أزمة الدين الأميركي.. تعرف على القصة الكاملة وتداعياتها الاقتصادية

واشنطن – قال الرئيس الأميركي جو بايدن ومفاوض جمهوري -أمس الجمعة- إنهما يعكفان على التوصل لاتفاق بخصوص رفع سقف ديون الحكومة الأميركية البالغ 31.4 تريليون دولار، بعد أن حذرت وزارة الخزانة من أن التخلف عن السداد في الخامس من يونيو/حزيران المقبل يلوح في الأفق من دون اتخاذ إجراء.

ويتفاوض الجانبان منذ أسابيع على اتفاق لرفع حد اقتراض الحكومة الاتحادية، إذ يضغط الجمهوريون أيضا من أجل تقليص الإنفاق بشدة.

ومن دون التوصل لاتفاق، يمكن أن تواجه الولايات المتحدة تخلفا عن السداد له تداعيات كارثية.

وعلى خلاف معظم الدول المتقدمة، تضع الولايات المتحدة سقفا للمبالغ التي يمكنها اقتراضها، وأنه لا بد أن يرفع المشرعون ذلك السقف بشكل دوري، لأن الحكومة تنفق أكثر مما تجني من المال.

وتعرض الجزيرة نت كل ما يتعلق بمعضلة سقف الدين الأميركي، الذي إن أصبح أزمة فلن تبقى أثارها داخل هذا البلد، بل تمتد لكل أنحاء العالم.

  • ما الدين القومي الأميركي ببساطة؟

ببساطة، يشبه الدين الوطني الشخص الذي يستخدم بطاقة ائتمان للمشتريات ولا يسدد الرصيد الكامل كل شهر.

وتمثل تكلفة المشتريات التي تتجاوز المبلغ المدفوع عجزا، في حين يمثل العجز المتراكم بمرور الوقت إجمالي ديون الشخص، وهذا ما جرى مع الحكومة الأميركية التي تنفق بمعدلات تفوق إيراداتها، إلى أن بلغ العجز 31.7 تريليون دولار منتصف هذا الشهر.

غير أن الولايات المتحدة في وضع فريد، لأنها تمتلك وتطبع الدولار -العملة الاحتياطية العالمية-، مما يسمح لها بتحمل الديون بتكلفة أرخص من الدول الأخرى.

  • ما سقف الدين؟

لا يمكن للحكومة تخطي مستوى سقف الدين الذي حدده الكونغرس، وقد رُفع السقف آخر مرة بمقدار 2.5 تريليون دولار في ديسمبر/كانون الأول 2021 ليصل إلى ما يقرب من 31.4 تريليونا.

ومن الناحية القانونية، يحق للحكومة الفدرالية اقتراض الأموال عند هذا المستوى، طالما أنها لا تتجاوز سقف الديون الذي حدده الكونغرس، ولكن إذا وصلت إلى هذا الحد، فإن وزارة الخزانة ستعاني من نقص في المال، وهذا يعني أنها لا تستطيع تلبية التزاماتها وعلى رأسها المرتبات الفدرالية، أو دفع ثمن المشتريات الحكومية، أو اقتراض المزيد من الأموال.

ويبلغ إجمالي الدين الوطني للولايات المتحدة حوالي 31.7 تريليون دولار، وهو الحد الأقصى الذي يمكن للحكومة استدانته، وهذه هي الأموال التي تدين بها الحكومة للأشخاص الذين اشتروا سنداتها وأدوات الدين الأخرى.

وتحتفظ شركات وطنية أو مواطنون بالكثير من هذه الديون، على الرغم من أن الحكومات والمواطنين الأجانب احتفظوا أيضا بالمزيد في السنوات الأخيرة، وبلغت قيمتها 7.5 تريليونات دولار، وللصين واليابان وبريطانيا حصة الأسد من هذه الديون.

وهناك نحو 8.5 تريليونات دولار من هذا الدين، وهو ما يسمى "الحيازات الحكومية الداخلية"، وهذا يشمل الصناديق الحكومية مثل الضمان الاجتماعي وصناديق التقاعد الحكومية المختلفة، وهذه الصناديق تشتري الديون الأميركية، مما يعني أنها تقرض الأموال لبقية الحكومة.

  • لماذا تراكم الدين الوطني ليصل لهذا لنحو؟

لأن إيرادات الحكومة الأميركية أقل من معدلات إنفاقها، وقد اعتمدت الحكومة على الاستدانة منذ نشأتها، ووصلت ديونها خلال الاستقلال بحلول عام 1791 ما يقرب من 75 مليون دولار، ثم تقلص الدين مع توسع الحكومة في بيع الأراضي التي تملكها.

وتسبب الكساد في نمو الدين العام، ثم تضاعف حجم الدين عدة مرات منذ بدء الحرب الأهلية، حيث ارتفع من 65 مليون دولار عام 1860 إلى مليار دولار عام 1863، وحوالي 2.7 مليار بعد وقت قصير من انتهاء الحرب عام 1865.

ونمت الديون بشكل مطرد خلال القرن الـ20، وكانت حوالي 22 مليار دولار بعد أن موّلت البلاد مشاركتها في الحرب العالمية الأولى والثانية.

وخلال الحرب الباردة أنفقت واشنطن مئات المليارات على ميزانية الدفاع، ثم أدت حربا العراق وأفغانستان إلى زيادة واسعة في حجم الدين، إضافة إلى حالة الركود الاقتصادي عامي 2008 و2009، قبل أن تضيف جائحة كورونا المزيد إلى الدين القومي، حيث ارتفع الإنفاق الوطني بنسبة 50% بسبب التخفيضات الضريبية، وبرامج التحفيز المالي، وزيادة الإنفاق الحكومي، وانخفاض الإيرادات الضريبية الناجمة عن انتشار البطالة.

  • ما الجديد في أزمة الدين الوطني الأميركي هذه المرة؟

ازداد الدين الوطني كل عام على مدى السنوات العشر الماضية، لكن نفقات الفائدة خلال هذه الفترة ظلت مستقرة إلى حد ما بسبب انخفاض أسعار الفائدة وتوقعات المستثمرين بأن الحكومة الأميركية لديها مخاطر منخفضة للغاية للتخلف عن السداد.

ومع ذلك، فإن الزيادات الأخيرة في أسعار الفائدة والتضخم أدت إلى زيادة كبيرة في نفقات الفائدة، وربما بددت ثقة المستثمرين في قدرة الولايات المتحدة على سداد ديونها.

الحكومة الأميركية تستدين لتغطية فجوة حجم نفقاتها الذي يزيد عن حجم إيراداتها السنوية (شترستوك)

 

  • ما موقف الكونغرس من احتمال رفع حد سقف الدين؟

على مدى العقود الماضية، تجنب الكونغرس خرق حدود الدين العام، لكن الجمهوريين أصحاب الأغلبية في مجلس النواب حاليا قالوا إنهم لن يدعموا زيادة سقف الديون هذه المرة ما لم يتم تخفيض في الإنفاق الحكومي أو يتم الحصول على تنازلات أخرى.

ولا يكون رفع سقف الدين مشكلة كبيرة عندما يكون هناك جمهوري في البيت الأبيض، وقد رفع الجمهوريون بالكونغرس سقف الدين 3 مرات في عهد الرئيس دونالد ترامب، الذي أضاف ما يقرب من 7.8 تريليونات دولار إلى الدين الوطني.

لكن رئيس مجلس النواب الحالي كيفن مكارثي قد تعهد للتيار المتشدد بالحزب بعدم الانصياع للطلب التقليدي من الرئيس بايدن برفع سقف الدين، وذلك خلال مفاوضات انتخابه رئيسا لمجلس النواب في يناير/كانون الثاني الماضي.

  • ماذا سيحدث إذا فشل الكونغرس في رفع سقف الدين؟

إذا وصلت الولايات المتحدة إلى سقف ديونها ولم يرفعه الكونغرس، فسيتعين على وزارة الخزانة اتخاذ "تدابير استثنائية" لتجنب كارثة مالية ستتجاوز الحدود الأميركية. وستبدأ وزارة الخزانة في نقل الأموال لتغطية النقص في التدفق النقدي.

ويمكن أن تستمر هذه الإجراءات لبضعة أسابيع أو أشهر فقط، وبمجرد نفاد هذه التدابير، ستواجه الحكومة الفدرالية صعوبة في سداد التزاماتها، مثل شيكات الضمان الاجتماعي وتكاليف الرعاية الطبية.

  • كيف يمكن فهم حجم الدين العام الأميركي بصورة مبسطة؟

بلغ الرقم الرسمي لوزارة الخزانة الأميركية لديون الحكومة الفدرالية 31.7 تريليون دولار، وهذا يعني أن:

  • نصيب كل مواطن أميركي من الدين العام يقترب من 95 ألف دولار.
  • نصيب كل عائلة أميركية من الدين العام يقترب من 247 ألف دولار.
  • الدين العام يبلغ أكثر من 6 أضعاف الإيرادات الفدرالية السنوية.
  • يبلغ الدين العام 125% من الناتج المحلي الأميركي.
  • هل سبق أن تخلفت الولايات المتحدة عن سداد ديونها؟

حتى الآن، لم تتخلف الولايات المتحدة قط عن سداد ديونها، لكن يلين تحذر من أنه إذا فشل الكونغرس في التحرك، فقد يحدث ذلك بحلول شهر يونيو/حزيران القادم.

وكانت آخر مرة وصلت فيها الولايات المتحدة إلى سقف ديونها عام 2011، وحدثت هزة في الأسواق، وانخفضت أسعار الأسهم، وأثرت سلبا على مدخرات التقاعد للناس، كما كانت هذه هي المرة الأولى التي تشهد فيها الحكومة الفدرالية تخفيض تصنيفها الائتماني.

وعلى الرغم من أن البلاد تجنبت التخلف عن السداد، فإن وزارة الخزانة وجدت أن التأخير في رفع سقف الدين أضر بالاقتصاد، وهو أمر استغرق شهورا قبل حدوث التعافي.

  • ما موقف البيت الأبيض من هذه الأزمة؟

يقول الرئيس بايدن "الكونغرس يحتاج إلى رفع حد الدين دون شروط"، ويصر على أن الواجب الدستوري للكونغرس يحتم عليه رفع سقف الدين بلا شروط لسداد النفقات التي تمت الموافقة عليها مسبقا، في المقابل يريد الجمهوريون بزعامة مكارثي من الرئيس أن يوافق على تخفيضات كبيرة في الميزانية ليضمن موافقتهم.

  • ماذا يحدث إذا لم تستطع الحكومة الأميركية الاستمرار في الاقتراض؟

لا أحد يعرف بالضبط ما الذي سيحدث، فلم يسبق أن وصلت الحكومة الأميركية إلى عدم امتلاك القدرة على دفع فواتيرها.

لكن إذا لم تعد الولايات المتحدة قادرة على الاقتراض، فقد تضطر الحكومة إلى التوقف عن دفع الكثير من المال.

وستظل بعض الأموال تتدفق، لكنها لن تكون كافية لتغطية جميع نفقات الحكومة، وهذا يعني أنه سيتعين على وزارة الخزانة أن تقرر أيها ستدفع في الوقت المحدد وأيها تؤخر.

كما أن تقليص الأموال الحكومية التي تتدفق من خلال شيكات الرواتب الفدرالية والمقاولين ومدفوعات المزايا يمكن أن يؤدي بسهولة إلى إبطاء الاقتصاد.

والخوف الرئيسي الآخر هو أن هذا الوضع سيقلل الثقة في الديون الأميركية، وقد تذوقت الولايات المتحدة طعم ذلك عندما اقتربت البلاد من حد الاقتراض في عام 2011، وعانت من أول تخفيض ائتماني لها على الإطلاق نتيجة لذلك، عندما خفضت "ستاندرد آند بورز" تصنيف "إيه إيه إيه" (AAA) للبلاد -وهو أعلى مستوى ممكن- إلى "إيه إيه +" (AA +).

  • ماذا ستكون تبعات تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها أو عدم قدرتها على استدانة المزيد؟

  1. سيؤدي ذلك بالأساس إلى فزع المستثمرين.
  2. إذا فقد الناس الثقة في الديون الأميركية، فينسحبون من أسواق الأوراق المالية.
  3. سيدفع أسعار الفائدة على الاستثمارات مثل الرهون العقارية إلى الارتفاع.
  4. يمكن أن يتباطأ الاقتصاد إلى حد كبير.
  5. رغم أن التخلف عن السداد قد يكون كارثة اقتصادية أميركية، فإن تبعاته ستكون عالمية بامتياز.
  • ما الخيارات المتاحة للخروج من هذه الأزمة؟

يقول بايدن إن التخلف عن سداد الالتزامات المالية للحكومة ليس بديلا، في حين يذكر مكارثي أنه لن يتنازل عن تخفيض كبير في الإنفاق العام بمقدار يقترب من 1.5 تريليون دولار في ميزانية 2024، على أن تستمر خلال السنوات العشر المقبلة.

ويرى العديد من الخبراء أنه بالإمكان التوصل إلى حل وسط يمكن من خلاله تبني تخفيض محدود في الإنفاق الحكومي بنسبة النصف مما طالب به الجمهوريون، أي عند حدود 700 مليار دولار بالميزانية القادمة.

ولا يزال على كل طرف الترويج لموقفه من الأزمة وادعاء أنه خرج منتصرا منها، خاصة مع بدء موسم الانتخابات الرئاسية، مما قد يعرقل التوصل إلى حل وسط.

المصدر : الجزيرة