بعد توقيع العراق عقدا بـ27 مليار دولار مع توتال إنيرجيز.. الحكومة تكشف عن العوائد وخبراء يشككون

Iraqi Deputy Prime Minister for Energy Affairs and Minister of Oil, Hayan Abdul Ghani Al-Swad and Patrick Pouyanne, Chairman and CEO of TotalEnergies, attend a signing ceremony of the Gas Growth Integrated Project (GGIP) in Baghdad, Iraq, July 10, 2023. REUTERS/Thaier Al-Sudani
بلغت قيمة عقود العراق مع شركة توتال إنيرجيز الفرنسية 27 مليار دولار (رويترز)

بغداد– وقعت وزارة النفط العراقية، الإثنين الماضي، عقودا مع شركة "توتال إنيرجيز" (TotalEnergies) الفرنسية لمشاريع تطوير ونمو النفط والغاز المتكامل بقيمة تبلغ 27 مليار دولار، في واحد من أضخم عقود الطاقة في العراق على الإطلاق.

ويأتي توقيع الاتفاق لـ4 عقود مع الشركة الفرنسية بعد تأجيله منذ عام 2021 بسبب خلافات سياسية، في حين أكدت وزارة النفط أن العقود تهدف لزيادة إنتاج الطاقة وتعزيز قدرة البلاد على إنتاج الكهرباء من خلال تنفيذ مشاريع للنفط والغاز والطاقة المتجددة.

وستبلغ حصة توتال 45% من قيمة المشروع، في حين استحوذت شركة قطر للطاقة على حصة 25%، في الوقت الذي ستكون فيه الحصة المتبقية 30% من نصيب العراق.

ومع توقيع العراق لهذه العقود، تبرز العديد من التساؤلات عن الجدوى الاقتصادية التي ستجنيها البلاد وعن قيمة الاستثمارات في هذه العقود، وعما إذا كانت منطقية أم مبالغا فيها.

 

التفاصيل والعائدات

وقال وزير النفط العراقي حيان عبد الغني -في كلمة له خلال احتفالية التوقيع- إن العراق وقع مع "توتال" الفرنسية 4 عقود، الأول يعنى باستخدام مياه البحر لأغراض الدعم في استخراج النفط، مبينا أنه من المشاريع ذات الجدوى الاقتصادية الكبيرة.

وفي حديثه الذي نقلته وكالة الأنباء العراقية (واع)، أضاف عبد الغني أن المشروع الثاني يعنى باستثمار الغاز المصاحب بطاقة 600 مليون قدم مكعب قياسي في اليوم وعلى مرحلتين، لكل مرحلة 300 مليون قدم مكعب قياسي، في حين يعنى المشروع الثالث بتطوير حقل أرطاوي النفطي وزيادة الإنتاج من هذا الحقل إلى أكثر من 210 آلاف برميل في اليوم.

واختتم الوزير العراقي حديثه بالإشارة إلى أن المشروع الرابع سيمثل إضافة حيوية لقطاع الطاقة المتجددة في العراق، عبر استثمار الطاقة الشمسية بطاقة 1000 ميغاوات تضاف لشبكة الطاقة الكهربائية الوطنية.

من جهته، يؤكد المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي مظهر محمد صالح، أن مدة الامتياز لهذه العقود تصل إلى 30 عاما، في الوقت الذي ستوفر فيه هذه العقود أكثر من 5 آلاف فرصة عمل، مبينا -في حديثه للجزيرة نت- أن العقود الأربعة ستدر دخلا للعراق يقدر بنحو 90 مليار دولار تقريبا، لافتا إلى أنه قد تم احتساب متوسط سعر برميل النفط بـ50 دولارا خلال مدة العقد، وفق قوله.

وعلى الصعيد ذاته، أضاف الخبير وأستاذ الاقتصاد في جامعة المعقل بالبصرة نبيل المرسومي أن من عوائد العقود أنها ستسهم في إنتاج كمية مكثفات تقدر بـ12 ألف برميل يوميا، مع إنتاج كمية من الغاز المسال (LPG) تقدر بـ3 آلاف طن يومياً ستوجه للسوق المحلية.

وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح المرسومي أن المشروع الثالث في العقود يتضمن استخدام ماء البحر بطاقة 5 ملايين برميل يوميا، مبينا أن ذلك يعد ضروريا لتطوير الطاقة الإنتاجية في الحقول الجنوبية التي تعتمد على أسلوب الحقن بالماء، وأن استخدام مياه البحر سيكون بديلا عن استخدام مياه نهر دجلة العذبة.

 

 

مغالاة في السعر

ورغم العوائد التي سيجنيها العراق من هذه العقود، فإن المرسومي يرى أن الحكومة بالغت فيها، لافتا إلى أن هناك مبالغة في تقدير الكلفة التي تضمنتها العقود، لا سيما أن قيمة العقد تبلغ 27 مليار دولار، وأن الكلفة الحقيقية لجميع العقود قد لا تتجاوز ثلث هذا المبلغ، وفق تعبيره.

ويتابع المرسومي أن مشروع توليد الطاقة الشمسية بقدرة ألف ميغاوات وبكلفة 3 مليارات دولار يكشف عن وجود "مغالاة" في قيمة المشروع، لا سيما أن دولة قطر كانت قد افتتحت في عام 2022 أول محطة للطاقة الشمسية بقدرة 800 ميغاوات وبكلفة 467 مليون دولار فقط، وفق قوله.

وعن حقل أرطاوي النفطي، بين الخبير الاقتصادي أن الحقل ينتج حاليا 85 ألف برميل، وأن العقد تضمن تطويره لإنتاج 210 آلاف برميل، وأن هذه الزيادة ليست بتلك التي يمكن أن ينفق العراق عليها هذا الكم من الأموال، لا سيما أن تسديد العراق لحصته من العقد (30%) سيكون عبر إيرادات هذا الحقل، مع الأخذ بالاعتبار أن العراق كان رافضا لهذه النسبة قبل عامين.

 

 

وعن إمكانية تصدير العراق للنفط المنتج من حقل أرطاوي، جنوب البلاد، مع خضوع العراق لمحددات التصدير من منظمتي "أوبك" و"أوبك بلس"، أوضح أن زيادة الإنتاج من هذا الحقل ستعني تخفيض الإنتاج النفطي من الحقول الوطنية، بما سيؤثر على واردات العراق المالية.

ويذهب في هذا المنحى خبير النفط والطاقة حمزة الجواهري الذي يضيف -في حديثه للجزيرة نت- أن العقود الأربعة التي وقعها العراق لا تضم تكنولوجيا متطورة، وبالتالي، كان يمكن للعراق تنفيذ غالبية هذه المشاريع من خلال الجهد الوطني.

ويتابع الجواهري -المستشار الأسبق في رئاسة الوزراء وعضو مركز النهرين للدراسات الإستراتيجية التابع لمستشارية الأمن القومي العراقي- أن حقل أرطاوي النفطي تم تطوير إنتاجه ليبلغ 85 ألف برميل من خلال الكوادر العراقية ودون تخصيصات مالية، حيث اعتمدت وزارة النفط على المناقلات المالية الداخلية لأجل ذلك، بما يعني أن وزارة النفط كان يمكن لها تطوير حقل أرطاوي النفطي محليا، لا سيما أن حصة وزارة النفط في الموازنة تقدر بـ13 مليار دولار حاليا.

كما أشار إلى المبالغة في تكلفة استخدام مياه البحر في الإنتاج النفطي، مبينا أن طول خطوط الأنابيب لا يتجاوز 300 كيلومترا، إضافة إلى أن معالجة شركة توتال لـ600 مليون قدم مكعب قياسي من الغاز يعد ضئيلا جدا ولا يتناسب مع حاجة العراق، خاصة أن المشروع مقسم على مرحلتين بواقع 300 مليون قدم مكعب قياسي لكل مرحلة، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن حاجة البلاد الفعلية تقدر بـ4 آلاف مليون متر مكعب يوميا، وفق قوله.

Iraqi Deputy Prime Minister for Energy Affairs and Minister of Oil, Hayan Abdul Ghani Al-Swad and Patrick Pouyanne, Chairman and CEO of TotalEnergies, attend a signing ceremony of the Gas Growth Integrated Project (GGIP) in Baghdad, Iraq, July 10, 2023. REUTERS/Thaier Al-Sudani
خبراء عراقيون يرون أن هناك مبالغة في قيمة العقد الموقع مع شركة توتال (رويترز)

ضغط سياسي

ووفقا لما تقدم، يرى نبيل المرسومي أن العراق وقع على هذه العقود نتيجة الابتزاز السياسي من قبل الدول الغربية، منوها إلى أن العقد يعد دعما واضحا لفرنسا، وهو ما يذهب إليه الخبير النفطي حمزة الجواهري الذي أكد أن تأخير توقيع العقود لعامين كان نتيجة لرفض كتل سياسية لقيمة العقد، مع التأكيد أن العراق خضع في نهاية المطاف للضغوط السياسية، وفق تعبيره.

وعن الرد الحكومي، امتنعت جميع الجهات الحكومية سواء في وزارة النفط أو المتحدث باسم الحكومة العراقية عن الرد والتعليق على هذه الحيثيات، رغم المحاولات المتكررة من مراسل الجزيرة نت في الاتصال ومراسلة الجهات الحكومية.

المصدر : الجزيرة