كيف تؤثر زيارة أردوغان إلى بغداد على العلاقات الاقتصادية بين العراق وتركيا؟

President Recep Tayyip Erdoğan (R) shakes hands with Iraqi Prime Minister Mohammed S. Al Sudani during a meeting in the capital Ankara, Türkiye, March 22, 2023. (DHA Photo)
رجب طيب أردوغان (يمين) خلال لقاء سابق جمعه برئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (الأناضول)

إسطنبول – يزور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العراق اليوم الاثنين لأول مرة منذ 13 عاما، بعد أن كانت آخر زيارة له حين كان رئيسا للوزراء في مارس/آذار 2011، وذلك في وقت تمر فيه المنطقة بتوترات شديدة، إذ تشكل الصراعات المتصاعدة والتحديات الجغرافية السياسية في الشرق الأوسط تهديدات خطيرة لكلا البلدين، مما يمثل دافعا لضرورة العمل المشترك بشكل أكثر فاعلية من ذي قبل.

تأتي الزيارة في ظل تقارب إستراتيجي واسع النطاق بين تركيا و العراق بعد سلسلة من الاجتماعات الأمنية رفيعة المستوى، التي جرت بمشاركة وزراء الخارجية والدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات ومسؤولين آخرين من تركيا والعراق، في 13 مارس/آذار الماضي في بغداد.

وتتصدر القضايا الاقتصادية، كزيادة حجم التجارة الثنائية وإدارة أزمة المياه في العراق والمساهمات المحتملة لتركيا بهذا الشأن، بجانب المطالب العراقية بشأن نقل الغاز الطبيعي والنفط عبر تركيا، جدول أعمال زيارة الرئيس التركي.

وقال وزير التجارة التركي، عمر بولات، إن حصة العراق من الصادرات التركية خلال السنوات العشر الماضية، بلغت أكثر من 5% من إجمالي صادرات تركيا، في حين بلغ حجم التجارة بين البلدين 24.2 مليار دولار في 2022، و19.9 مليار دولار العام الماضي.

وانخفضت الصادرات التركية إلى العراق بنسبة 7.2% مقارنة بالعام السابق لتصل إلى 12.8 مليار دولار، وفي الفترة نفسها انخفضت الواردات من العراق بنسبة 31.1% لتصل إلى ما يقارب 7.2 مليارات دولار خلال الفترة المشار إليها.

وأشار الوزير إلى أن حجم الصادرات التركية إلى العراق مرشح للوصول إلى 15 مليار دولار على المدى القريب، و20 مليار دولار في عام 2030، مع استكمال مشروع طريق التنمية.

ومن المتوقع أن تشهد الزيارة الإعلان المشترك بشأن إنشاء اللجنة الاقتصادية والتجارية المشتركة، والتوقيع على بروتوكول إنشاء آلية التشاور والتعاون في مجالات سلامة المنتجات والحواجز الفنية أمام التجارة الثنائية، ومذكرة تفاهم بين مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي واتحاد غرف التجارة العراقية.

مشكلة المياه

تشكل السدود التركية على نهر الفرات، منها سد "إليسو" وسد "أتاتورك" وسد "كيسلي كايا"، محورا رئيسيا في الأزمة المائية التي يواجهها العراق، إذ تسهم في خفض تدفق المياه نحو العراق الذي يلقي باللوم على إيران وتركيا اللتين تواجهان بالأصل تحديات في إدارة مواردها المائية في عدة مناطق، بدعوى عدم التزامهما بالاتفاقيات الدولية الخاصة بحصص مياه الأنهار.

وتشير التقديرات إلى انخفاض حاد في حصة العراق من المياه، من حوالي 73 مليار متر مكعب في عام 2003 إلى 50 مليار متر مكعب في عام 2020، بسبب ملء السدود التركية.

وفي سعي لمعالجة هذه الأزمة، تجري الدول المعنية مفاوضات ومحادثات تمخضت عن توقيع "اتفاقية إطار لنهر الفرات" في عام 2014، والتي تستهدف تعزيز التعاون المائي بين تركيا والعراق وسوريا في مجال إدارة المياه وتوزيعها بشكل يضمن حقوق جميع الأطراف بطريقة عادلة.

وبحسب مراقبين، من المنتظر الإعلان عن اتفاقيات من شأنها زيادة تدفق المياه إلى العراق خلال الزيارة، لا سيما أن وفودا رسمية عراقية زارت تركيا مؤخرا وأجرت مباحثات حثيثة بهذا الشأن مع الجانب التركي في أنقرة.

الطاقة

وفي مارس/آذار 2023، توقف خط الأنابيب الذي يربط بين العراق وتركيا، والذي يمثل حوالي 0.5% من إجمالي إمدادات النفط العالمية، بعد أن قضت غرفة التجارة الدولية، بأن تركيا انتهكت بنود اتفاقية 1973 من خلال تسهيل صادرات النفط من إقليم كردستان العراق من دون موافقة الحكومة الاتحادية العراقية في بغداد.

وتسبب فقدان 450 ألف برميل يوميا خسارة تقدر بما يتراوح بين 11 و12 مليار دولار، مما يشكل ضغطا كبيرا على الحكومة العراقية لتمويل ميزانيتها لعام 2023 البالغة 150 مليار دولار ولمواجهة العجز المتوقع الذي يصل إلى 48 مليار دولار.

كما ألزمت المحكمة الجنائية الدولية تركيا بدفع تعويضات تبلغ 1.5 مليار دولار للعراق، بسبب الصادرات غير المصرح بها من قبل حكومة إقليم كردستان في الفترة بين عامي 2014 و2018.

وفي سياق متصل، يسعى العراق حاليا لإعادة تشغيل خط أنابيب كركوك-جيهان التركي، الذي توقف عن العمل منذ استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية على أجزاء واسعة من العراق في عام 2014، والذي من شأنه أن يتيح ضخ 350 ألف برميل يوميا من النفط إلى تركيا بحلول نهاية أبريل/نيسان الجاري.

طريق التنمية

يعتبر مشروع "طريق التنمية" طريقا بريا وسكة حديدية تمتد من العراق إلى تركيا وموانئها، ويبلغ طول الطريق وسكة الحديد 1200 كيلومتر داخل العراق، بهدف نقل البضائع بين أوروبا ودول الخليج، في حين بلغت الميزانية الاستثمارية للمشروع نحو 17 مليار دولار، على أن يتم إنجازه على 3 مراحل، تنتهي الأولى عام 2028 والثانية في 2033 والثالثة في 2050.

وقال وزير النقل والبنية التحتية التركي، عبد القادر أورال أوغلو، الأسبوع الماضي "تم التوصل من خلال جولات من المباحثات الوزارية والفنية على مدى الأشهر الماضية إلى قرار تركي عراقي بإنشاء آلية مشتركة شبيهة بالمجلس الوزاري، لمتابعة المشروع"، معربا عن تطلعاته بأن تنضم الإمارات وقطر إلى هذه المبادرة.

وأشار رئيس جمعية الناقلين الدوليين في تركيا، شرف الدين أراس، إلى أن زيارة الرئيس أردوغان إلى العراق فرصة مهمة لفتح وإعلان ممر عبور بديل وآمن وسريع للعالم.

وأكد أراس أهمية إطلاق مشروع طريق التنمية، مشيرا إلى أن هذا الخط له أهمية بالغة لتطوير تجارة تركيا مع العراق ودول الخليج، وإلى أن أكثر من 200 ألف رحلة برية تتم سنويا إلى هذه الدول عبر العراق.

وفي حديثه لـ"الجزيرة نت"، وصف حقي إيرول جون، الباحث الاقتصادي في جامعة حجي بيرم، زيارة الرئيس التركي للعراق بالفرصة الاستثنائية لتحقيق المصالح المشتركة.

وأشار إلى أن العراق، الذي يعاني من تحديات الجفاف، يسعى للحصول على تسهيلات من تركيا لزيادة كميات المياه المتدفقة، في حين تحاول تركيا بلورة اتفاق يسمح بتبادل المياه مقابل النفط.

كما أكد جون أهمية مشروع طريق التنمية الذي أنشأت تركيا إطاره وقدمته، موضحا أنه يمثل عنصرا حيويا للتعاون الثنائي بين البلدين في ظل التوترات الراهنة بين روسيا وأوكرانيا، وإسرائيل وإيران، والتي تهدد بتقويض الاستقرار اللوجيستي العالمي.

وأضاف "من الواضح أن هذا المشروع لا يهدف إلى إنشاء جسر من الشرق الأوسط إلى أوروبا فحسب، بل إلى تعزيز ارتباط تركيا بدول الخليج، وعلى رأسهم السعودية والإمارات اللتان لم يمض كثيرا على فتح أنقرة صفحات جديدة معهم".

المصدر : الجزيرة