سريلانكا.. قطاع السياحة يئن على وقع التدهور الاقتصادي

تقدر وزارة السياحة السريلانكية عدد العاملين في هذا القطاع ما بين 1.5 إلى 2 مليون.

نسبة إشغال الفنادق في سريلانكا تدنت إلى أدنى مستوى خلال أبريل/نيسان الماضي ومايو/أيار الجاري (الجزيرة)

كولمبو – تلتفت "لاكمالي موناسنغه" إلى موظفة الاستقبال بعد أن تضع سماعة الهاتف، وتقول بامتعاض إنهم يشترطون توفر الطعام، وكان على الطرف الآخر من الهاتف مندوب شركة سياحية يبحث عن خدمات لزبائنه في مدينة نِغامبو السياحية بالقرب من العاصمة السريلانكية كولومبو.

وتتحدث مديرة المنتجع موناسنغه للجزيرة نت بمشاعر إحباط عن خشيتها من خسارة الموسم الصيفي إذا استمر النقص الحاد للوقود والغاز، وتضيف أن اعتذارها لا يتوقف عن تقديم الطعام في المطعمين الملحقين بالمنتجع أو المقهى المطل على ساحل رمل ذهبي، وإنما كذلك عن تنظيم جولات معتادة داخل الغابات والأماكن السياحية مثل المعابد البوذية والأسواق التراثية، وهي تسهيلات معلن عنها في موقع المنتجع على الإنترنت.

عوامل خارجية

ولم يكد القطاع السياحي يتعافى من جائحة كورونا حتى عصفت بسيرلانكا أزمة اقتصادية وسياسية، وتقدر وزارة السياحة السريلانكية عدد العاملين في هذا القطاع ما بين 1.5 إلى 2 مليون، إلا أن معظم المرافق السياسية اضطرت إلى تقليص عدد العاملين فيها منذ بداية جائحة كورونا.

وتتربع درة المحيط الهندي على كنز، لكنها تعاني الفقر حاليا، وفق تصريحات أدلى بها وزير السياحة السريلانكي هارين فرناندو للجزيرة نت، ورغم أنه يؤكد أن أبريل/نيسان ومايو/أيار لا يدخلان ضمن المواسم السياحية فإنه يرى أن تراجع نسبة الإشغال في الفنادق غير مسبوقة، فعدد السياح خلال الشهرين يدور حول الرقم ألفين فقط في وقت واحد، بينما يوجد في سريلانكا 60 ألف غرفة فندقية يضاف إليها نحو 20 ألفا أخرى يقدمها المواطنون في منازلهم، بما يعرف بظاهرة استقبال السياح في المنازل.

ويضيف الوزير فرناندو أن عائدات السياحة تقدر بنحو 5 مليارات دولار سنويا، وتشكل 12% من الدخل القومي، وتأتي السياحة في المرتبة الثانية بعد تحويلات المغتربين التي تقدر بنحو 7.1 مليارات دولار.

وتتقدم أوروبا في سوق السياحة السريلانكي، وتركت الحرب على أوكرانيا أثرا مباشرا على الاقتصاد السريلانكي وفق ما أكده كثير من الخبراء في الاقتصاد، وقدرت نسبة السياح الروس والأوكرانيين بنحو 25% من مجموع السياح الأجانب قبيل الحرب في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط الماضيين.

أما السوق العربية فما زالت دون المستوى مقارنة بالنمو المطرد لأعداد الزوار الهنود والصينيين، لكن وزير السياحة فرناندو قال إن إعادة النظر في التسهيلات السياحية لدول الشرق الأوسط أولوية للحكومة التي شكلت قبل أسبوع.

وتتضمن التسهيلات المرتقبة إلغاء التأشيرات المسبقة، وتنظيم المطاعم والمنتجعات لتناسب أذواق السياح تبعا لثقافة وتقاليد المجتمعات التي يأتون منها، وتجيب المناطق السياحية آثار الأزمة الاقتصادية مثل انقطاع الكهرباء أو نقص الوقود.

البعض يرى أن الاستثمارات الأجنبية لم تسعف الاقتصاد السريلانكي بسبب ضعف العائدات من العملات الأجنبية (الجزيرة)

أنين درة المحيط

مناخ سريلانكا بين ربيعي وصيفي على مدار العام قيمة تضاف إلى جمال الطبيعة والسواحل الخلابة، لكن السائح الأيرلندي براين برنن يقول إن سمعة سريلانكا تضررت كثيرا في الأسابيع القليلة الماضية، بسبب إعلان حالة الطوارئ وأعمال العنف المحدودة، وهو ما جعل كثيرا من السياح يلغون حجوزاتهم.

ويضيف برنن أنه يتردد على سريلانكا باستمرار منذ 15 عاما، لكنه لم يسبق له مشاهدة هذه الندرة للسياح، فهو النزيل الأجنبي الوحيد لأكثر من أسبوعين في منتجع ساحلي كبير.

ويقول إنه استمتع مع نقص الوقود بتجربة تغيير نمط الحياة، فبعد أن توقف الفندق عن تقديم الطعام للزبائن، استضافه مواطنون لطهي السمك على الحطب في منازلهم، وأصبح يتوجه بنفسه إلى سوق السمك حيث يجد هناك من يصحبه إلى منزله ليطبخا معا.

وبينما يشاهد برنن السيارات والدراجات النارية وعربات التوكتوك (الريكشا) ذات الثلاث عجلات تصطف لعدة كيلومترات أمام محطات الوقود، أصبح يمارس رياضة المشي في شوارع انخفضت حركة السيارات فيها إلى حد كبير، ولا يلبث بين حين وآخر أن يتوقف سائق ريكشا ليعرض عليه التوصيل مجانا إذا لم يكن لديه مال.

وتهدد الأزمة الاقتصادية تجارة منتجات الصناعات التقليدية والحرف اليدوية بالانهيار، وفق ما يقوله عاقب شيخ، وهو كشميري نقل عمله من سرينغار إلى نِغامبو بسبب الحصار الذي فرضته الحكومة الهندية على إقليم كشمير، فالمنتجات المعروضة في محله تستهدف السياح الأجانب، وبينما تتراجع أعدادهم منذ بداية جائحة كورنا يخشى أن يجد نفسه مضطرا لإغلاق محله بسبب ارتفاع تكاليف الإيجار والنقل.

وهي نفس الشكوى التي عبر عنها للجزيرة نت تاجر الأحجار الكريمة رهان مجيد، وقال إن أجرة الأيدي العاملة ومجمل التكاليف ارتفعت بشكل كبير خلال فترة وجيزة، وذلك في مقابل تراجع أعداد السياح الأجانب، ويشير إلى أن تجارة الأحجار الكريمة تستهدف الأجانب بشكل خاص سواء بما يتعلق بالتصاميم أو الأسعار.

أما لاكمالي موناسنغه فتعلق آمالا كبيرة عل تعهدات الحكومة بإنهاء أزمة الوقود قبل حلول موسم الصيف السياحي، والذي يستهدف العرب والشرق أوسطيين، وإعادة الاعتبار للساحل المبهر برماله الذهبية أمام المنتجع الذي تديره، وقد منحته لمسات بشرية فخامة وجمالا إضافيا.

المصدر : الجزيرة