لماذا لم تنجح الحكومة المصرية في ضبط الأسواق وماذا عن أجهزة حماية المستهلك؟

صورة2 مقاطعة السلع التي تزيد أسعارها أحد نصائح الإعلاميين- سوق خضروات وفاطهة في مصر- تصوير المراسل
مراقبون يدعون لضرورة إحداث تغيير مدروس في أجهزة الرقابة الحكومية المتصلة بالأسواق (الجزيرة)

القاهرة- بالتزامن مع تكرار الأحاديث الرسمية حول عدم قدرة الحكومة المصرية عن ضبط كافة الأسواق والأسعار، ودعوة المواطنين لمقاطعة السلع مرتفعة الثمن، تعج وسائل الإعلام المصري بمتابعات عن قيام أجهزة حماية المستهلك الحكومية بحملات رقابية ناجحة، فيما لايزال الواقع بعيدا عن تلك البيانات، وفق مراقبين.

وكشفت جمعية "مواطنون ضد الغلاء لحماية المستهلك بمصر"، الاثنين، في مذكرة عاجلة لجهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الإحتكارية، عن وجود معلومات موثقة لديها حول احتكار ورفع أسعار في سوق اللحوم والدواجن، تتطلب المواجهة السريعة لوقفها.

وأكد مراقبون، في تصريحات للجزيرة نت، ضرورة إحداث تغيير مدروس في أجهزة الرقابة الحكومية المتصلة بالأسواق، بما يسهم في دعم قيم الحوكمة، ومواجهة أي تغول لجماعات المصالح في أجهزة الدولة، بالتزامن مع إشراك المجتمع المدني في إدارة تلك الأجهزة وإعادة الاعتبار للمجتمع المدني والسماح بأنشطة النقابات للمساهمة في مواجهة أزمات المجتمع بمشاركة كل مؤسسات الدولة وخاصة الإعلامية والدينية.

وأعطى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي توجيهاته قبل أيام بتكثيف الجهود لتحقيق ضبط الأسواق وأسعار السلع، لكنه أكد في الوقت ذاته صعوبة السيطرة الحكومية على الأسعار في كافة الأسواق.

ونصح السيسي المصريين بمقاطعة التجار المغالين في الأسعار، فيما طلب من وزير الداخلية محمود توفيق التقليل من نشر بيانات ضبط السلع باعتبارها "تشوه وش (وجه) مصر" بحسب تعبيره.

واتهم مجلس النواب، وزير التموين على المصيلحي، الشهر الماضي بالفشل في ضبط الأسواق والأسعار، ورد الوزير بطلب مهلة شهرين تنتهي في مارس/آذار المقبل، لإحداث تغيير، مؤكدا وجود ضعف في الرقابة على الأسواق، بسبب وجود نقص في عدد المعينين، ولعدم تعيين مراقبين جدد منذ عام 1995.

أجهزة رقابية متعددة

وتتصدى الحكومة المصرية لضبط الأسعار عبر العديد من الأجهزة الرقابية أبرزها:

  • جهاز حماية المنافسة: يتبع رئيس مجلس الوزراء، ويهدف لتطبيق قانون حماية المنافسة ومراقبة الأسواق، ومن حقه التنسيق مع أجهزة رقابية أخرى بالسوق المصري، مثل الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، وجهاز تنظيم مرفق الكهرباء، والهيئة المصرية للرقابة على التأمين.
  • جهاز حماية المستهلك:  يتبع وزارة التموين والتجارة الداخلية، ويهدف إلى حماية المستهلك وصون مصالحه، والتعاون مع الأجهزة الرقابية فى ضبط الأسواق، والتصدي لأي مخالفة لأحكام القانون، ويمتلك أعضاؤه حق الضبطية القضائية.
  • جهاز مكافحة الدعم والإغراق والوقاية: يتبع وزارة التجارة والصناعة، ويهدف للحفاظ على الأسواق من الإغراق والممارسات التجارية غير العادلة من خلال التأكد من أن قيمة السلع المُصدَّرة إلى مصر توازي قيمتها العادية في بلد التصدير.
  • الإدارة العامة لشرطة التموين والتجارة: تتبع وزارة الداخلية، وتنفذ العديد من الحملات التموينية المكبرة لضبط الجرائم التموينية، تسفر بشكل شبه يومي عن ضبط الآلاف من القضايا المتصلة بالأمن الغذائي والأسعار.
اسعار اللحوم في السوق المصري لا تتوقف بشكل يوميا .. الصورة خاصة من تصوير المراسل
أسعار اللحوم في السوق المصري لا تتوقف عن الارتفاع بشكل يومي (الجزيرة)

نظم حوكمة

من جانبه، يرى استشاري نظم الحوكمة والتطوير المؤسسي الدكتور سمير عبد العزيز الوسيمي، في حديث للجزيرة نت، أن الإشكالية تكمن في حاجة تلك الأجهزة إلى تطوير الأداء الوظيفي في مواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية وأمثالها في ضوء نظم حوكمة تقوم على حق المواطن، ومجابهة الفساد الوظيفي والترهل الإداري اللذين يعرقلان تنفيذ القانون تجاه فئة تقوم بممارسات غير قانونية عبر المغالاة أو الاحتكار.

ويضيف الوسيمي أن فشل الأجهزة الرقابية في القيام بدورها يضع علامة استفهام حول مسؤولية الدولة في ترك قاعدة العرض والطلب تحت رحمة فئة قوية في مقابل فئة أخرى أضعف، دون تدخل ناجح بحكم مسؤوليتها بغرض فرض التوازن وتحقيق مفاهيم حوكمة عادلة مثل التضامن والتعاون.

ويقترح الوسيمي الدعوة إلى مؤتمر بحثي يشارك فيه المختصون في الحوكمة والإدارة، لتلافي مخاطر عدم قيام مثل هذه الأجهزة الحكومية المهمة في هذه المرحلة الاقتصادية بدورها بشكل فعال ومؤثر في الأسواق، بدلا من الاكتفاء بدعوة المواطن لتنفيذ دور ليس بدوره الأصيل، ودفعه للمساهمة في تحقيق ما يجب أن يقوم به الموظفون المحليون والمعنيون بالرقابة.

جهاز حماية بتمثيل مجتمعي

من جانبه، يدعو الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الحافظ الصاوي، في حديث للجزيرة نت، إلى إعادة تشكيل جهاز حماية المستهلك في مصر، عن طريق آليات المجتمع المدني والأهلي، ليعبر عن نبض المجتمع، مع مشاركة الفنيين المختصين، ليسهم بشكل جاد في ضبط الأسواق والأسعار.

ويؤكد الصاوي أن جهاز حماية المستهلك وغيره من الأجهزة الرقابية على الأسواق، مجرد "حبر على الورق بلا مخالب رادعة" بحسب وصفه، وأداؤهم ليس له تأثير، ولا يشكلون وزنا نسبيا كأجهزة أخرى ذات ثقل في اعتبار صاحب القرار، وبالتالي تتحول إلى جزء من الشكل العام تعتني بإصدار نشرات وأرقام محل تدقيق دون أثر ميداني يمس حياة المواطن في ظل الأزمة الاقتصادية.

ويشدد الصاوي على أنه من المفترض إيجاد مساحات مشتركة من أجهزة حماية المستهلك في الاشتباك بجدية مع معارك الناس على أرض الواقع، في ظل ارتفاع معدلات التضخم حتى يشعر الناس بوجودهم، عبر منافذ ميدانية منتشرة في الشوارع، مع تجديد وسائلهم في ظل ثقافة الإنترنت المنتشرة بحيث يسهل على المواطن التوجه إلى تلك الأجهزة لطلب خدمة معينة أو تقديم شكوى، أو طلب ضبط الأسعار.

الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي يرى أن اجهزة حماية المستهلك الحالية حبر على ورق ولابد من اشراك المجتمع المدني فيها - الصورة خاصة
عبد الحافظ الصاوي يرى أن أجهزة حماية المستهلك الحالية حبر على ورق ولا بد من إشراك المجتمع المدني فيها (الجزيرة)

ضرورة إشراك المجتمع المدني

من جانبه، يرى السياسي والنقابي أمين صندوق نقابة صيادلة مصر الأسبق الدكتور أحمد رامي الحوفي، في حديث للجزيرة نت، أن "رد الاعتبار للمجتمع المدني والسماح بعودة نشاط النقابات أولى من رد الاعتبار للمواطن والاعتراف الرسمي بأهميته في مواجهة الأزمات عبر المقاطعة كما هو مطروح".

ويوضح الحوفي أن النقابات المهنية في مصر صاحبة سبق في الأنشطة المساهمة في تخفيف الأعباء عن كاهل المصريين، سواء عبر تنفيذ النقابات لمعارض السلع وتأمين احتياجات الأعضاء الأساسية بأسعار مقبولة، أو عبر الحملات النقابية التي كانت تدشن لدعم المجتمع، أو عبر رقابة الجمعيات العمومية لأعضائها في كافة المجالات المتصلة بالسوق.

ويحذر أمين صندوق نقابة صيادلة مصر الأسبق من إعلان الحكومة صعوبة ضبط الأسواق وإحالة الملف للمواطن، وقال إن ذلك "تغييب خطير لدور الدولة رغم أنه المفترض أن تكون هناك مواجهة شاملة يشارك فيها المجتمع المدني وفي القلب منه نقاباته والإعلام والجهات الدينية بجانب الأجهزة الرقابية".

ويضرب الحوفي المثل بغياب ممثل نقابة الصيادلة عن لجنة التسعير بوزارة الصحة، نتيجة فرض الحراسة على النقابة منذ 2015، موضحا أن وجوده كان يمثل ضمانة للتعبير عن مصالح الجماهير والصيادلة في مواجهة مصالح الشركات التي تسعى لتسعير يخدمها، حتى أصبحت اللجنة الحكومية الحالية تسمع لخطاب مصالح الشركات دون مصالح الفئات الأخرى المعنية بالأمر.

وفي السياق ذاته، قال محمود العسقلاني رئيس جمعية "مواطنون ضد الغلاء لحماية المستهلك بمصر"، في بيان صحفي الاثنين، "لدى الجمعية معلومات يمكن تقديمها لجهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية في حال طلبها، وخاصة سوق الأعلاف الذي شهد اتفاقات أفقية مسبقة".

وأوضح أن الزيادات الأخيرة اللحظية اليومية تكشف عن أرقام كبيرة في أسعار اللحوم والدواجن يقف وراءها محتكرون، وهو ما يحتم على جهاز حماية المنافسة رصده ودراسته.

وزير التموين المصري علي المصيلحي دائم الاجتماع مع رئيس الوزراء بسبب ازمة الاسواق - لصورة من الحساب الرسمي لوزرة التموين والتجارة الداخلية على فيس بوك
رئيس الوزراء مصطفى مدبولي (يمين) في اجتماع مع وزير التموين علي المصيلحي (مواقع التواصل الاجتماعي)

اقتصاد حر

من جهته، أعلن وزير التموين والتجارة الداخلية في 6 فبراير/شباط الجاري، أنه "تم إلزام التجار بالإعلان عن جميع أسعار ‏المنتجات المعروضة للبيع وبشكل واضح للمستهلكين حتى يتمكن المواطن ‏من المفاضلة بين أسعار السلع التي يرغب بشرائها" وفق بيان رسمي.

وأعلنت الإدارة العامة لشرطة التموين والتجارة بوزارة الداخلية عن ضبط 1597 قضية تموينية متنوعة في 10 فبراير/شباط الجاري من بينها قضايا للبيع بأزيد من السعر وحجب السلع الإستراتيجية، وعدم الإعلان عن أسعار السلع.

وشنّ أعضاء جهاز حماية المستهلك ممن يمتلكون صفة الضبطية القضائية حملات مكثفة على محلات التخفيضات الشتوية، المستمرة حاليا، وقاموا بتحرير 135 محضرا على الأقل في الأيام الأخيرة، وفق تقارير محلية، للإعلان عن التخفيضات دون تصاريح والبيع بأزيد من السعر.

وخاطب جهاز حماية المنافسة شركات الإسمنت مؤخرا لزيادة حصصها الإنتاجية بنحو 5% إضافية على الحصص المقررة مسبقا لكل مصنع وفقا لقرار الجهاز في 2021، لضبط الأسعار في الأسواق، كما أعلن الجهاز نجاحه في مواجهة عمليات التواطؤ في التعاقدات المبرمة مع الجهات الحكومية، وإثبات مخالفة عدد من الشركات العاملة في سوق "الأعمدة الكهربائية" و"مواسير الحديد".

من جانبه، يوضح رئيس جهاز حماية المستهلك، أيمن حسام الدين، أن مصر يحكمها مبدأ "الاقتصاد الحر" القائم على حماية المنافسة وليس الانفلات في السوق.

وأشار حسام الدين في تصريحات متلفزة، في 10 فبراير/شباط الجاري إلى أن التسعيرة الجبرية غير مطروحة في الاقتصاد الحر، ولكن المطروح هو ضبط الأسعار بجانب تحديد أسعار سلع بعينها في أوقات بعينها بناء على دراسات مقدمة إلى مجلس الوزراء لفرض تسعيرة جبرية مثلما حدث في الأرز مؤخرا.

وأوضح رئيس الجهاز أن تسعير السلع مثل قانون الطوارئ، هو أمر ضد آليات السوق الطبيعية المتمثلة في المنافسة والرقابة، والدولة تلجأ لهذا الأمر للضرورة، مؤكدا أن هناك تعاونًا بين جهازي حماية المنافسة وحماية المستهلك وأجهزة وزارة الداخلية لضبط الأسواق خاصة في المناطق الشعبية ذات الكثافة العالية التي تكون أقل انضباطا من السلاسل التجارية الكبيرة.

المصدر : الجزيرة