الجبهة الإسلامية للإنقاذ

الجبهة الإسلامية للإنقاذ FIS - جودة الشعلر ضعيفة من المصدر

حزب سياسي إسلامي جزائري؛ أنشئ أوائل 1989 وخاض الانتخابات البلدية 1990 والتشريعية نهاية 1991 واكتسح نتائج شوطها الأول، فأوقف الجيش العملية الديمقراطية مطلع 1992، مما أدى إلى اندلاع عنف عارم في البلاد دام أكثر من عشر سنوات. وبينما تتهم الحكومة الجبهة بممارسة "الإرهاب"، تصف الأخيرة نفسها بأنها "الحزب الممثل للقضية الجزائرية".

النشأة والتأسيس
يُرجع رئيس الجبهة الدكتور عباسي مدني أسباب نشأة حزبه إلى أحداث 5 أكتوبر/تشرين الأول 1988 التي اندلعت في الجزائر العاصمة احتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وذلك عندما زاره الشيخان علي بلحاج والهاشمي سحنوني لمشاورته في اتخاذ موقف من هذه الأحداث، فاقترح عليهم تكوين "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" لتكون "ممثلا لهموم الشعب الجزائري".

اتفق الرجال الثلاثة على الفكرة وأعلنوها في أحد مساجد العاصمة بعد أن أعدوا أهداف الجبهة وبرنامجها وحيثيات خطابها وآليات عملها، كما اتفقوا على تنظيم مؤتمر تأسيسي للحزب الوليد.

وهكذا أعلِن تأسيس حزب "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" في 18 فبراير/شباط 1989 إثر تعديل الدستور واعتماد قانون حرية تشكيل الأحزاب السياسية في العام نفسه كإحدى نتائج أحداث 1988. واعترفت الحكومة الجزائرية رسميا بالحزب مطلع سبتمبر/أيلول عام 1989.

 

الفكر والأيديولوجيا
حددت الجبهة خطها الفكري في مذكرة قدمتها إلى رئيس البلاد الشاذلي بن جديد في 7 مارس/آذار 1989 تتضمن مبادئها وبرنامجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ملخصة إياه في أنها تسعى إلى إقامة نظام حكم مدني تعددي يرتكز على مبدأ الحاكمية لله والسلطة للشعب. وإقامة دولة مستقلة عادلة على أسس الإسلام.

ومن حيث المكونات الفكرية فإن الجبهة الإسلامية للإنقاذ تجمع بين فروع الصحوة الإسلامية المعاصرة والحركة الوطنية الجزائرية، فهي عبارة عن خليط فكري من المدارس الإسلامية الإصلاحية الكبرى، ففيها يلتقي معتنقون لمبادئ جماعة الإخوان المسلمين وآخرون من التيار السلفي بشتى فصائله.

هذا إضافة إلى منتمين لـ"تيار الجزأرة" الذي يؤمن بضرورة الحفاظ على الأخذ بمنهج جمعية العلماء في الجزائر كالشيخين عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي، والاستفادة من التراث الفكري الإسلامي للمفكر الجزائري مالك بن نبي.

أهداف ومبادئ
أعربت الجبهة عن أهم أفكارها ومبادئها في بيانات متعددة، منها "نداء 12 نوفمبر 1989" الذي من أبرز مضامينه:

ـ ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع المجالات.

ـ توفير الحرية للشعب ورفع الظلم والاستبداد.

ـ اعتماد الاقتصاد الإسلامي ومنع التعامل بالحرام.

ـ إعمال الشريعة في شأن الأسرة ورفض المنهج الفرنسي الداعي إلى التحلل.

ـ المطالبة بالاستقلال الثقافي والتنديد بإفراغ الثقافة من المحتوى الإسلامي.

ـ شجب استخدام الإعلام من قبل الدولة في مواجهة الصحوة الإسلامية.

ـ إنقاذ مكاسب الشعب التاريخية وثرواته البشرية والطبيعية دون إضاعة للوقت.

ـ العمل على وحدة الصف الإسلامي، والمحافظة على وحدة الأمة.

ـ تقديم بديل إسلامي كامل وشامل لجميع مشكلات البلاد.

ـ تشجيع روح المبادرة وتوظيف جميع الإرادات الخيّرة في البناء الشامل.

المسار السياسي
انطلق المسار السياسي للجبهة في أجواء وطنية متوترة وتطورات متلاحقة كان عليها أن تواكبها بسرعة وفعالية، فنظمت مسيرة ضخمة يوم 22 أبريل/نيسان 1990 احتجاجا على ما أسماه زعيمها عباسي مدني "غياب الحوار الجدي مع الرئاسة" بشأن مطالب الجبهة، وخاصة مطلبها الداعي إلى حل البرلمان "المنعدم الشرعية" (حُلّ لاحقا يوم 4 يناير/كانون الثاني 1992).

وعندما أجريت أول انتخابات بلدية حرة عرفتها الجزائر في يونيو/حزيران 1990، شاركت فيها الجبهة ففازت بـ853 بلدية من بين 1539 بلدية و32 ولاية من بين 48 ولاية. مما جعل حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في البلاد يشعر بخطر منافستها القوية له على الحكم، فاتخذ إجراءات للحد من تعاظم الجبهة من بينها منع الحملات الانتخابية في المساجد.

وفي 25 مايو/أيار 1991 دعت الجبهة مناضليها إلى تنظيم إضراب ومسيرات وتجمعات في الساحات العامة للمطالبة بالإصلاح، والاحتجاج على تعديلات قانون الانتخاب وتقسيم الدوائر الانتخابية الذي اعتبرت أنه جاء "مفصلا على مقاس الحزب الحاكم".

دُعي رئيس الجبهة عباس مدني ونائبه علي بالحاج يوم 30 مايو/أيار إلى اجتماع مع رئيس الحكومة آنذاك مولود حمروش، واتفق الجانبان على تنظيم الجبهة تجمعات في أربع ساحات محددة.

لكن حكومة حمروش أطيح بها في 2 يونيو/حزيران، وفي مساء اليوم الموالي اقتحمت أجهزة الدرك الوطني ساحات الاعتصام لتفريق المتظاهرين مما أدى إلى سقوط مائة شخص بين قتيل وجريح. واعتقِل رئيس الجبهة عباسي مدني ونائبه علي بلحاج يوم 21 من الشهر نفسه بتهمة "التآمر على أمن الدولة وتعطيل الاقتصاد الوطني"، ثم أفرج عنهما لاحقا.

خاضت الجبهة الانتخابات التشريعية لاختيار مجلس الشعب (البرلمان) يوم 26 في ديسمبر/كانون الأول 1991، فحصلت فيها على 188 مقعدا من أصل 228 في المرحلة الأولى (عدد مقاعد المجلس الإجمالية آنذاك 380، ثم زيد لاحقا فأصبحت 389 مقعدا)، وجاء في المركز الثاني حزب جبهة القوى الاشتراكية بـ25 مقعدا، ثم حزب جبهة التحرير الوطنية الحاكم بـ16 مقعدا.

ويرى مراقبون كثر أن النظام الحاكم اعتبر أن هذا الفوز يمثل خطرا على مصالحه كما يهدد مصالح حلفائه الغربيين في البلاد، فتدخل الجيش وأطاح بالرئيس الشاذلي بن جديد يوم 11 يناير/كانون الثاني حين أجبره على الاستقالة.

أعلن الجيش يوم 12 يناير/كانون الثاني 1992 وقف العملية الديمقراطية بإلغائه الشوط الثاني من الانتخابات قبل موعد تنظيمه بخمسة أيام، كيلا يحصل الإسلاميون على أغلبية البرلمان. وأسند الحكم إلى "المجلس الأعلى للدولة" الذي أنشأه وعين في رئاسته محمد بوضياف يوم 16 من الشهر نفسه.

دعت الجبهة -حرصا منها على عدم إضاعة انتصارهاـ مناضليها إلى التزام الهدوء وتفادي الوقوع في "استفزازات النظام والتحلي بالحكمة والصبر"، شاكرة إياهم على "الثقة الكبيرة" فيها التي عبرت عنها نتائج الشوط الأول من الانتخابات.

التقى في 17 يناير/كانون الثاني 1992 رؤساء الأحزاب الثلاثة الفائزة في الشوط الأول (حسين آيت أحمد رئيس جبهة القوى الاشتراكية، وعبد الحميد مهري الأمين العام لجبهة التحرير الوطني، وعبد القادر حشاني رئيس المكتب التنفيذي لجبهة الإنقاذ)، وقرروا دعوة الجزائريين إلى حفظ النظام العام والامتناع عن اللجوء للعنف.

اجتمع النواب المنتخبون للجبهة يوم 19 يناير/كانون الثاني وحرروا رسائل إلى السلطات الحاكمة يطالبونها فيها بـ"احترام الإرادة الشعبية ونبذ العنف". كما طالبت الجبهة أفراد الجيش بعدم استعمال القوة ضد أنصارها.

وفي 22 يناير/كانون الثاني اختطِف حشاني ثم اعتقلت قيادات أخرى في الجبهة من بينها رابح كبير، وفي مارس/آذار حُظرت الجبهة بقرار من المحكمة الإدارية بالجزائر العاصمة، وحُلت كل المجالس المحلية (البلديات) التابعة لها، وزُجّ بقادتها عباسي مدني وعلي بلحاج وعبد القادر حشاني في السجون، بحجة أن الإسلاميين الذين كانوا على وشك الوصول إلى السلطة "لا يؤمنون بالديمقراطية وتداول السلطة".

أعلن النظام الحاكم حالة الطوارئ في البلاد يوم 9 فبراير/شباط 1992، وأودع الآلاف من أنصار الجبهة في معتقلات أقيمت بالصحراء الجزائرية، ثم بدأت حملة مطاردة واسعة لمن بقي من كوادرها خارج الاعتقال.

انقسم منتسبو الجبهة الإسلامية بشأن الرد المناسب على هذه التطورات، وكان من نتائج ذلك بروز جماعات إسلامية انتهجت المسار العسكري وانغمست أحيانا في عمليات قتل وتدمير مروعة، بما في ذلك "الجيش الإسلامي للإنقاذ" المحسوب على الجبهة والذي تأسس 1993، ثم أعلن في 1 أكتوبر/تشرين الأول 1997 وقف إطلاق النار إثر اتصالات أجرتها معه قيادة الجيش، ثم حله رئيسه مدني مزراق في 11 يونيو/حزيران 1999.

وفي المقابل برز ما يسمى "التيار الفرانكفوني الاستئصالي" داخل المؤسسة العسكرية، وهو تيار متشدد ظل يدفع باتجاه المواجهة العسكرية ويرفض كل محاولات الحوار مع الإسلاميين الذين لا يرى حلا إلا باستئصالهم وإقصائهم من المشهد السياسي.

وقد طغت مواقف هذا التيار الاستئصالي على بقية أطراف السلطة التي كانت ترى ضرورة إنهاء الأزمة بالحوار مع قيادات الجبهة، وهو حوار بدأ فعلا معهم داخل السجن عام 1994 لكنه فشل بسبب ما يسميه زعيم الجبهة "انعدام الثقة بين الطرفين"، كما فشل "عقد روما" للمصالحة الوطنية الموقع في 1995.

ويرى مراقبون أن الجبهة وقعت في فخ استعمال خطاب "الكل أو لا شيء" فخوفوا بعض شرائح الشعب الجزائري وقوى نافذة في محيطهم الجغرافي والإقليمي، وبالذات الدول الغربية التي لها في البلاد تأثير كبير إعلاميا وسياسيا وعسكريا ودبلوماسيا. بل وأخطأت في تعاملها مع القوى الإسلامية الأخرى التي تشاركها الساحة السياسية، مثل حزب حركة النهضة وحركة المجتمع الإسلامي (كل من الحزبين غير اسمه لاحقا).

وفي المقابل تقول قيادة الجبهة إنه إثر الشوط الأول من الانتخابات التشريعية حصل أصحاب السلطة آنذاك -وفي مقدمتهم القيادة العسكرية- على ضوء أخضر من الدول الفاعلة في المجتمع الدولي مثل فرنسا أو الولايات المتحدة الأميركية، للقيام بـ"الانقلاب على خيار الشعب"، مما أدخل البلاد في أبشع حروبها بعد الاستقلال.

وتطالب الجبهة بـ"تحقيق مستقل" في كل تلك الجرائم، قائلة إنها حزب سياسي غير مسلح وليس لها أي جناح عسكري تابع لها. فقد أعلن رئيس مكتبها التنفيذي حشاني عند خروجه من السجن "أن من يعتبرون أي جهة ما جناحا عسكريا للجبهة الإسلامية للإنقاذ هم الذين يتحملون مسؤولية ذلك".

وفي 15 يوليو/تموز 1997 أطلقت السلطات الجزائرية سراح زعيم الجبهة عباسي مدني والرجل الثالث فيها عبد القادر حشاني (اغتيل لاحقا في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1999). وفي فاتح سبتمبر/أيلول الموالي وُضع عباسي مدني قيد الإقامة الجبرية حتى أفرج عنه هو ونائبه علي بلحاج -الذي ظل محتجزا في السجن العسكري بمدينة البليدة جنوب العاصمة- يوم 2 يوليو/تموز 2003.

وفي 23 أغسطس/آب 2003 سُمح لعباسي مدني بمغادرة البلاد لتلقي العلاج في ماليزيا ثم قطر. ومن الدوحة أعلن في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2003 "المبادرة الشعبية الوطنية لحل الأزمة بالجزائر" لإنهاء العنف والخروج بالبلاد من أزمتها السياسية والاجتماعية. مؤكدا أنها مبادرة جماعية تجمع الشعب الجزائري وكل من له استعداد للمشاركة فيها.

ورغم خروج قادة الجبهة من السجون -بموجب قانون الوئام المدني الذي أصدره الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في 13 يوليو/تموز 1999- فإنها ما زالت ممنوعة من العمل السياسي في البلاد، وأكدت السلطات مرارا أنها لن تتراجع عن قرار حلها الصادر في مارس/آذار 1992.

لكن الجبهة ترى أن حلها "خطوة غير دستورية" وأعلنت رفضها "للعنف العشوائي" مع تمسكها بـ"المبدأ الجهادي في حالة الدفاع عن النفس فقط". وتؤكد أن من المؤشرات الأساسية لرغبة السلطة الفعلية في الوصول إلى حل سلمي لأزمات البلاد إعطاء الجبهة حقها في الممارسة السياسية وأن تختار من تريد في قيادتها.

وهكذا تحولت القضية في الجزائر من "حق ديمقراطي مسلوب" إلى دوامة من العنف أودت بحياة ربع مليون جزائري، إذ بلغ  أحيانا معدل أعداد القتلى 500 شخص أسبوعيا، ولا يزال هناك عشرات الآلاف من المفقودين والمصابين. كما خسر الدينار الجزائري 40% من قيمته أثناء سنوات هذه الأزمة التي تُعرف محليا بـ"العشرية الحمراء".

المصدر : الجزيرة