تعدين العملات الرقمية.. أي مستقبل لاستثماراته في تركيا؟

السنوات الأخيرة شهدت زيادة في اهتمام الكثيرين بقطاع تعدين العملات الرقمية

البيتكوين وبقية الأصول المرمزة تجاوزت قيمتها مؤخرا 3 تريليون دولار.
الأتراك من بين أكثر الشعوب استخداما للعملات الرقمية (رويترز)

إسطنبول – تنشط العديد من الشركات في تركيا في مجال الاستثمار بالعملات الرقمية وتعدينها، وتقول بعضها إن هذه الصناعة تمثل وجهة المستثمرين خلال العقود القادمة رغم أن "غموضا ما" لا يزال يكتنف آليات عملها وكيفية تحويل العملات الرقمية إلى أرصدة مالية بنكية.

وبحسب خبراء الاستثمار في العملات الرقمية، فإن نقص المعلومات أو انتشار معلومات مغلوطة عن أداء شركاتها يوقع جمهور هذا القطاع الاستثماري في إرباك التعامل معه ويعد من أهم التحديات في مجال الاستثمار في العملات الرقمية.

وتمثل تجربة شركة "إنرجيكو" (Energico) المتخصصة في الطاقة المتجددة والتعدين الرقمي نموذجا لاتجاه الشركات الاستثمارية نحو هذا القطاع الذي تعده مدخلا مهما لتعزيز لا مركزية قطاع العملات الرقمية.

توفر الشركة للمستثمرين الفرصة لشراء الأجهزة الحاسوبية اللازمة للقيام بعمليات التعدين وتشغيلها في أماكن التعدين الموثوقة حول العالم وربطها على شبكة الإنترنت عبر برمجيات مناسبة، كما تقوم بمتابعة الإجراءات التقنية والمحاسبية والقانونية والإدارية، وتحصل لقاء ذلك على نسبة من صافي العوائد التي يحصل عليها أصحاب الأجهزة.

اتجاهات وآليات

وتؤكد الشركة أن السنوات الأخيرة شهدت زيادة في اهتمام الكثيرين بقطاع تعدين العملات الرقمية، لما يحققه لهم من عوائد أكثر استقرارا واستمرارية، بخلاف تداول العملات الذي قد يحقق مكاسب كبيرة ولكن ضمن نطاق المخاطر المرتفعة.

ويوضح بلال عيد مؤسس ومدير شركة إنرجيكو أن الكثير من رجال الأعمال باتوا أكثر اهتماما بالعوائد المستمرة والأكثر استقرارا حتى لو كانت ذات قيم مالية أقل، فيما تميل شريحة الشباب للعوائد السريعة حتى لو كانت عالية المخاطر.

ووفقا لعيد، فإن الاستثمار في العملات الرقمية يتم عبر شرائها أو عبر شراء الأجهزة التي تقوم بتعدينها، إذ تمثل عمليات التعدين بديلا عن الجهات المركزية في حالة البنوك التقليدية.

ويقول "عبر عملية التعدين تقوم آلاف الأجهزة الحاسوبية المربوطة على شبكة الإنترنت بالتحقق من العمليات على شبكة البلوكشين (سلسلة الكتل) للتأكد من صحة العمليات وتنفيذها، كما أن عملية التعدين هي التي تضبط عملية إصدار عملات جديدة واستخراجها لتصبح متوفرة في السوق للتداول، ونظير الجهد الحاسوبي الذي تقوم به الأجهزة تحصل على عوائد عبر العملة التي تعدنها، وتكون هذه العوائد معروفة ومحددة بنظام دقيق تخضع له جميع الأجهزة المربوطة على نفس الشبكة".

الاستثمار في تركيا

ويقول عيد للجزيرة نت إن الشعب التركي من أكثر الشعوب استخداما للعملات الرقمية، إذ تقدر الإحصائيات تداولها من قبل 5 ملايين شخص، مرجعا السبب في ذلك إلى سهولة تحويل الأموال الورقية مثل الليرة إلى عملات رقمية مثل البيتكوين والإثيريوم وغيرها، إضافة إلى أن عمليات التحويل تتم بشكل شبه فوري عبر بنوك الدولة الرسمية.

في المقابل، يرى عيد أن تركيا لا تنافس في قطاع تعدين العملات الرقمية بسبب ارتفاع تكلفة الكهرباء اللازمة للتعدين فيها، إضافة إلى عدم وضوح التشريعات الناظمة لهذا النشاط بعد.

وكان رئيس جمعية المعلوماتية التركية رحمي آقتبه قد أعلن أن أكثر من 3500 عملة رقمية قابلة للبيع والشراء يتم تداولها على المنصات الرقمية غير الخاضعة للتنظيم الحكومي، وتعرف هذه المنصات باسم "بورصات العملات الرقمية".

ويتوقع عيد أن يستمر الاستثمار في شراء العملات الرقمية بالنمو، خصوصا مع زيادة إقبال فئة الشباب عليها في ظل تراجع قيمة أغلب العملات الورقة حول العالم، في حين يمثل الافتقار إلى التشريعات الواضحة أهم معيقات نمو التعدين الرقمي.

وتحتل الولايات المتحدة الأميركية صدارة الدول التي تعدن عملة البيتكوين، فيما توجد الكثير من الدول الغربية مثل كندا وروسيا وألمانيا وأيرلندا والسويد في قائمة الدول العشر الأُوَل في هذا القطاع.

مؤشرات النمو وعوائقه

من جهته، يرى الباحث الأكاديمي في الشؤون الاقتصادية التركية محمد أبو عليان أن تركيا أصبحت من الدول الرائدة في المنطقة على مستوى منصات تداول العملات الرقمية.

وأوضح أبو عليان أن ديناميكية السوق التركي ناتجة عن تمركز العديد من المنصات المحلية والدولية التي توفر فرص التداول باللغتين التركية والإنجليزية.

ويشير إلى أن مشروع إصدار ليرة رقمية تستند إلى الليرة التركية وتمتلك مقابلا ماديا ملموسا -الذي أعلن البنك المركزي التركي عنه في وقت سابق- يمثل مؤشرا مهما على تنامي نمو هذا القطاع في البلاد.

ويقول أبو عليان للجزيرة نت إن هذه الخطوات تواكب إطلاق السلطات التركية منصة بحثية لتطوير العملة الرقمية المحلية، والبدء في إعداد مشروع قانون لضبط أسواق العملات المشفرة.

لكنه يشير في الوقت ذاته إلى أن استمرار تذبذب تصريحات المسؤولين الأتراك بين التشجيع على تداول العملات الرقمية والتحذير من مخاطر ذلك يلقي بأجواء سلبية على أداء هذا القطاع.

وكان فاروق فاتح أوزور مدير إحدى منصات العملات الرقمية قد فر إلى خارج تركيا في أبريل/نيسان 2021، متسببا في صدمة لنحو 400 ألف مستثمر في منصة "ثودكس" (Thodex)، والذين بلغت خسائرهم نحو ملياري دولار في حينه.

أما الباحث عبد الحليم العبادلة فيلخص التحديات التي تواجه الاستثمار في قطاع العملات الرقمية في تركيا بالتالي:

  • ارتفاع فرص النصب والاحتيال نظرا لعدم لغياب ضوابط كالمتوفرة في الأسواق والبورصات التقليدية.
  • عدم تحديد جهة مسؤولة يمكن اللجوء لها في حالة النصب والاحتيال.
  • نقص المعرفة الكافية معلوماتيا وتقنيا بمفهوم الاستثمار في العملات الرقمية.
  • غياب التشريع المتكامل بشأن العملات المشفرة أو الرقمية على المستوى العالمي.
  • عدم خروج العملات الرقمية للسوق الحقيقي، مما يبقيها حبيسة منصات التداول وعمليات المضاربة الوهمية ونحو ذلك.

ثورة تكنولوجية

ويعتبر خبراء العملات الرقمية تقنية البلوكشين ثورة تكنولوجية جديدة تشابه التحول الجوهري الذي شهده العالم منذ ظهور خدمة الإنترنت، نظرا لتوفر العديدة من المزايا التي تعالج بعض التحديات التي تواجه قطاع الأعمال والمتعلقة بحفظ سجلات المعاملات ومعالجتها وحمايتها وسرعة إنجازها والتحقق منها وكفاءة تنفيذها، وانتهاء بمستوى الشفافية والموثوقية والثبات.

ويعرّف العبادلة تقنية البلوكشين بأنها عبارة عن سجل حسابات غير مركزي يضم كل ما يجري من مناقلات، كالمعاملات أو الصفقات عبر شبكة اتصال من نوع الند للند باستخدام هذه التكنولوجيا، بحيث يمكن للمشاركين أن يصدّقوا على العمليات الجارية، مثل التحويلات المالية وإعداد الصفقات والتصويت والعديد من الاستخدامات الأخرى دون الحاجة إلى سلطة تصديق مركزية.

ويقول العبادلة للجزيرة نت إن المعلومات تسجل في تقنية البلوكشين في أرشيف متسلسل، ويتم تشفيرها منعا للتلاعب والتزوير في المدخلات الأصلية، وتخزن على شكل كتل، كل منها تحتوي على معلومات تفصيلية عن إحدى العمليات التي تم إجراؤها على الشبكة.

ويوضح أن البيانات المخزنة المشفرة تغلق بقفل صعب الاختراق يسمى "الهاش"، مبينا أن هذه العملية تتكرر عدة مرات، ويتوالى تخزين المعلومات وتشفيرها لتكون على شكل سلسلة لانهائية من الكتل.

ويشير العبادلة إلى أن العملات الرقمية ظهرت لأول مرة في التاريخ عام 1983، لكن تداولها لم ينجح لعدم وجود هيكل مركزي للشبكة وافتقارها إلى المعايير التنظيمية، إلى أن ظهرت عملة البيتكوين التي تعد أشهر العملات الرقمية عام 2008، وظهرت بعدها عملات رقمية عدة، وهي عبارة عن نقود إلكترونية يتم تداولها من خلال شبكة لا مركزية.

ويوضح أن العديد من البنوك المركزية في العالم بدأت التكيف مع البلوكشين لامتلاك النسخة الرقمية من عملتها للاستفادة من منافعها.

ويرى العبادلة أن الهدف من التعدين هو الحصول على وحدات جديدة من العملات الإلكترونية، إذ تعمل عملية التعدين على توثيق عمليات تحويل عملات البيتكوين السابقة التي جرت في الشبكة في آخر دقائق ورفض الزائف منها والمكرر والإبقاء على الصحيح وتسجيله في السجل الموحد الموجود في جميع أجهزة مستخدمي البيتكوين المتصلين بالشبكة.

كما يرى أن أبرز آليات الاستثمار في العملات الرقمية تكون من خلال منصات التداول المحلية أو الدولية، للاستفادة من فروق الأسعار وظروف الأسواق أو من خلال تعزيز وتطوير تكنولوجيا البلوكشين لاستصدار وحدات جديدة من العملات الرقمية.

المصدر : الجزيرة