ارتفاع أسعار النفط والقمح.. ما أدوات مصر للتعامل مع الأزمة؟

خرجت أسعار القمح في العالم عن السيطرة بسبب تداعيات حرب روسيا على أوكرانيا اللتين تؤمّنان نحو 30% من الإمدادات العالمية من هذه السلعة (الجزيرة)

القاهرة- تحولت مخاوف دول العالم من تداعيات حرب روسيا على أوكرانيا إلى حقائق، ومع مرور الوقت بدأت تشكل هاجسا مقلقا للدول الناشئة (دول العالم الثالث)، خاصة تلك التي تعتمد على توفير احتياجاتها الأساسية من النفط والحبوب من خلال الاستيراد، وتوفير العملة الصعبة من خلال آلية الاقتراض الداخلي والخارجي.

ولامست أسعار النفط في الأسواق العالمية 140 دولارا للبرميل الأحد الماضي، واقربت من مستواها القياسي البالغ 147.5 دولارا والمسجل في يوليو/تموز 2008.

وسجلت واردات مصر من النفط الخام والمواد البترولية ومشتقاته بدون الغاز الطبيعي نحو 9.3 مليارات دولار في الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني 2020 إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2021، مقابل صادرات بنحو 9.2 مليارات دولار، بحسب بيان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وخرجت أسعار القمح في العالم عن السيطرة بسبب تداعيات حرب روسيا على أوكرانيا اللتين تؤمّنان نحو 30% من إمدادات القمح العالمية، و80% من احتياجات مصر (أكبر مستورد للقمح في العالم) بمتوسط سنوي يبلغ 13.8 مليون طن، فيما يبلغ الاستهلاك المحلي قرابة 22 مليون طن سنويا.

وتصل فاتورة استيراد القمح إلى 3 مليارات دولار سنويا، ولكن من المرجح أن تزيد بنحو مليار دولار، إذ قال وزير المالية المصري محمد معيط إن ارتفاع أسعار القمح حول العالم سيزيد تكلفة الواردات بمقدار 15 مليار جنيه (نحو مليار دولار) في ميزانية العام الجاري.

ارتفاع أسعار النفط والقمح يضغط على الحكومة المصرية (الجزيرة)

ويصل متوسط فاتورة استيراد السلع الغذائية في مصر سنويا نحو 10 مليارات دولار، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وتستحوذ الحبوب بأنواعها والزيوت واللحوم على النصيب الأكبر.

وتزيد القفزات في أسعار السلع الغذائية والبترول عالميا الضغوط على الحكومة المصرية، إذ يتراوح عجز الميزان التجاري غير البترولي بين 40 مليار دولار و45 مليارا سنويا، وتضطر إلى الاقتراض عبر أدوات الدين المختلفة من أجل تمويل عجز الموازنة الذي أصبح مهددا بالارتفاع، إلى جانب تخارج جزء من المستثمرين من السوق -سواء من أدوات الدين أو البورصة- وارتفاع تكلفة الاقتراض.

وكان وزير المالية المصري محمد معيط قد علق قبل أيام على مسألة تخارج استثمارات الأجانب من أدوات الدين المحلية، قائلا إن "هذا التخارج متوقع، ونحن نتعامل مع هذا الواقع".

 

مآلات الأزمة وسبل التحوط

وتفرض التقلبات الكبيرة في الأسواق العالمية على العالم -خاصة الدول الناشئة، ومن بينها مصر- ضغوطا كبيرة بحسب الخبير الاقتصادي إبراهيم نوار، وتفرض على الحكومة تغيير نهجها الاقتصادي مستقبلا للتحوط من مثل تلك الأزمات التي تحدث فجأة دون مقدمات، مثل الكوارث الطبيعية.

وأوضح نوار في حديثه للجزيرة نت أن مصر تملك بعض الإجراءات لمواجهة الضغوط الناجمة عن أزمة حرب روسيا على أوكرانيا، مثل رفع سعر الفائدة على أدوات الدين حتى توقف هروب الاستثمارات الأجنبية من السوق، للمحافظة على قدر من الاستقرار، مع الأخذ في الاعتبار أن تحقيق مستوى من التوازن في الفترتين الحالية والمقبلة سيكون أصعب من الفترة الماضية السابقة للحرب.

وأشار إلى أن مصر تستورد وتصدر البترول الخام ومشتقاته في آن واحد، ولكن ارتفاع صادرات الغاز الطبيعي والمسال وزيادة كمياته والذي ارتفع سعره عالميا أيضا سوف يعوض جزءا من احتياجات البلاد من البترول، وفي ما يتعلق بالقمح فقد قالت الحكومة إنها تمتلك مخزونا احتياطيا يكفي 4 أشهر، إلى جانب أنها تنتظر محصول القمح المحلي الشهر المقبل، مما يخفف وطأة ارتفاع أسعاره.

ورأى الخبير الاقتصادي أن الأزمة العالمية الحالية وأزمة جائحة كورونا تفرضان على الحكومة تغيير نهجها الاقتصادي حتى لا تكون رهينة التقلبات الجارية في الأسواق العالمية، وذلك من خلال عمل بنية اقتصادية قوية تستطيع مواجهة مثل تلك الأزمات، خاصة أن مصر دولة نامية منخفضة الإيرادات من جهة ونسبة الفقر فيها مرتفعة حوالي 30% وفقا للأرقام الحكومية الرسمية، وكلما انخفضت نسبة الفقر زادت مرونة الدولة في مواجهة الأخطار.

 

ودفعت الأزمة الحالية الملياردير المصري ورجل الأعمال نجيب ساويرس إلى طرح رؤيته حول التعامل مع ملف الطاقة والحبوب.

وقال ساويرس عبر حسابه على موقع تويتر إن الإجراءات الواجب سرعة تنفيذها لمواجهة ارتفاع أسعار النفط والقمح وتأثيره على الاقتصاد تتمثل في 3 محاور:

  • الاستعاضة عن توليد الطاقة من الغاز والمازوت بالطاقة البديلة.
  • تصدير الغاز المسال من محطات الغاز السائل لأوروبا، للاستفادة من سعر الغاز العالي وتعويض الغاز الروسي.
  • زيادة مساحات زراعة القمح.

 

خروج الأموال الساخنة

ونقلت وكالة رويترز عن مصادر في القطاع المصرفي في مصر -لم تسمها- أن البلاد شهدت خروج 3 مليارات دولار من خلال موجة بيع متوسطة لأوراق الدين المصرية منذ بدء حرب روسيا على أوكرانيا.

كما أن العائد على الأوراق المقومة بالجنيه المصري قفز بنسبة تتراوح بين 30 و40% في المتوسط، إضافة إلى انخفاض حاد في صافي الأصول الأجنبية في النظام المصرفي المصري يظهر مدى تزايد الضغط على سعر الصرف، بحسب الوكالة.

وأضافت الوكالة أن الكثير من المستثمرين يشعرون بالقلق من أن تكون الأسواق الناشئة أكثر عرضة للتأثر بأي صدمات ناجمة عن اضطراب التجارة مع روسيا، بما في ذلك الزيادة الناتجة في أسعار بعض السلع الأولية.

 

خياران لمواجهة الأزمة

من شأن ارتفاع تكلفة أسعار الفائدة على أدوات الدين أن تزيد الضغط على العملة المحلية، وفق الخبير الاقتصادي ورجل الأعمال المصري الأميركي الدكتور محمد رزق، من أجل الحفاظ على بقاء جزء كبير من المستثمرين الأجانب الذين يفرون للملاذات الآمنة في أوقات الاضطرابات المحلية والعالمية.

وفي ما يخص خيارات الحكومة المصرية للتعامل مع الأزمة الراهنة أكد رزق في تصريحات للجزيرة نت أن الحكومة مضطرة إلى أمرين:

  •  أولهما: زيادة معدلات الفائدة، وهو الذي أشرنا إليه في البداية.
  • وثانيهما: خفض قيمة الجنيه ليقترب من قيمته الحقيقية، ومن ثم محاولة تثبيته وعدم تذبذبة حتى لا تفقد السيطرة عليه، خاصة أن لديها خبرة في هذا المجال.
المصدر : الجزيرة