تقلبات بالأسواق وأزمات اقتصادية لا تنتهي.. هل ينتظر العالم مزيدا من الألم؟

التضخم
هناك مخاوف من أن ترفع البنوك المركزية الرئيسية أسعار الفائدة بشدة لاحتواء التضخم المرتفع (شترستوك)

يعتقد خبراء ومحللون أن البورصات العالمية ستستمر في التقلب، نتيجة تداعيات قرارات الفدرالي الأميركي بشأن أسعار الفائدة ومعه باقي البنوك المركزية العالمية الأخرى، مؤكدين في الوقت ذاته أن الاقتصادات الناشئة والمستوردة للنفط ستعاني من ارتفاع الدولار وأزمة الطاقة على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية.

وقال مصطفى فهمي، الرئيس التنفيذي للإستراتيجيات والأسواق الناشئة بشركة فورتريس للاستثمار، إن أسواق المال العالمية ستشهد حالة تقلب كبيرة خلال الفترة القادمة، وستميل أكثر إلى الانخفاض متأثرة بقرار الفدرالي الأميركي رفع سعر الفائدة لاحتواء التضخم، وبالعديد من الأزمات التي يشهدها العالم.

وأضاف -في حديث للجزيرة نت- أن هذه التقلبات تتزامن مع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على أسعار السلع والخدمات، كما تتزامن مع استمرار تأثيرات أزمات الطاقة والغذاء والمناخ والإغلاقات بسبب وباء كورونا.

وأشار فهمي إلى أن الأسواق شهدت تخارج أكثر من 2 تريليون دولار بسبب حالة عدم اليقين.

ورفع مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي أسعار الفائدة الأسبوع الماضي بمقدار نصف نقطة مئوية، وأعلن أنه سيقلص قريبا محفظته من حيازات السندات.

كما فاجأ بنك الاحتياطي الأسترالي المستثمرين برفع أسعار الفائدة في الثالث من مايو/أيار الجاري بمقدار ربع نقطة، رغم أنه كان يتوقع منذ وقت ليس ببعيد أنه سيبقيها بالقرب من الصفر حتى عام 2024.

وتوقع فهمي أن تتأثر ميزانيات الدول المستوردة للنفط والاقتصادات الناشئة عموما بشكل سلبي بسبب ارتفاع أسعار الطاقة من جهة، وانتعاش الدولار أمام عملاتها والعملات الرئيسية في العالم من جهة أخرى.

وأشار إلى أن هذه الوضعية تترافق مع استمرار أزمات متعددة ومتداخلة من الطاقة إلى المناخ، مرورا بسلاسل التوريد، مما سيضغط على موازنات هذه الدول وعلى مواطنيها، ويرفع من تكاليف الاقتراض من أسواق المال الدولية.

وقال "الوضع في الوقت الحالي جد معقد والأزمات تلاحق بعضها. الوضع استثنائي بكل المقاييس؛ إذ رأينا كيف أن أسواق المال والبورصات ارتفعت قبيل قرار الفدرالي الأميركي، لكن ارتدت لتنخفض من جديد بسبب حالة عدم اليقين في الأسواق والمخاوف من ركود يطال الكثير من القطاعات".

ويرى مصطفى فهمي أن الدولار سيستمر في الارتفاع خلال الفترة المقبلة، ولم يستبعد أن تشهد الأسواق الأميركية تراجعات تتراوح بين 5% و7%، متأثرة أيضا بوضعية الإغلاقات في الصين لاحتواء وباء كورونا.

مصطفى فهمي أبو العلا الرئيس التنفيذي للاستراتيجيات بشركة فورتريس للاستثمار
فهمي: الوضع في الوقت الحالي جد معقد والأزمات تلاحق بعضها (الجزيرة)

شكوك حول نجاح خطط احتواء التضخم

من جهته، قال المحلل المالي علاء الشيخلي إن البورصات العالمية تجاوبت بشكل إيجابي بعد صدور محضر قرار الفدرالي الأميركي، لأن رفع سعر الفائدة بـ50 نقطة جاء متوافقا مع توقعات المحللين، لكن هذه البورصات سرعان ما عكست الاتجاه، متأثرة بالمخاوف والشكوك التي نالت من ثقة المستثمرين في أعقاب تصريحات البنك المركزي البريطاني الذي حذر من أن مستويات التضخم العالمية قد تتسارع في الفترة المقبلة رغم جهود احتوائه عن طريق سياسة مالية متشددة، حيث رفع المركزي البريطاني الفائدة لأكثر من اجتماع متتال إلا أنه عبّر عن مخاوفه من دخول الاقتصاد حالة ركود في حال ارتفاع التضخم نحو 10%.

وأضاف -في حديث للجزيرة نت- أن الشكوك بشأن نجاح البنوك المركزية العالمية في احتواء التضخم -الذي وصل في أميركا إلى 8.5%- أدت إلى ضغوط أكبر على المستثمرين والمتداولين في البورصات وعززت من حالة عدم اليقين التي تعيشها الأسواق في ظل حرب روسيا على أوكرانيا التي رفعت أسعار الطاقة إلى مستويات قياسية، مما يعزز من حالة التضخم الحالية.

وأكد الشيخلي أن العالم يعيش حالة عدم يقين، وأكد أن المستثمرين والمتعاملين في الأسواق يراقبون تطورات حرب روسيا على أوكرانيا وتداعياتها على أسعار الطاقة والغذاء. كما يراقبون قرارات الاتحاد الأوروبي بشأن حظر إمدادات النفط والغاز الروسيين وما يمكن أن تخلفه من آثار سلبية على الأسعار، والإغلاقات في الصين وتعزيزها المخاوف من استمرار أزمة سلاسل الإمدادات العالمية، وكذلك أسواق السندات الأميركية التي تعكس مدى ثقة الشارع والمتداولين.

وعبّر الشيخلي عن اعتقاده بأن أسواق الأسهم ستظل متذبذبة خلال الفترة القادمة، متأثرة بعديد من الأزمات وبترقب قرارات البنوك المركزية بشأن أسعار الفائدة واحتواء التضخم.

ماذا عن أسواق الخليج؟

بخصوص أسواق الخليج، قال الشيخلي إنها استفادت كثيرا خلال الفترة القليلة الماضية، نتيجة ارتفاع أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية من جهة، والنتائج الإيجابية للشركات من جهة أخرى، إلا أنها تشهد حالة من جني الأرباح نتيجة للصعود القوي السابق.

وأضاف أن أسواق الخليج كما تترقب نتائج مراجعة المحافظ العالمية، مثل "مورغان ستانلي" و"فوتسي"، مشيرا إلى أن ارتدادات أسواق المنطقة لا تقارن بما يحدث في أسواق العالم، بل إنها استفادت من نزوح رؤوس الأموال من الأسواق الأوروبية، لكنه لفت إلى أن الأسهم الخليجية لا يمكنها أن تظل بمعزل عما يحدث في العالم، وإن كان تأثرها سيبقى أقل حدة قياسا بالبورصات العالمية الأخرى.

الشيخلي: أسواق الخليج استفادت كثيرا خلال الفترة القليلة الماضية نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة (الجزيرة)

أسعار الأسهم تتضرر

وتضررت أسعار الأسهم على مستوى العالم مايو/أيار الجاري؛ إذ تحملت أسهم الشركات المرتبطة بالنمو عمليات بيع مكثفة بسبب المخاوف من أن ترفع البنوك المركزية الرئيسية أسعار الفائدة بشدة لاحتواء التضخم المرتفع، وفق ما أورده تقرير لرويترز.

وتراجع المؤشر "نيكي" الياباني لليوم الثاني على التوالي -اليوم الثلاثاء- لكنه تجنب خسائر أكبر مع بدء المستثمرين في إعادة شراء الأسهم على أمل ارتفاع أسعارها ترقبا لأداء إيجابي للأسهم الأميركية.

وأغلق مؤشر نيكي منخفضا 0.58% إلى 26167.10 نقطة بعد أن قلص خسائره في التعاملات المسائية.

وكان المؤشر نيكي قد انخفض إلى مستوى 25773.83 نقطة لأول مرة منذ منتصف مارس/آذار الماضي في الصباح متأثرا بعمليات بيع مكثفة في بورصة "وول ستريت" مساء أمس الاثنين، خاصة لأسهم شركات التكنولوجيا.

كما تراجع المؤشر "توبكس" الأوسع نطاقا 0.85%. وكانت أسهم شركات التكنولوجيا هي أكبر خاسر على المؤشر نيكي.

وفي نهاية تعاملات أمس الاثنين، أغلقت مؤشرات الأسهم الرئيسية في بورصة وول ستريت الأميركية على تراجع حاد.

وأنهى مؤشر "داو جونز" الصناعي القياسي جلسة التعاملات متراجعا بمقدار 2%. وخسر مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" الأوسع نطاقا 3.2%. كما فقد مؤشر "ناسداك" المجمع لأسهم التكنولوجيا 4.3%.

 وضع مختلف في أوروبا

لكن الوضع كان مختلفا في أوروبا اليوم الثلاثاء؛ إذ انتعشت الأسهم الأوروبية عن أدنى مستوياتها في شهرين بمكاسب واسعة النطاق مدعومة باقتناص الصفقات بعد عمليات بيع مكثفة بسبب المخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي.

وفي التعاملات الصباحية ارتفع المؤشر "ستوكس 600" الأوروبي 0.9% بعدما أغلق أمس الاثنين على أدنى مستوياته منذ أوائل مارس/آذار الماضي.

ما تأثيرات تشديد السياسات المالية؟

يفيد تقرير نشرته "إيكونوميست" (The Economist) البريطانية بأنه في الوقت الذي تكافح فيه البنوك المركزية أسوأ تضخم منذ جيل، فإنها تضع سياسات النقد الميسرة في العقد الماضي في الاتجاه المعاكس.

ويقول إنه على الرغم من أن أسعار الأسهم قفزت بعد ارتفاع سعر بنك الاحتياطي الفدرالي، فإن الأسواق المالية كانت تتكيف بشكل مؤلم مع واقع تشديد الأموال.

وتراجعت أسواق الأسهم العالمية بنسبة 8% أبريل/نيسان الماضي، وانخفضت بنسبة 11% عام 2022، مع ارتفاع أسعار المستثمرين وانخفاض معدلات النمو.

ويضيف التقرير أن نتائج تشديد الأوضاع المالية تتمثل في ما يلي:

  • إعادة تسعير العملات. فقد ارتفع الدولار بنسبة 7% مقابل سلة من العملات خلال العام الماضي. وكان الأمر الأكثر لفتا للنظر هو ارتفاع العملة الأميركية مقابل الين الياباني، العملة الوحيدة لبلد غني كبير يبدو من غير المرجح أن ترتفع فيه أسعار الفائدة قريبا. بالقيمة الحقيقية، يكون الين في أدنى مستوياته منذ السبعينيات.
  • النمو في علاوات المخاطر حيث يشعر المستثمرون بالقلق من المزالق في المشهد الاقتصادي الجديد. ففي أميركا، بلغت مقاييس "علاوة مخاطر التضخم"، التي ترتفع عندما يصعب التنبؤ بالأسعار، أعلى مستوياتها منذ 1994. وفي أوروبا، ارتفع الفارق بين ما يجب على الحكومتين الألمانية والإيطالية أن تدفعه للاقتراض لمدة 10 سنوات بسبب الخطر المتمثل في أن السياسة النقدية الأكثر تشديدا تجعل من الصعب على إيطاليا التعامل مع ديونها المرتفعة.
  • الأداء الضعيف حتى لمحافظ الاستثمار المتنوعة. ففي أميركا، حققت 60% من الاستثمارات في الأسهم، و40% في السندات متوسط ​​عائد سنوي قدره 11% من 2008 إلى 2021، لكنها خسرت 10% هذا العام. في حين أن عام 2021 يمثل ذروة "صعود كل شيء" حيث ارتفعت معظم أسعار الأصول، بينما يمكن أن يمثل عام 2022 بداية "تراجع كل شيء"، مع نهاية المعدلات المنخفضة التي أصبحت ممكنة بسبب التضخم المنخفض.

ماذا إذا تغير المسار؟

يقول تقرير الإيكونوميست البريطانية إنه مع معاناة المستثمرين، قد يميل صانعو السياسة النقدية إلى تغيير المسار. فإذا توقفوا عن رفع أسعار الفائدة وتركوا التضخم يرتفع، فسوف يخسر حاملو السندات أموالهم، لكن المزيد من الأصول المقاومة للتضخم، مثل الأسهم والمنازل، ستستفيد. وسينخفض ​​الدولار مما يساعد العديد من الدول التي تقوّم بعض صادراتها أو ديونها بالدولار.

ومع ذلك -يضيف التقرير- فمن واجب البنوك المركزية، بما في ذلك الاحتياطي الفدرالي، الاستجابة للاقتصاد في الداخل ووقف التضخم المستمر عند مستوى لا يطاق.

ويتابع التقرير أن "الظروف المالية الأكثر تشددا تُعد نتيجة طبيعية لرفع أسعار الفائدة… ولا يزال المستثمرون يراهنون على أن أسعار الفائدة الأميركية ستبلغ ذروتها بما يزيد قليلا على 3%". وتختم إيكونوميست تقريرها بالقول "المزيد من الألم ينتظرنا".

المصدر : إيكونوميست + الجزيرة + رويترز