التي اعتبرت أنه حصل عليها عن طريق الاحتيال.

وعاد رفعت الأسد إلى سوريا في أكتوبر/تشرين الأول 2021، والتقطت صورة عائلية تجمعه مع بشار وباقي العائلة بعد أيام من عودته إلى البلاد.

وفي بريطانيا أصدر الادعاء البريطاني قرارا يقضي بتجميد أصول بملايين الجنيهات الإسترلينية تعود لرفعت الأسد في بريطانيا، ومنعه من بيع منزل يمتلكه في منطقة ميفير قيمته 4.7 ملايين جنيه إسترليني.

كما أمرت السلطات الإسبانية بمصادرة ممتلكات أسرة رفعت الأسد، وتجميد حساباتها المصرفية، وذلك ضمن تحقيق ضده بتهم تتعلق بغسيل أموال.

وأصدر القضاء الفدرالي السويسري في أغسطس/آب 2023 مذكرة اعتقال بحقه بتهمة ضلوعه في جرائم حرب في سوريا عام 1982.

وأصدر الاتحاد الأوروبي في مايو/أيار 2023 عقوبات متعلقة بتجارة المخدرات وانتهاك حقوق الإنسان على ابنه مضر من زوجته أميرة الأسد.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية