مجزرة تل الزعتر.. نكبة الفلسطينيين في لبنان

في 12 أغسطس/آب تحل ذكرى مجزرة مخيم تل الزعتر للاجئين الفلسطينيين في لبنان، والتي قتل خلالها 4280 فلسطينيا وخلفت آلاف الجرحى ومئات المفقودين بعد حصار دام 52 يوما فرضته المليشيات اليمينية المسيحية اللبنانية والجيش السوري على المخيم.

الموقع

أنشئ مخيم تل الزعتر للاجئين الفلسطينيين عام 1949 شرقي العاصمة اللبنانية بيروت على أرض وقفية مارونية مساحتها كيلومتر مربع.

بات المخيم يعرف من قبل الأهالي بـ"تل الزعتر" تيمنا بالقرية الفلسطينية تل الزعتر قضاء مدينة عكا، والتي احتلها الإسرائيليون إبان النكبة عام 1948، وتأكيدا على الحق في العودة.

لم يكن مخيم تل الزعتر في البداية واحدا من المخيمات المسجلة في سجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، على اعتبار أنه كان تجمعاً فلسطينياً مجاورا لمخيمي "الدكوانة" و"جسر الباشا"، اللذين أنشاتهما "الأونروا" عام 1959، ويتبعان لمحافظة جبل لبنان، بالإضافة إلى مخيمات "شاتيلا" و"ضبية" و"برج البراجنة".

يقع المخيم في منطقة صناعية تكثر فيها المصانع والمعامل، ما جعله مكانا جاذبا لسكن الآلاف من العمال وعائلاتهم سواء الفلسطينيين أو اللبنانيين وجنسيات أخرى.

المساحات المجاورة للمخيم كانت تشتهر بالزراعة وبساتين الحمضيات والخضروات، حتى قدرت أعداد المقيمين فيه بحوالي 30 ألفا، جلهم من اللاجئين الفلسطينيين.

السكان

ينحدر سكانه من قرى شمال فلسطين، وعلى الأخص "الخالصة"، و"اللزازة"، و"صلحا"، إضافة إلى البدو الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون في فترات اللجوء الأولى في منطقة المسلخ شرق بيروت، اللذين جرى نقلهم إلى المخيم عام 1965، إثر انتشار دعاية عن وجود مرض "الطاعون" في منطقة المسلخ.

الخلفية التاريخية

خلال نكبة عام 1948 رحل 110 آلاف فلسطيني إلى لبنان معظمهم من قرى الجليل والمدن الساحلية، كيافا وحيفا وعكا، ولم يكن أمامهم -وخاصة الفقراء منهم- سوى مخيمات اللجوء وعدد من التجمعات الريفية للاستقرار.

ومع مرور الزمن تغيرت معاملة الدولة اللبنانيّة للفلسطينيين، بعد أن كانوا مرحبا بهم من معظم اللبنانيّين في العقد الأول لنزوحهم.

لكن في أعقاب الاضطرابات اللبنانية سنة 1958، قام الرئيس فؤاد شهاب باستخدام مكتب الاستخبارات العسكريّة (المعروف أيضا باسم المكتب الثاني)، فضلا عن الشرطة، للسيطرة على المخيمات.

شهدت هذه الفترة تدابير قمعية ولاإنسانية ومهينة بحق الفلسطينيين، حيث فرضت عليهم تصاريح من أجل زيارة المخيمات الأخرى، ولم يكن يسمح لهم بعقد الاجتماعات ذات الطابع غير العائلي، كما كان يحظر عليهم الاستماع إلى الراديو أو قراءة الصحف، وكان بناء أو إصلاح المنازل في حاجة إلى تصريح يتعذر الحصول عليه.

وإضافة إلى هذه الممارسات، كان الفلسطينيون يتعرضون للمضايقات اليومية والإذلال والابتزاز والاعتقالات، وأحيانا التعذيب على أيدي بعض ضباط الشرطة.

تسبب هذا الوضع المزري لدى الفلسطينيين، إضافة إلى تداعيات طردهم من بلادهم، في شرارة التمرد والبحث عن تغيير ظروف حياتهم، خصوصا إثر هزيمة الجيوش العربية على يد إسرائيل سنة 1967، واحتلال إسرائيل للضفة الغربية والقدس والجولان ومعظم سيناء، حيث أصبح الملايين من الفلسطينيين لاجئين في الدول المجاورة مثل لبنان والأردن ومصر.

غالبية هؤلاء اللاجئين من الفلسطينيين خرجوا إلى لبنان والأردن بأسلحتهم لمقاومة إسرائيل، ما تسبب في مشاكل كبيرة للأردن، فأسرع الملك حسين بإخلاء المخيمات وطرد المنظمات الفدائية، فانتقلت إلى لبنان.

وفي عام 1969، اندلعت "ثورة" غير مخطّط لها داخل مخيمات لبنان، عندما قام السكان بطرد ضباط وعملاء "المكتب الثاني" الذي كانوا يكنّون له كراهيةً شديدة، عندها شعر الفلسطينيّون أنّهم عادوا يسيطرون على مصيرهم ويناضلون ضمن حركة جماهيرية من أجل العودة إلى ديارهم.

قادت انتفاضة الفلسطينيين الجماهيرية إلى توقيع اتفاقية القاهرة في مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر 1969 بين ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينيّة وقائد الجيش اللبناني إميل البستاني، ومنحت هذه الاتفاقية الفلسطينيين الحق في إدارة مخيماتهم، والانخراط في الكفاح المسلح بالتنسيق مع الجيش اللبناني.

صعدت المقاومة الفلسطينية في لبنان من هجماتها المسلحة ضد إسرائيل، فردت الأخيرة بهجمات ضد لبنان موقعة أعدادا كبيرة من القتلى بين المدنيين اللبنانيين والفلسطينيين، ما خلق في لبنان حالة من النفور تجاه منظمة التحرير الفلسطينية وزاد من حدة التوترات الفلسطينية – اللبنانية.

الحرب الأهليّة اللبنانيّة

بتحالفهم مع الحركة الوطنية اللبنانية، زج الفلسطينيون أنفسهم في الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، ومع انهيار الدولة اللبنانية واصلت منظمة التحرير الفلسطينية توسيع نفوذها، فاتهمت بتشكيل "دولة داخل دولة".

بدأت إرهاصات نكبة مخيم تل الزعتر مطلع عام 1976، حيث نشبت خلافات بين المليشيات المسيحية وكتائب الفدائيين الفلسطينيين.

وخلال هذه الفترة حصلت اشتباكات ومعارك بين الجانبين، وكانت ذات طابع ديني، ولجأ آلاف المسلمين اللبنانيين إلى مخيم تل الزعتر وانضموا للفلسطينيين.

في 13 أبريل/نيسان قتل 30 فلسطينيّا من مخيم تل الزعتر كانوا يستقلون حافلة في عين الرمانة قرب بيروت على يد عناصر من قوات "الكتائب" الجناح العسكري لحزب الكتائب اليميني المسيحي اللبناني، ما شكل الشرارة الأولى للحرب الأهلية اللبنانية العنيفة والطويلة.

منذ اندلاع الحرب في لبنان، أصبح الفلسطينيّون هدفاً للميليشيات اللبنانية المسيحيّة اليمينيّة (الموارنة)، وكان الحصار الذي تعرض له مخيم تل الزعتر أحد إفرازات الحرب الأهلية المستعرة.

حصار المخيم

بدأ حصار المخيم في 22 يونيو/حزيران 1976، واستمر الحصار طيلة 52 يوما، حيث تم قطع الماء والكهرباء والطعام عن المخيم، وكان الحصار خانقا وقاسيا لدرجة أن أهل المخيم طلبوا فتوى تجيز لهم أكل الكلاب وجثث الشهداء الملقاة في شوراع المخيم.

تعرض المخيم لـ72 هجوما، والقصف بأكثر من 55 ألف قذيفة، ومُنعت هيئات الإغاثة من دخوله.

وفي 11 أغسطس/آب 1976 جرت مفاوضات برعاية قادة عرب، وتم التوصل لاتفاق ينص على السماح بخروج المدنيين فقط من المخيم بوساطة الصليب الأحمر الدولي.

وفي 12 أغسطس/آب 1976 انتهى الحصار، بسقوط المخيم ودخول القوات اللبنانية والسورية التي ارتكبت عمليات إبادة وبقر لبطون الحوامل وهتك للأعراض وذبح للأطفال والنساء والشيوخ.

مرتكبو المجزرة

نفذت مجزرة تل الزعتر القوات السورية في لبنان والقوات المارونية المسيحية اللبنانية التي تتألف من:

  • حزب الكتائب بزعامة بيير الجميل.
  • ميليشيا النمور التابعة لحزب الوطنيين الأحرار بزعامة كميل شمعون.
  • ميليشيا جيش تحرير زغرتا بزعامة طوني فرنجية.
  • ميليشيا حراس الأرز.

ضحايا المجزرة

خلفت المذبحة 4280 قتيلا من اللاجئين الفلسطينيين نصفهم في الحصار، ونصفهم في الخروج من المخيم، وغالبيتهم من المدنيين والنساء والأطفال وكبار السن، بخلاف آلاف الجرحى ومئات المفقودين (حتى الآن لا يوجد إحصاء دقيق بعددهم).

وبعد ارتكاب المجزرة، باشرت الجرافات إزالة المخيم، وهام الناجون من الموت على وجوههم يبحثون عن المأمن، وتوزعوا لاحقا على مخيمات فلسطينية أخرى في لبنان.

بعد اتفاق الطائف عام 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية بتسويات وحمل شعار "العفو عما مضى"، رفضت الدولة اللبنانية إعادة إعمار المخيم، كما رفضت عودة اللاجئين المهجرين إليه.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية