مصر.. القطاع الخاص يخالف النمو الاقتصادي ويواصل الانكماش

الشركات في القطاع الخاص المصري تشتكي من هيمنة الدولة على الاقتصاد

التوصيف: الإنشاءات أكثر القطاعات المتضررة في القطاع الخاص غير النفطي بمصر (الجزيرة نت) المصدر: مراسل الجزيرة نت المكان: مدينة 7 أكتوبر/ إسكان اجتماعي حكومي الزمان: 2021-2020
الإنشاءات أكثر القطاعات المتضررة في القطاع الخاص غير النفطي بمصر (الجزيرة)

القاهرة- واصل القطاع الخاص غير النفطي في مصر انكماشه، وانخفض خلال يناير/كانون الثاني الماضي بأقوى وتيرة في 9 شهور منذ أبريل/نيسان 2021، مخالفا بذلك النمو المطرد للاقتصاد المصري منذ بدء جائحة كورونا.

وتتوقع الحكومة المصرية ومؤسسات دولية -مثل البنك وصندوق النقد الدوليين- أن تحقق مصر نموا اقتصاديا قويا بين 5.5 و5.6%، إيذانا ببدء تعافي الاقتصاد من آثار جائحة كوفيد-19 التي اجتاحت العالم في مارس/آذار 2020، وألقت بظلالها على النمو الاقتصادي في جميع دول العالم.

وأشارت بيانات مؤشر مديري المشتريات -التابع لشركة "آي إتش إس ماركت"- إلى تدهور قوي ومتسارع في ظروف الأعمال على مستوى الاقتصاد المصري غير المنتج للنفط في بداية العام، وسط ضعف طلب العملاء والضغوط التضخمية.

وهبط المؤشر في يناير/كانون الثاني الماضي إلى 47.9 نقطة من 49 نقطة في ديسمبر/كانون الأول الذي سبقه، ليظل دون مستوى 50 الذي يفصل النمو عن الانكماش، مسجلا أقل قراءة له منذ أبريل/نيسان 2021، وجاءت هذه القراءة أقل من متوسط السلسلة البالغ 48.2 نقطة؛ مما أدى إلى حدوث انخفاض قوي في ظروف العمل الإجمالية.

لماذا الانكماش في القطاع الخاص؟

حسب نتائج المؤشر، انخفضت مستويات الإنتاج بأقوى وتيرة في أكثر من عام ونصف العام، في حين انخفض حجم الأعمال الجديدة بسرعة أكبر مما كان عليه في ديسمبر/كانون الأول الماضي، كما انخفض نشاط التوظيف والشراء، حيث عانت الشركات من ارتفاع حاد آخر في تكاليف مستلزمات الإنتاج، ومع ذلك ارتفعت أسعار الإنتاج بأضعف وتيرة في 6 أشهر في ظل الجهود المبذولة للحفاظ على مبيعات العملاء.

وبشأن القطاعات المتضررة، أوضح المؤشر أن التباطؤ الأخير كان قويا بشكل خاص في الإنشاءات والجملة والتجزئة، إذ أشارت البيانات الأخيرة إلى انخفاض حاد في الإنتاج ضمن هذه الفئات، وكان نشاط قطاعي الصناعة والخدمات أكثر استقرارا نسبيا الشهر الماضي.

ووصف الباحث الاقتصادي ديفيد أوين -من مجموعة "آي إتش إس ماركت" التابع لها مؤشر مديري المشتريات- بداية القطاع الخاص المصري غير المنتج للنفط مطلع العام الجاري بأنها "مخيبة للآمال، إذ أدى تراجع معدلات الطلب إلى تراجعات أقوى في الإنتاج والأعمال الجديدة"، لكنه أشار إلى أن الشركات ظلت واثقة إلى حد كبير من أنها ستتغلب على العاصفة الاقتصادية الحالية وستشهد زيادة في النشاط خلال 12 شهرا المقبلة.

هيمنة الدولة

وتشتكي شركات في القطاع الخاص المصري من هيمنة الدولة على الاقتصاد، مما دفع الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى التعليق على ما أثير في الفترة الأخيرة بشأن مزاحمة شركات الحكومة والجيش القطاع الخاص بشكل يخلق منافسة غير عادلة بين القطاعين، وقال إن إحدى شركات القطاع الخاص -لم يسمها- حصلت على أعمال بقيمة 75 مليار جنيه (4.7 مليارات دولار) بواقع 11 مليار جنيه سنويا خلال السنوات السبع الماضية (الدولار يساوي 15.75 جنيها).

وقال السيسي خلال افتتاح مجمع إنتاج البنزين في شركة أسيوط لتكرير البترول بمحافظة أسيوط في صعيد مصر، نهاية العام الماضي؛ إن "القطاع الخاص شريك أساسي في التنمية وله دور محوري ونسعى إلى زيادته"، مشيرا إلى أنه يقدر ما يقال في هذا الشأن، وكذلك يقدر حسن نوايا أصحابه.

ورأى مراقبون حينها أن حديث السيسي يعد بمثابة رد رسمي غير مباشر على تصريحات الملياردير ورجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، التي أدلى بها في وقت سابق إلى إحدى الصحف الأجنبية وأثارت جدلا كبيرا، إذ تحدث عن عدم قدرة القطاع الخاص على منافسة شركات الدولة والجيش التي تستحوذ على أغلب المشروعات.

الدولة تعوض الانكماش

وفي سياق تعليقها على التفاوت بين تراجع أداء القطاع الخاص وزيادة نمو الاقتصاد المصري، قالت وكيلة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة للدراسات العليا والبحوث سابقا الدكتورة أمنية حلمي إن "البيانات الأخيرة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي تؤكد أن الاقتصاد المصري سوف ينمو بمعدلات أكبر مما كانت متوقعة؛ ما يؤكد أنه يسير بشكل إيجابي، وهذه البيانات تتعلق بالاقتصاد الكلي وليس بالضرورة أن يسير القطاع الخاص بنفس تلك الوتيرة".

وأوضحت في حديثها للجزيرة نت أن التراجع في أداء القطاع الخاص يمكن أن يعوضه النمو في القطاعين الحكومي والعائلي، ويعود التراجع في أداء القطاع الخاص إلى تراجع المبيعات والإنتاج نتيجة الإحجام عن الشراء وارتفاع أسعار المواد الخام وزيادة تكلفة الإنتاج وتراجع إنتاجية العمال؛ التي تسببت فيها تداعيات جائحة كورونا وسلالاتها الجديدة، وكلها عوامل سلبية مؤثرة.

ويعود الفضل في النمو الاقتصادي الكلي وتجاوزه أزمة القطاع الخاص -حسب أمنية حلمي- إلى حجم الإنفاق الحكومي الكبير، وضخ استثمارات بعشرات المليارات في قطاعات مختلفة من الاقتصاد المصري، خاصة البنية التحتية، ويمكن اعتبارها استثمارات نجحت إلى حد كبير في تعويض التراجع الحاصل لدى نشاط القطاع الخاص.

تفاؤل حكومي

وعلى مستوى الاقتصاد الكلي، تبدو هناك نظرة أكثر تفاؤلا، إذ رفع البنك الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد المصري ليصل إلى 5.5% خلال العام المالي الجاري 2021-2022، وأرجع ذلك إلى عدة أسباب من بينها ارتفاع الصادرات ونمو قطاع الغاز الطبيعي، وزيادة إيرادات السياحة وتبني مشروعات قومية كبيرة.

كما رفع صندوق النقد الدولي مؤخرا تقديراته لنمو الاقتصاد المصري إلى 5.6%، متجاوزا تقديرات البنك الدولي الأخيرة بنسبة 0.1%، وبذلك تصبح مصر الدولة الوحيدة بين البلدان المستوردة للنفط التي تحقق نموا إيجابيا.

وتوقع وزير المالية المصري محمد معيط أن يتجاوز النمو الاقتصادي هذه الأرقام، وقال إن "هناك توقعات بتخطي معدل النمو الاقتصادي كل هذه التقديرات المعلنة ليسجل 5.7%؛ بما يعكس صلابة الاقتصاد المصري وتماسكه وقدرته على التعافي من تداعيات جائحة كورونا، واحتواء الصدمات الخارجية".

وأعرب الوزير -خلال التقرير "نصف السنوي عن الأداء الاقتصادي والمالي"- عن تفاؤله بشأن تسجيل الاقتصاد المصري معدلات نمو إيجابية تفوق مستهدفات الحكومة، وتقديرات مؤسسات التمويل والتصنيف الدولية خلال العام المالي الحالي، مشيرا إلى أن المشروعات التنموية أسهمت في تحريك عجلة الاقتصاد القومي، وتنوع هيكل النمو.

التوصيف: القطاع الخاص بمصر يواصل الانكماش وينخفض لأدنى مستوى في 9 أشهر (الجزيرة نت) انخفضت مستويات الإنتاج بالقطاع الخاص بأقوى وتيرة في أكثر من عام ونصف (الجزيرة نت) ضعف طلب العملاء والضغوط التضخمية أدى إلى استمرار انكماش القطاع الخاص بمصر (الجزيرة نت) المصدر: مراسل الجزيرة نت المكان: مدينة 7 أكتوبر/ مول تجاري الزمان: 2021-2020
ضعف طلب العملاء والضغوط التضخمية أديا إلى استمرار انكماش القطاع الخاص بمصر (الجزيرة نت)

الدولة في مواجهة القطاع الخاص

ويرى أستاذ الاقتصاد عبد النبي عبد المطلب أنه رغم ارتفاع التضخم في العالم يتوقع صندوق النقد والبنك الدوليان حدوث معدلات نمو قوية لم نسمع عنها منذ فترة طويلة، وبالتالي فإن طرح نسبة التضخم من النمو يعطينا حجم النمو الحقيقي في أي بلد.

وتسارع معدل التضخم السنوي في مصر إلى 6.5% في ديسمبر/كانون الأول الماضي، صعودا من 6.2% في نوفمبر/تشرين الثاني، حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي).

وأضاف عبد المطلب للجزيرة نت أن قطاع الإنشاءات -الذي يعد أحد أهم مكونات نشاط القطاع الخاص- تضرر نتيجة قرار حظر البناء وسن تشريعات جديدة تنظم عمليات التشييد والبناء؛ وبالتالي فإن توقف هذا القطاع أدى إلى تراجع أحد مؤشرات نمو القطاع الخاص، في حين أدت هيمنة الدولة المصرية على سوق المقاولات بمبالغ طائلة إلى نمو الاقتصاد المصري الكلي.

ورأى الخبير الاقتصادي أن الفترة التي سيظهر فيها حجم القطاع الخاص هي ما بعد افتتاح العاصمة الإدارية وبدء النشاط اليومي فيها، إذ ستتضح ملامح علاقة شركات الدولة بالاقتصاد المصري؛ هل ستستمر مهيمنة ومسيطرة أم تفسح المجال أكثر للقطاع الخاص؟ مشيرا إلى أن استمرار انكماش هذا القطاع يؤثر على التوظيف وإجمالي الدخل المتاح للإنفاق بحيث تتراجع القدرة الشرائية للمواطن.

وأعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أن الصادرات المصرية خلال 2021 حققت أعلى عائد في تاريخها مسجلة 45.2 مليار دولار، وبنسبة زيادة بلغت 90% منذ بدء تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي.

وأرجع مدبولي الزيادة الكبيرة إلى الارتفاع في حجم الصادرات غير البترولية التي وصلت إلى 32.34 مليار دولار، مسجلة نموا وصل إلى 30% مقارنة بعام 2020، والصادرات البترولية التي وصلت إلى 12.9 مليار دولار مسجلة معدل نمو بلغ 90% مقارنة بعام 2020.

المصدر : الجزيرة