هل تلجأ روسيا للعملات المشفرة للالتفاف على العقوبات؟

ركزت دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة وأوروبا على ضمان عدم لجوء موسكو إلى خيار التعامل بالعملات الرقمية لتجاوز العقوبات المفروضة عليها.

البيتكوين وبقية الأصول المرمزة تجاوزت قيمتها مؤخرا 3 تريليون دولار.
محاولات إضفاء الشرعية على العملات المشفرة في روسيا كانت ضئيلة سابقا (رويترز)

موسكو – تشير تصريحات المسؤولين الغربيين إلى أنهم ماضون في إحكام السيطرة على كافة المنافذ التي يمكن لروسيا استغلالها لتجاوز العقوبات المفروضة عليها.

ففي الأيام الأخيرة، ركزت دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة وأوروبا على ضمان عدم لجوء موسكو إلى خيار التعامل بالعملات الرقمية لتجاوز العقوبات المفروضة عليها، لا سيما على ضوء المخاوف من عدم التزام شركات التشفير بالعقوبات والقواعد الجديدة، مما يؤدي بدوره لإحداث ثغرة هامة في جدار العقوبات الغربية على روسيا، والتي تشمل استخدام العملات المشفرة.

ويرى محللون أن بإمكان موسكو التخفيف من آثار العقوبات الجديدة بمساعدة العملات المشفرة، إذ إن الكيانات القانونية الروسية التي تخضع للقيود ستستخدم الأصول الرقمية في المعاملات الدولية، نظرا إلى أن العملة الرقمية أكثر ملاءمة، في حالة فصل روسيا عن نظام "سويفت" (SWIFT) من معاملات الشركات الخاضعة للعقوبات الفرعية.

يأتي ذلك في الوقت الذي شددت فيه السلطات الروسية قواعد معاملات الصرف الأجنبي للشركات والمواطنين، وفرضت قيودا على الاستثمار الأجنبي بسبب العملية العسكرية في أوكرانيا والعقوبات.

وفرض الكرملين قيودا على شراء الأسهم والعقارات الروسية من قبل الهياكل والأفراد من الدول الأجنبية التي فرضت العقوبات على روسيا. كما نص مرسوم رئاسي على حظر تصدير الأموال النقدية التي تزيد عن 10 آلاف دولار، بعد أن كان ذلك ممكنا في السابق، بشرط التصريح بالمبلغ في الجمارك.

بموازاة ذلك، فرض البنك المركزي قيودا على المبلغ الشهري للتحويلات إلى الخارج من قبل الأفراد المقيمين. والآن، لا يمكن أن يتجاوز مبلغ 5 آلاف دولار.

كما ألزمت وزارة المالية المصدرين بتحويل 80% من أرباح العملات الأجنبية إلى العملة الروسية الروبل، وهذا الإجراء الطارئ -حسب الوزارة- مصمم لدعم سعر صرف الروبل.

ويفسر خبراء في الاقتصاد هذه الإجراءات بأنها محاولة لعدم تدفق العملة الصعبة خارج البلاد، ولوقف الضغوط الإضافية على سعر صرف الروبل في الأوضاع الحالية.

حاجة ملحة

وفي محاولة لمواجهة الإجراءات الغربية، قدمت وزارة المالية للحكومة نسختها من مشروع قانون تنظيم العملات المشفرة، والتي تهدف إلى "تقنين" سوق العملات الرقمية مع وضع قواعد تداولها ودائرة المشاركين، ويحظر مشروع القانون "حول العملة الرقمية" استخدامه وسيلة للدفع، لكنه يقترح اعتباره أداة استثمار.

ويقول الخبير الاقتصادي فلاديمير أولينتشينكو إن محاولات إضفاء الشرعية على العملات المشفرة في الاتحاد الروسي كانت ضئيلة في السابق، لكنها الآن أصبحت حاجة ملحة وممكنة على ضوء التحولات الجديدة المرتبطة بالعقوبات شديدة الصرامة التي اتخذتها الدول الغربية ضد روسيا.

تدابير وقائية

ويرى أولينتشينكو، في حديث للجزيرة نت، أن التحول إلى العملات المشفرة يأتي ضمن التدابير الوقائية من أجل الالتفاف على العقوبات، داعيا في الوقت نفسه إلى ضرورة التمييز الواضح بين مفاهيم العملات المشفرة والأصول المالية الرقمية القائمة على تقنية "بلوك تشين" (Blockchain).

في الوقت ذاته، يوضح أن تقنين العملات المشفرة يرتبط بعدد من المشكلات ذات الطبيعة المختلفة، فالفوائد التي تعود على الاقتصاد والمشاركين في السوق والدولة من ذلك مشكوك فيها، باستثناء مجموعة ضيقة من العاملين في هذا المجال. كما أن تكلفة هذه العملات ليس لها أساس اقتصادي، ولا يتم تأمينها بأصول محددة، فضلا عن التساؤل حول ما إذا كانت الأصول المالية الرقمية، التي تستخدمها الشركات المحلية الآن وفي المستقبل، ستحل محل الأنواع الحالية من الأصول المالية التقليدية.

لكنه يحذر أيضا من العيب الرئيسي لإضفاء الشرعية على التعدين الرقمي والذي يتلخص في أن العملة المشفرة لا مركزية. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر من الأصول عالية المخاطر والمتقلبة، إذ يمكن أن تنخفض قيمة أي من العملات المشفرة في أي وقت، مما يشكل خطرا كبيرا على اقتصاد البلاد، ولكن يمكن تقليله من خلال التنظيم التفصيلي.

سراديب العملات المشفرة

ومنذ العام الماضي، وقبل أن تصبح العقوبات أمرا واقعا، نشط النقاش حول إمكانية تقليل المخاطر المرتبطة بإضفاء الشرعية على العملات المشفرة عبر سن تشريعات مشددة تضمن مصالح الدولة وعدم التهرب من دفع الضرائب.

ويوم الجمعة الماضي، اقترح حزب روسيا الموحدة (الحاكم) تقنين العملات المشفرة لمواجهة العقوبات، ولقي موقف الحزب دعما من وزارة المالية ومجتمع الخبراء وممثلي بورصات العملات المشفرة، بشرط حماية المواطنين من المخاطر المحتملة.

وفي مقالة له، يقول رومان يانكوفسكي، نائب عميد كلية الحقوق في المدرسة العليا للاقتصاد، إن العملات المشفرة تمت "شرعنتها" في واقع الحال، ولكن مع وجود قيود كبيرة، إذ تشير المادة 14 من القانون الفدرالي "بشأن الأصول المالية الرقمية" إلى أنه يمكن استخدام العملة المشفرة أداة استثمار، ولكن لا يمكن استخدامها لدفع ثمن السلع والأعمال والخدمات.

وبرأيه فإن ذلك سيؤدي إلى إبطاء عملية التعدين الرقمي. ويشير إلى أن العاملين في هذا المجال يربحون ما مجموعه حوالي 2 مليار دولار، ولا يدفعون ضرائب. وفقط إذا تمت معالجة هذه الإشكالية، وتعامل الدولة مع العملات المشفرة مثل السلع الأخرى، يمكن عندئذ أن يخدم ذلك ميزانية الدولة، ويخفف من وطأة العقوبات.

المصدر : الجزيرة