حاجي محمد سوهارتو

Former Indonesian President Suharto waves to photographers upon his arrival at a Jakarta mosque for Friday prayers in this September 25, 1998 file photo. Suharto, who has been in hospital for more than three weeks, has lapsed into a coma for the first time, one his doctors told Reuters on January 27, 2008 in a text message.

الرئيس الثاني لإندونيسيا، حكم لمدة تزيد عن ثلاثين عاما، ورغم انتقاده في مجال حقوق الإنسان، فإن اسمه ظل مرتبطا بالحفاظ على وحدة البلاد، وبالتقدم الاقتصادي الذي تحقق في عهده.

المولد والنشأة
ولد حاجي محمد سوهارتو يوم 8 يونيو/حزيران 1921 في أسرة فقيرة تشتغل بالزراعة في وسط جزيرة جاوة، وعاش طفولته متنقلا بين أمه وأبيه وأقاربه، بعد انفصال والديه وهو في الثانية من العمر. 

الدراسة والتكوين
تلقى تعليمه في مدرسة جاوية محلية، ثم عمل لفترة قصيرة في أحد البنوك ليلتحق بعد ذلك بجيش الاحتلال الهولندي سنة 1940، وبعد سنتين من الخدمة رقي إلى رتبة رقيب. 

التجربة السياسية
بعد اجتياح القوات اليابانية لإندونيسيا إبان الحرب العالمية الثانية اقتنع سوهارتو بإمكانية تحرير إندونيسيا من الاستعمار الهولندي فانضم إلى القوات اليابانية. 

وفي سنة 1945 التحق بالجيش الإندونيسي حديث التأسيس بعد استسلام اليابان في نفس السنة وإعلان إندونيسيا الاستقلال، وشارك في حرب السنوات الخمس ضد هولندا والتي انتهت باحتلال القوات الهولندية للعاصمة جاكرتا ومدينة يوغاربكارتا. 

غير أن عمليات عسكرية قادها سوهارتو مكنت من استعادة يوغاربكارتا ومن ثم موافقة هولندا على الانسحاب من كامل الأراضي الإندونيسية باستثناء إقليم إيريان جايا الذي قاد سوهارتو حملة لاسترجاعه سنة 1960. 

وبعد الاستقلال تدرج سوهارتو في سلم الرتب العسكرية حتى انتهى إلى قيادة القوات الخاصة بحماية الأمن القومي، والتي قاد بها العديد من العمليات العسكرية الناجحة للقضاء على حركات التمرد في مناطق متفرقة من إندونيسيا. 

كما استطاع أن ينقذ حكم الرئيس سوكارنو سنة 1965 بقضائه على المحاولة الانقلابية التي شارك فيه أعضاء من الجيش الإندونيسي بالتحالف مع الحزب الشيوعي، وقاد بعدها سوهارتو حملة تطهير واسعة ضد الشيوعيين. 

وفي عام 1966 أقنع سوهارتو الرئيس أحمد سوكارنو بأن يمنحه سلطة إعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد والتي كانت نقطة التحول في الدور السياسي لسوهارتو حيث عينه البرلمان رئيسا بالوكالة سنة 1967 ثم رئيسا منتخبا سنة 1968 ليصبح الرئيس الثاني لإندونيسيا. 

عرف عن سوهارتو اهتمامه بالجانب الأمني لإندونيسيا وقد زاد تركيزه عليه بعد توليه الرئاسة، ففي سنة 1975 أرسل قوات إندونيسية لتضم إقليم تيمور الشرقية إلى إندونيسيا بعد خروج الاستعمار البرتغالي منه. 

كما سعى إلى إعادة العلاقات السياسية مع الدول الغربية فأعاد عضوية إندونيسيا في الأمم المتحدة بعد أن كانت قد انسحبت منها في عهد الرئيس سوكارنو بسبب اختيار ماليزيا في عضوية إحدى مؤسسات الأمم المتحدة، كما أعلن سوهارتو احترام إندونيسيا لجارتها ماليزيا، وعمل في بداية حكمه على تجميد العلاقات مع الصين. 

ومن ناحية أخرى قوى سوهارتو مكانة بلاده الإقليمية فقادت إندونيسيا في عهده منظمة شعوب جنوب شرق آسيا "آسيان" وشاركت في محاولات السلام في كمبوديا، وسعى سوهارتو في التسعينيات من القرن العشرين إلى إعادة تطبيع العلاقات مع الصين من جديد. 

ومما يلاحظ على سياسة سوهارتو الداخلية اهتمامه باستقرار المجتمع الإندونيسي، ففي عهده ازدهر الاقتصاد الوطني وأقدم المستثمرون الدوليون على الاستثمار في إندونيسيا، وتقدمت حركة الصناعة وتحقق رخاء اقتصادي للمجتمع الإندونيسي لم يشاهد من قبل, كما اهتم سوهارتو بالبنية الاجتماعية فطور التعليم وحقق قدرا كبيرا من التأمين الصحي

غير أن ملامح أزمة اقتصادية حادة بدأت تلوح في إندونيسيا في التسعينيات وبدأت الروبية الإندونيسية تفقد قيمتها وارتفعت نسبة التضخم بشكل كبير واتسعت دائرة البطالة وأعلن مديرو صندوق النقد الدولي استحالة استقرار الاقتصاد الإندونيسي مع وجود سوهارتو في الحكم، ومارس سوهارتو إجراءات تقشف اقتصادية سنة 1998، وقد أحدثت الإجراءات أزمة ثقة في نظامه على المستوى الداخلي.

 وفي مارس/ آذار 1998 أعاد مؤيدو سوهارتو في البرلمان انتخابه رئيسا للبلاد للمرة السابعة. 

ولم يمض من ولاية سوهارتو إلا شهور قليلة حتى خرج الطلاب في مظاهرات عارمة احتلوا أثناءها العاصمة جاكرتا، وحاصروا البرلمان مطالبين بإصلاحات ديمقراطية لينتهي الأمر باستقالة الرئيس سوهارتو في 21 مايو/أيار 1998، فتولى نائبه يوسف حبيبي رئاسة البلاد في انتظار انتخابات عامة. 

استقر سوهارتو بعد مغادرته للحكم برفقة أسرته في إحدى ضواحي جاكرتا، متواريا عن الأنظار والظهور إلا قليلا. 

وقد قدرت مجلة تايم الأميركية ثروة سوهارتو بحوالي 15 مليار دولار، وقيمة ما امتلكته أسرته في 32 سنة من حكمه، بحوالي 73 مليار دولار وهي اتهامات نفاها الرجل الذي أكد أن ليس له ولو سنت واحد في البنوك الأجنبية. 

وُضع سوهارتو سنة 2000 في بيته تحت الإقامة الجبرية عندما بدأت السلطات بالتحقيق في ثروته. ولم يحضر سوهارتو المحاكمة التي اتهم فيها باختلاس 571 مليون دولار، لتمويل مشاريع يديرها أفراد من أسرته، نظرا لحالته الصحية المتدهورة. 

ثم أعلن عن محاكمته من جديد سنة 2002، لكنها توقفت بعد أن أعلن الأطباء عن إصابة سوهارتو بمرض في الدماغ، ثم تكاثرت عليه الأمراض بعد ذلك، الأمر الذي أجل محاكمته إلى حدود سنة 2005. 

وقد أعيد فتح ملف محاكمته سنة 2006، وطلب الادعاء إجراء فحوصات طبية على سوهارتو لإثبات إمكانية محاكمته لكن دون جدوى. 

وقد رفضت المحكمة العليا في إندونيسيا سنة 2007 تعويض سوهارتو بمبلغ 128 مليون دولار، كانت محكمة صغرى قضت له به ضد مجلة تايم الأميركية بسبب اتهامها إياه باختلاس مبالغ كبيرة. 

الوفاة
توفي سوهارتو في 27 يناير/كانون الثاني 2008 بعد صراع طويل مع المرض.

المصدر : الجزيرة