نيويورك تايمز: حظر الهند لصادرات القمح يزيد من مخاوف انعدام الغذاء العالمي

حظر صادرات القمح من الهند قد يكون بمثابة ضربة أخرى للمنظمات الدولية التي تعمل على مواجهة التهديد المتزايد لانتشار الجوع على نطاق واسع وفق تقرير نيويورك تايمز

القمح سيزيد إنتاجه في العالم بنسبة 17 بالمائة (بيكسابي)
الهند تمتلك حوالي 10% من احتياطيات الحبوب في العالم (بيكسابي)

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تقريرًا تحدثت فيه عن القلق العالمي الجديد حول حظر الهند لصادرات القمح.

وقال التقرير إن الهند -وهي ثاني أكبر منتج للقمح في العالم- تقوم بحظر صادراتها من هذه السلعة في وقت يثير ارتفاع أسعار المواد الغذائية قلق صانعي السياسة، بعد أن كانت الدولة تسد فجوة العرض في الأسواق الدولية التي خلفتها حرب روسيا على أوكرانيا.

ورجح أن تتسبب خطوة الهند هذه في دفع أسعار الغذاء للارتفاع، وأن تغذي الجوع في البلدان الفقيرة التي تعتمد على واردات هذه السلعة.

وحسب الصحيفة الأميركية، فإن أسعار القمح وصلت إلى مستويات مذهلة بسبب مخاوف الإمداد الناجمة عن حرب أوكرانيا.

وجاء التقرير ليذكر أن الهند تمتلك حوالي 10% من احتياطيات الحبوب في العالم، وفقًا لبيانات وزارة الزراعة الأميركية، وهو فائض كبير ناتج عن دعمها الكبير لمزارعيها.

وقالت الصحيفة في تقريرها إنه كان يُنظر إلى الهند منذ شهور على أنها دولة يمكن أن تساعد في تعويض النقص في الإمدادات العالمية.

وبين كاتبا التقرير سمير ياسر وفيكتوريا كيم أن حظر تصدير القمح، الذي تم الإعلان عنه في إشعار وزارة التجارة الجمعة، كان بمثابة تغيير في البيانات السابقة لرئيس الوزراء ناريندرا مودي الذي أخبر الرئيس الأميركي جو بايدن في أبريل/نيسان الماضي أن بلاده مستعدة لتزويد العالم باحتياطياتها، كما حث منتجي القمح المحليين على اغتنام الفرصة قائلًا إن المسؤولين الهنود والمؤسسات المالية يجب أن تدعم المصدرين.

وأضاف الكاتبان أن خبراء زراعيين قالوا إن استمرار الموجة الحارة وارتفاع درجات الحرارة قد يؤثران على موسم الحصاد هذا العام، وهو ما قد يكون عاملًا في تغيير الحكومة الهندية مسارها وفرضها حظراً على صادرات القمح.

وأورد تقرير الصحيفة ما جاء في بيان وزارة التجارة الهندية يوم الجمعة من أنه تم حظر صادرات القمح على الفور، مع بعض الاستثناءات، لأن الارتفاع المفاجئ في سعر المحصول كان يهدد الأمن الغذائي لهذا البلد، في حين سيُسمح بالصادرات المحدودة على الطلب بشكل فردي للحكومات التي تكون إمداداتها الغذائية معرضة للخطر.

وأعلنت السلطات الهندية حظر تصدير القمح، اعتبارا من السبت، خوفا من تعرض أمنها الغذائي للخطر.

وقالت مديرية التجارة الخارجية، في إعلان نشرته في الجريدة الرسمية، الجمعة، إن ارتفاع اسعار القمح عالميا يهدد الأمن الغذائي للهند والدول المجاورة والضعيفة.

ضربة للمنظمات الدولية

وقال تقرير نيويورك تايمز إن حظر صادرات القمح من الهند قد يكون بمثابة ضربة أخرى للمنظمات الدولية التي تعمل على مواجهة التهديد المتزايد لانتشار الجوع على نطاق واسع.

وأشار إلى ما حذر منه برنامج الغذاء العالمي (وكالة تابعة للأمم المتحدة) من أن 47 مليون شخص إضافي قد يعانون من الجوع، في وقت تضاف آثار الحرب المتتالية إلى الأزمة الحالية المتمثلة في الزيادات الحادة بأسعار المواد الغذائية ونقص الأسمدة.

ونقل التقرير عن كبير الاقتصاديين بالوكالة عارف حسين قوله "إن الوكالة كانت تجري مناقشات مع الهند للاستفادة من مخزونها للتخفيف من النقص" موضحًا بأن "برنامج الغذاء العالمي" قد حث الدول على عدم فرض حظر على الصادرات لأنها قد ترفع الأسعار وتقلص الوفرة، وقال "نأمل أن تصغي الدول".

كما نقل عن أشوك جولاتي الاقتصادي الزراعي البارز بالهند قوله "إن إعلان الوزارة انعكس بشكل سيئ على الهند، بالنظر إلى أنه يتعارض مع التعليقات السابقة للحكومة بشأن الرغبة في توريد القمح للدول المحتاجة" مضيفًا "إذا كان هناك اندفاع عالمي، فيمكنك ترويضه بفتح الحدود بدلًا من إغلاقها".

وختتم الكاتبان تقريرهما بالإشارة إلى أنه من المرجح ألا تحظى هذه الخطوة بشعبية بين مزارعي الهند، في وقت اعتبر أحد المزارعين بولاية البنجاب أن "الحظر سيؤثر على الأرجح على مزارعي القمح الذين استفادوا مؤخرًا من ارتفاع الأسعار والطلب".

تطمينات هندية

أعربت وزارة التجارة الهندية، الأحد، عن انفتاحها إلى تصدير القمح إلى البلدان التي تعاني من عجز غذائي على المستوى الحكومي، رغم القيود التي أعلنت مؤخراً، بحسب ما أوردت وكالة الأناضول.

وقال الوزير بي في آر سبرامانيام، في مؤتمر صحفي، إن بلاده ستبقي الباب مفتوحاً أمام تصدير القمح إلى البلدان التي تعاني من عجز غذائي على المستوى الحكومي. وأضاف أن الحكومة ستسمح أيضا للشركات الخاصة بالوفاء بالتزاماتها السابقة لتصدير ما يقرب من 4.3 ملايين طن من القمح حتى يوليو/تموز المقبل.

وتصدر الهند القمح بشكل أساسي إلى الدول المجاورة مثل بنغلاديش ونيبال وسريلانكا.

وقبل الحرب الأوكرانية الروسية، شكلت كييف وموسكو ثلث صادرات القمح والشعير العالمية، في حين تراجعت الصادرات الأوكرانية بشكل كبير بعد العملية العسكرية الروسية في 24 فبراير/شباط إثر إغلاق موانئها وتدمير بنيتها التحتية المدنية وصوامع الحبوب، بحسب وكالة أسوشيتد برس.

كما تعرضت محاصيل القمح في الهند لموجة حرارة قياسية أدت إلى تعطل الإنتاج. وعلى الرغم من أنها ثاني أكبر منتج للقمح في العالم، فإن الهند تستهلك معظم القمح الذي تنتجه.

وبحسب صحيفة "ذا إنديان إكسبرس" الهندية، فإن قرار نيودلهي حظر تصدير القمح جاء بعد يوم من إظهار بيانات حكومية ارتفاع التضخم السنوي لأعلى مستوى له منذ 8 سنوات عند 7.79% في أبريل/نيسان، وارتفاع تضخم أسعار المواد الغذائية بالتجزئة إلى 8.38%، كما نقل تقرير الأناضول.

ماذا عن مصر أكبر مستورد للقمح؟

قال وزير التموين المصري علي مصيلحي الأحد إن قرار حظر صادرات القمح الذي اتخذته الهند لا يسري على بعض الحكومات منها حكومة القاهرة. وأضاف "نجري محادثات مع الهند وأستراليا وكازاخستان وفرنسا لإبرام اتفاقات مباشرة لشراء القمح".

وتعتمد مصر، وهي من أكبر مستوردي القمح في العالم، بشكل كبير على شحنات من أوكرانيا وروسيا، وتسعى حكومتها للحصول على إمدادات بديلة من دول بينها الهند.

وقال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إن الاحتياطي الإستراتيجي للبلاد من القمح يكفي 4 أشهر.

وجاء حظر الهند، السبت، صادرات القمح بعد أيام من قولها إنها تستهدف تحقيق شحنات قياسية هذا العام، إذ أدت موجة حر قائظ إلى تقليص الإنتاج وارتفاع الأسعار المحلية إلى مستوى قياسي، بحسب تقرير لرويترز.

وقال مسؤولون بالحكومة الهندية تحدثوا بعد ساعات فقط من حظر تصدير القمح إنه لم يكن هناك انخفاض كبير في إنتاج القمح هذا العام، لكن الصادرات غير المنظمة أدت إلى ارتفاع الأسعار المحلية.

وكان المشترون العالميون يعتمدون على الهند في الحصول على إمدادات القمح بعد أن تراجعت الصادرات من منطقة البحر الأسود منذ حرب روسيا لأوكرانيا. وقبل الحظر، كانت نيودلهي تستهدف شحن 10 ملايين طن هذا العام.

ويقول تقرير لرويترز "رغم أن الهند ليست من كبار مصدري القمح في العالم، فقد يؤدي الحظر إلى رفع الأسعار العالمية إلى مستويات قياسية جديدة ويؤثر على المستهلكين الفقراء في آسيا وأفريقيا".

الحمائية تضيف أعباء إضافية على الفقراء

وقبل نحو أسبوعين، قال تقرير لصحيفة  نيويورك تايمز إن عشرات الدول أقامت حواجز تجارية الشهرين الماضيين لحماية الإمدادات الشحيحة من الغذاء والسلع، لكن الخبراء يقولون إن السياسات لن تؤدي إلا إلى تفاقم أزمة الغذاء العالمية.

وأوضح التقرير أن أوكرانيا حدت من صادراتها من زيت عباد الشمس والقمح والشوفان والماشية في محاولة لحماية اقتصادها الذي مزقته الحرب. ومن جانبها حظرت روسيا مبيعات الأسمدة والسكر والحبوب إلى دول أخرى.

كما أوقفت إندونيسيا، التي تنتج أكثر من نصف زيت النخيل في العالم، الشحنات الصادرة. وبدورها أوقفت تركيا تصدير الزبدة ولحم البقر والضأن والماعز والذرة والزيوت النباتية.

وحسب تقرير نيويورك تايمز فإن الحرب الروسية الأوكرانية أطلقت العنان لموجة جديدة من الحمائية حيث قامت الحكومات، التي تسعى جاهدة لتأمين الغذاء والسلع الأخرى لمواطنيها وسط النقص وارتفاع الأسعار، بإقامة حواجز جديدة لوقف الصادرات عند حدودها.

وقال التقرير إن هذه التدابير غالبا ما تكون حسنة النية، لكن مثلها مثل عمليات الشراء المذعور التي جردت أرفف محلات البقالة في لحظات مختلفة من الوباء، فإن الموجة الحالية من الحمائية لن تؤدي إلا إلى تفاقم المشاكل التي تحاول الحكومات التخفيف منها، كما يحذر خبراء التجارة.

وأشار إلى أن القيود المفروضة على الصادرات سترفع أسعار الحبوب والزيوت واللحوم والأسمدة إلى أرقام قياسية، بل ستصعّب الحصول عليها.

وهذا يضع عبئا أكبر على فقراء العالم الذين يدفعون حصة أكبر من دخلهم مقابل الغذاء، مما يزيد من مخاطر الاضطرابات الاجتماعية في البلدان الفقيرة التي تكافح مع انعدام الأمن الغذائي، كما يقول التقرير.

وختمت نيويورك تايمز بأنه ومنذ بداية العام، فرضت الدول ما مجموعه 47 قيدا على الصادرات من المواد الغذائية والأسمدة، 43 منها تم فرضها منذ بداية الأزمة الأوكرانية أواخر فبراير/شباط الماضي.

المصدر : نيويورك تايمز + وكالات