هل تستطيع واشنطن تعويض أوروبا عن الغاز الروسي؟

يخشى الغرب أن يقوي خط الغاز الجديد من النفوذ الروسي على القارة الأوروبية أو أن يصبح وسيلة تمكّن موسكو من ابتزاز حلفاء أميركا الأوروبيين

الولايات المتحدة زادت شحناتهما من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا في الأسابيع الأخيرة (رويترز)

واشنطن – في مؤتمر صحفي جمعه بالمستشار الألماني أولف شولتز، قال الرئيس جو بايدن "إذا غزت روسيا أوكرانيا، بمعنى أن تعبر الدبابات أو الجنود حدود أوكرانيا، فلن يكون هناك خط نورد ستريم 2 (Nord Stream 2) بعد ذلك، وسننهي ذلك، أعدك أننا سنكون قادرين على القيام بذلك".

ومن جانبه أقر المستشار الألماني الجديد خلال زيارته الأولى للولايات المتحدة، بأنه "لن يكون هناك خط نورد ستريم 2 إذا وقع غزو من قِبل روسيا".

ويصف البيت الأبيض خط نورد ستريم 2 بأنه أحد الأوراق التي يمكن استغلالها لمنع الغزو الروسي المتوقع لأوكرانيا، وينتظر أن ينقل نورد ستريم 2 الغاز الطبيعي، من خلال خط أنابيب عملاق يبدأ من روسيا ويمر في بحر البلطيق، متجنبا المسار الأرضي الحالي الذي يمر عبر الأراضي الأوكرانية وصولا للأراضي الألمانية.

وكانت إدارة بايدن قد ألغت العقوبات المفروضة على خط الأنابيب العام الماضي كجزء من محاولة لإعادة بناء العلاقات مع ألمانيا.

وقد تم الانتهاء من مشروع خط الأنابيب، لكنه لا يزال ينتظر عدة موافقات بيروقراطية من الحكومة الألمانية وهيئات الاتحاد الأوروبي، ستستغرق عدة أشهر قبل أن يبدأ في ضخ الغاز.

ويخشى الغرب أن يقوي خط الغاز الجديد من النفوذ الروسي على القارة الأوروبية، أو أن يصبح وسيلة تمكّن موسكو من ابتزاز حلفاء أميركا الأوروبيين.

أزمة أوكرانيا وسلاح الغاز الروسي

في عام 1981، وأثناء الحرب الباردة، فشل الرئيس الأميركي آنذاك رونالد ريغان في محاولاته عرقلة مد خط أنابيب الغاز الطبيعي السوفياتي الممتد لدول غرب أوروبا، وحذر ريغان حلفاء واشنطن الأوروبيين من اعتمادها المتزايد على الطاقة الروسية، وحث القارة على البحث عن موردين بديلين سواء في آسيا أو شمال أفريقيا.

وبعد أكثر من 40 عاما يتكرر الموقف نفسه في ظل تعقيدات جيوسياسية مماثلة مرتبطة بتوتر علاقات روسيا بالغرب بسبب الأزمة الأوكرانية، واستمرار اعتماد القارة الأوروبية في جانب كبير منها على الغاز الروسي للتدفئة خلال أشهر الشتاء، ويؤكد الرئيس جو بايدن أن إدارته تعمل مع الاتحاد الأوروبي لتحديد مصادر أخرى للغاز الطبيعي من مناطق منها شمال أفريقيا ودول شرق أوسطية، إضافة للغاز الطبيعي الأميركي، وتعتمد أوروبا على روسيا فيما يقارب 40% من استهلاكها.

ومع بدء تحريك روسيا قواتها نحو الحدود مع أوكرانيا، توقفت موسكو عن بيع إمدادات الغاز مبكرا بموجب عقود طويلة الأجل كما جرت العادة، وتوقفت عن توفير أي إمدادات أخرى من خلال آلية السوق الفوري. ونتج عن الخطوة الروسية ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في الدول الأوروبية إلى نحو 5 أو 6 أمثال مستوياتها المعتادة.

وبسبب الإمدادات المتراجعة، فإن كميات الغاز الطبيعي المخزنة في أوروبا، والتي كانت تستخدم مخزونا إستراتيجيا يمكن أن يساعد أوروبا على تحمل أزمات سوق الطاقة الطارئة، ووصلت إلى أدنى مستوياتها منذ أزمة عام 2011، وفقا لبيانات المجموعة التجارية لبنية الغاز الأساسية في أوروبا.

وبحسب العديد من المحللين، تدرس واشنطن من يمكن أن يتم اللجوء إليه في حال تقليص روسيا إمدادات الطاقة إلى أوروبا، حال فرض واشنطن والغرب عقوبات جديدة صارمة على روسيا لدى غزوها الأراضي الأوكرانية، إضافة للمخاوف من ارتفاع جنوني إضافي متوقع في الأسعار إذا بادرت روسيا بوقف إمداداتها من الغاز.

بدائل الغاز الروسي

في إفادة صحفية قبل أيام، قال مسؤول رفيع المستوى في إدارة بايدن إن الولايات المتحدة أجرت مناقشات مع كبار منتجي الغاز الطبيعي في شمالي أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، وكذلك داخل الولايات المتحدة، حول قدرتهم واستعدادهم "لزيادة" إنتاجهم من الغاز الطبيعي مؤقتا للمشترين الأوروبيين.

وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، "إذا قررت روسيا تسليح إمداداتها من الغاز الطبيعي أو النفط الخام، فلن يكون ذلك من دون عواقب على الاقتصاد الروسي".

وبإغراء من ارتفاع الأسعار، زادت الولايات المتحدة شحناتهما من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا في الأسابيع الأخيرة، ويرى خبير الطاقة الأوروبي جورج زاكمان أنه "على الرغم من انخفاض احتياطات الغاز في أوروبا، فإنها قد تصمد أمام قطع كامل للغاز الروسي لهذا الشتاء، لكن الأمر الأصعب بكثير هو وقف أطول للإمدادات التي ستتركها من دون ما يكفي من الغاز للأشهر القادمة".

وشهد شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي توجّه 95 ناقلة نفط من الولايات المتحدة إلى أوروبا، وارتفعت الصادرات الأميركية إلى أوروبا خلال فصل الشتاء بنحو 15% عما كانت عليه قبل عام، وفقا لبيانات شركة "إس أند بي غلوبال بلاتس" (S&P Global Platts).

وفي الوقت الذي تبحث فيه أوروبا عن بدائل للغاز الروسي، تحدث عدد من المراقبين عن قدرة الجزائر وقطر على توفير نسبة كبيرة من الغاز بديلا عن الغاز الروسي، إلا أن ذلك لا يكفي لطمأنة الأوروبيين.

واعتبر وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، خلال زيارة أمير قطر لواشنطن الشهر الماضي، أن "مسألة الطاقة تحتاج لعمل جماعي"، مؤكدا أن "قطر تتطلع لمنافسة روسيا والولايات المتحدة ومنافسة الجميع بمجال الطاقة".

وفي تصريحات صحفية، قال الوزير القطري "لن نكون جزءا من صراع أو استقطاب سياسي بوصفنا دولة قطر، أما المنافسة التجارية في مجال الطاقة فهي منافسة مفتوحة، ونتطلع لمنافسة روسيا والولايات المتحدة ومنافسة الجميع، بحكم أن قطر من أكبر مصدري الغاز المسال".

أما الجزائر، التي تعد ثالث أكبر مزود للغاز لدول الاتحاد الأوروبي بعد روسيا والنرويج، فقد صدرت العام الماضي عن طريق خطوط أنابيب ممتدة عبر البحر المتوسط إلى إسبانيا وإيطاليا، فضلا عن محطة للغاز الطبيعي المسال، حوالي 34 مليار متر مكعب من الغاز إلى دول الاتحاد الأوروبي، أي ما نسبته 8% من إجمالي واردات القارة، وفقا للمكتب الإحصائي للاتحاد الأوروبي.

وبعد أن عززت الجزائر قدرتها الإنتاجية، فإنها على استعداد لزيادة الصادرات إلى القارة الأوروبية، إلا أن ذلك لن يعوض إلا نسبة لا تتخطى 15% من الغاز الروسي، طبقا لتقارير شركة إس أند بي غلوبال بلاتس.

وتقول أنجيلا ستينت، المسؤولة السابقة بإدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما وخبيرة شؤون الطاقة بمعهد بروكينغز، إن "الأوروبيين قد يتغلبون على معضلة الغاز حاليا عن طريق البدائل الأميركية والمصادر الأخرى، لكن سيتعين عليهم البدء في التخطيط لمستقبل لا يمكنهم فيه الاعتماد على إمدادات الغاز المعرضة للمخاطر".

المصدر : الجزيرة