شيمشك على رأس الاقتصاد التركي مجددا.. هل يفلح "صديق الأسواق" باستعادة ثقتها؟

إسطنبول- مع إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أسماء وزرائه الجدد يوم السبت الماضي تبدد جانب من حالة عدم اليقين بشأن التوجه الاقتصادي الجديد للحكومة التركية، وبات الاقتصادي البارز محمد شيمشك مع رؤيته الاقتصادية التي توصف بـ"الليبرالية" وزيرا للمالية والخزانة في بلد يشهد تضخما وعجزا تجاريا متواصلا وعملة وطنية تحتاج إجراءات مستعجلة لإعادة بناء ثقة المستثمرين بها.

وشغل شيمشك منصب وزير المالية بين عامي 2009 و2015، إلى جانب عدد من المناصب التنفيذية الأخرى التي جعلت العديد من خيوط الاقتصاد تلتقي عنده.

وشهدت الفترة التي ساهم خلالها في إدارة الاقتصاد التركي ازدهارا ملحوظا، وشغل منصب نائب رئيس الحكومة لشؤون الاقتصاد منذ 2015 حتى 2018 حين انتهى دوره مع إعلان أردوغان أول حكومة في العهد الرئاسي.

وفي الفترة التي غاب فيها شيمشك عن الحكومة تولى صهر الرئيس التركي براءت ألبيرق وزارة المالية، قبل أن تؤول هذه الوزارة إلى نور الدين نباتي الذي أبدى انسجاما أكبر مع رؤية أردوغان الاقتصادية غير التقليدية القائمة على خفض الفائدة لتعزيز النمو وخفض التضخم نتيجة لذلك، وهو ما يناقض الرؤية التقليدية التي يتمسك بها شيمشك، وفق مراقبين.

اتفاق وشروط

واستدعى أردوغان شيمشك قبل أيام للتشاور بشأن طريقة إدارة الاقتصاد، وبحسب ما نقل الصحفي التركي عبد القادر سيلفي المقرب من الرئيس، فإن شيمشك وافق على استلام الملف الاقتصادي في الحكومة الجديدة بعد أن حصل على ضمانات بعدم تدخل أي مؤسسة في قراراته بخصوص الفائدة والبنك المركزي.

كما نقل الصحفي التركي راغب صويلو عن مصادره في الحكومة أن شيمشك تفاوض مع أردوغان على اتفاق اقترح فيه رفع أسعار الفائدة تدريجيا في ظرف 18 شهرا.

ومع تواتر الأنباء عن تأكيد تعيين شيمشك في التشكيلة الوزارية الجديدة قبل الإعلان عنها رسميا تلقت أسواق المال النبأ بتفاؤل حذر، ففي تقرير لها قبل الإعلان الرسمي بيوم قالت وكالة بلومبيرغ إن تعيين شيمشك وزيرا للمالية في الحكومة التركية يعني إعادة "مدافع عن الاقتصاد التقليدي لتعزيز ثقة السوق".

أما صحيفة فايننشال تايمز فقالت إن تعيين الاقتصادي البارز يأتي بمثابة إشارة إلى أن أردوغان قد يكون على استعداد لتغيير المسار في سياسته الاقتصادية غير التقليدية التي يلقي الكثيرون باللوم عليها في التسبب بأزمة حادة في تكلفة المعيشة وإرسال الليرة إلى مستويات قياسية.

من جهته، وصف موقع "ميدل إيست آي" (Middle East Eye) البريطاني محمد شيمشك بـ"قيصر المنهج التقليدي في الاقتصاد"، واعتبر أن عودته إلى فريق أردوغان رفيع المستوى ستساعد في تعويض سنوات من الاضطرابات المالية في تركيا.

من هو شيمشك؟

شيمشك سياسي واقتصادي تركي من أصل كردي، ينحدر من محافظة بطمان شرقي البلاد، حصل على بكالوريوس في الاقتصاد من جامعة أنقرة عام 1988، ثم أكمل دراساته العليا في جامعة إكستر بالمملكة المتحدة وحصل فيها على درجة الماجستير في المالية والاقتصاد.

وبعد عام 1993 عمل اقتصاديا كبيرا في السفارة الأميركية في قسم متخصص بتقديم تحليلات عن الاقتصاد التركي مدة 4 أعوام، وفي عام 1997 انتقل إلى نيويورك، حيث عمل في وحدة تحليل أسهم بنك "يونيون" السويسري، وبعد وقت قصير في بداية عام 1998 عاد إلى إسطنبول وبدأ العمل في قسم الأوراق المالية في "دويتشه بنك" (Deutsche Bank).

أصبح لاحقا محللا ماليا متخصصا بمنطقة البحر المتوسط ثم وسط أوروبا وروسيا في بنك "ميريل لينش" (Merrill Lynch)، ووفر له هذا الدور صلات مع رؤساء وزراء ورؤساء في الدول المعنية في تلك المنطقة، وعين بعد ذلك رئيسا لقسم البحوث الاقتصادية والإستراتيجية لمنطقة أوروبا النامية والشرق الأوسط وأفريقيا في المؤسسة نفسها في نهاية عام 2005.

عمل شيمشك منذ عام 2007 في حكومات العدالة والتنمية، وبدأ بمنصب وزير دولة لشؤون الاقتصاد، وفي عام 2009 شغل منصب وزير المالية في حكومات رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان.

وفي عام 2015 حافظ على منصبه في حكومة أحمد داود أوغلو، ثم عمل نائبا له لشؤون الاقتصاد، وحافظ على المنصب نفسه في حكومة رئيس الوزراء بن علي يلدرم حتى عام 2018.

ما هي إنجازات شيمشك؟

دخل محمد شيمشك قائمة "فورين بوليسي" (Foreign Policy) لأكثر 500 شخصية مؤثرة بالعالم في عام 2013، كما حصل على لقب أفضل "وزير مالية في أوروبا الناشئة لعام 2013" من قبل مجلة الأسواق الناشئة.

ولفت دنيز استقبال الباحث الاقتصادي في مركز سيتا بأنقرة إلى أن شيمشك يعد شخصية بارزة في البيئة المالية الدولية، كما يتمتع بمصداقية عالية، وخلال الفترة من عام 2009 إلى 2018 حقق العديد من النجاحات عندما كان على رأس الاقتصاد التركي، حيث اتبع سياسة مركزية مستندة إلى استقرار الأسعار ساهمت في تحويل الاقتصاد التركي إلى وضع أكثر إنتاجية.

وأضاف استقبال -في حديث مع الجزيرة نت- أن شيمشك تمكن خلال فترة عمله في الحكومة التركية مدة 10 سنوات من التغلب على العديد من الأزمات بنجاح بناء على تجربته، في فترة هزت العالم عدة أزمات مالية واقتصادية.

وأوضح أن وزير المالية الجديد هو شخص مدرك للمشاكل الراهنة في الاقتصاد التركي، معتبرا أن وجود شيمشك على رأس الاقتصاد المحلي يعد "خطوة صحيحة ومناسبة".

استدارة حقيقية

ويعتبر الأكاديمي والباحث الاقتصادي مخلص الناظر أن عودة شيمشك كاقتصادي ليبرالي قد تكون مطمئنة للمستثمرين، لكن وجوده لا يضمن عودة الاستثمارات، إذ لا بد له من اتخاذ "إجراءات دراماتيكية" على وجه السرعة، وفق وصف الناظر الذي أكد أن رأس المال الأجنبي لا يتحرك ما لم يلمس جدية في التحول بالسياسات الاقتصادية.

وبينما تنتظر الأسواق التحول في السياسات المالية والاقتصادية فإن السؤال -بحسب الأكاديمي الاقتصادي- يبقى بشأن ما إذا كانت النقلة المرتقبة ستتم بالسرعة المطلوبة أم أنها ستتم بالتدرج، ولا سيما أن الانتخابات المحلية على بعد أشهر من الآن، في حين أن الإجراءات التي من المتوقع أن يتخذها شيمشك لن تكون شعبية، مما قد يؤثر على مزاج الناخبين.

ماذا ينتظر الاقتصاد التركي؟

يتوقع مخلص الناظر أن يكون هناك تشديد ضريبي وزيادة للضرائب على الواردات بهدف سد العجز التجاري، بالتوازي مع تقشف حكومي بهدف خفض الطلب على السلع وتقليص الإنفاق الاستهلاكي.

ومن الإجراءات التي سيعمل عليها شيمشك تشديد شروط الائتمان، مما يعني جعل الحصول على القروض أكثر صعوبة، وذلك بهدف مواجهة فقاعة العقارات والسيارات التي واصلت أسعارها الارتفاع بمعدلات عالية رغم التراجع النسبي في المعدل العام للتضخم.

ويقول المحلل الاقتصادي إن من التحديات الأبرز أمام شيمشك هو إعادة بناء الاحتياطي النقدي لدى المصرف المركزي، مشيرا إلى أنه مع الدور الإيجابي الذي ستلعبه التدفقات المالية المتوقعة من دول الخليج فإن الوقت الذي تحتاجه ليتم تدويرها في عجلة الاقتصاد بالإضافة إلى حجمها المحدود نسبيا مقارنة بحجم الائتمان الداخلي قد يقللان من تأثيرها.

المصدر : الجزيرة