ما دلالة شكوى الاتحاد الأوروبي ضد مصر لدى منظمة التجارة العالمية؟

علمي مصر والاتحاد الأوروبي
اقتصاديون ومستوردون توقعوا التوصل إلى تسوية بين مصر والاتحاد الأوروبي (شترستوك)

القاهرة – يبدو أن الاتحاد الأوروبي سيدفع الحكومة المصرية إلى طرح القرار المثير للجدل والخاص بتسجيل المصانع التي تصدر منتجاتها الجاهزة إلى مصر على طاولة المفاوضات، بسبب تضرر الشركات الأوروبية من القرار الذي يحمل رقم 43 لعام 2016 ويفرض قيودا على مجموعة واسعة من السلع.

وتوقع خبراء اقتصاد ومستوردون مصريون في تصريحات خاصة للجزيرة نت أن تبدأ مصر والاتحاد الأوروبي مفاوضات تهدف للتوصل إلى تسوية بين الطرفين أو إلغاء القرار الذي أثار الكثير من اللغط بين مؤيد ومعارض، حيث قالت الحكومة إنه يهدف إلى ضمان جودة المنتجات المستوردة والحفاظ على صحة وسلامة المستهلك المصري، فيما رفضه البعض الآخر باعتباره يكرس احتكار بعض الشركات ويعرقل الإنتاج المحلي الذي يعتمد على المواد الخام المستوردة.

وكان الاتحاد الأوروبي (أحد أهم الشركاء التجاريين لمصر) بدأ قبل أيام باتخاذ إجراءات قانونية أمام منظمة التجارة العالمية ضد الحكومة المصرية بشأن نظام تسجيل الواردات الذي يفرض قيودا على مجموعة واسعة من السلع بدءا من المنتجات الزراعية إلى الأجهزة المنزلية.

ووصفت المفوضية الأوروبية -التي تشرف على السياسة التجارية للاتحاد الأوروبي- عملية التسجيل بأنها عشوائية وقد تستغرق أعواما، مضيفة أن السلطات المصرية لم تتعامل مع طلبات قدمتها العديد من شركات الاتحاد على مدى فترات طويلة.

بدوره، اعتبر المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي فالديس دومبروفسكيس -في بيان- أن عملية التسجيل هي قيود غير قانونية على الواردات بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية، مما أدى إلى تراجع صادرات الاتحاد من 29 فئة معنية من السلع بنسبة 40% بعد أن فرضت مصر تسجيل الواردات في 2016.

رد الحكومة المصرية

في أول رد فعل رسمي، قالت وزارة التجارة والصناعة المصرية -في بيان- إن الاتحاد الأوروبي لم يتقدم بطعن أمام منظمة التجارة العالمية ضد الاشتراطات المصرية لتسجيل الواردات، إنما تقدم بطلب لبدء مشاورات مع الحكومة المصرية.

ووفقا لأحكام المادة الرابعة من تفاهم تسوية المنازعات في منظمة التجارة العالمية -بحسب البيان- فإن المشاورات تستمر لمدة 60 يوما ويحق بعدها للطرف المتضرر التقدم بطعن ما لم يتم التوصل إلى حل يرضي الطرفين.

 

 

وكانت وزيرة التجارة والصناعة نيفين جامع قد انتقدت القرار، بحسب وسائل إعلام محلية.

وقالت الوزيرة إن القرار 43 لسنة 2016 والخاص بتسجيل المصانع الموردة لدى هيئة الرقابة على الصادرات والواردات صدر دون مرجعية تطبيق أو عمل، ونجري حاليا تجهيز رؤية لكيفية تطبيقه، مشيرة إلى استمرار العمل بهذا القرار المهم.

ما هو القرار رقم 43؟

مطلع عام 2016 أصدرت وزارة التجارة والصناعة المصرية قرارا حمل الرقم 43 وينص على إنشاء سجل للمصانع المؤهلة لتصدير بعض المنتجات إلى مصر، ومنع الإفراج عن المنتجات الواردة بصفة الاتجار إلا إذا كانت من إنتاج المصانع المدرجة في السجل، وذلك بهدف ضمان جودة المنتجات المستوردة.

وحدد القرار بعض السلع، من بينها الألبان ومنتجاتها، والفواكه المستوردة، والزيوت، والمصنوعات السكرية، وسجاد وأغطية أرضيات، وملابس ومنسوجات ومفروشات، ومستحضرات تجميل، وأجهزة الإنارة للاستخدام المنزلي، والأثاث المنزلي والمكاتب، وألعاب الأطفال، والأجهزة المنزلية مثل التكييف والثلاجات والغسالات، والزجاج، وحديد التسليح، والشوكولاتة، والورق.

وأضافت الوزارة قرارا آخر حمل رقم 44 لسنة 2019 بضم نحو 4 سلع جديدة -وهي الهواتف المحمولة والحقائب وأصناف خاصة بنقل وتعبئة البضائع (علب، صناديق، أكياس) وأصناف مماثلة، وأدوات الحلاقة- إلى القرار 43 لسنة 2016 والخاص بتسجيل المصانع الموردة.

مصير القرار

بدوره، توقع رئيس شعبة المستوردين في الغرفة التجارية بالقاهرة سابقا أحمد شيحة أن تعيد الحكومة المصرية النظر في القرار وتقوم بإلغائه، خاصة بعد مطالب الاتحاد الأوروبي الأخيرة وتضرر بعض المستوردين والمصنعين في مصر أيضا منه.

وأوضح شيحة في تصريحات للجزيرة نت أن القرار صدر في فترة من الفترات للسيطرة على البضائع غير معروفة المنشأ، مضيفا "لكني أعتقد أنها انتهت، ونحن بحاجة شديدة لإلغاء القرار كمواطنين ومستوردين ومصنعين، لأنه لا يعود بالفائدة على الاقتصاد أو السوق المصري، خاصة أن نظام الاستيراد الآن يخضع لإجراءات ومعايير دولية بما فيها البيانات الخاصة بالمصانع والشركات الموردة والمعتمدة من الغرف التجارية في بلد التصدير والمنشأ".

وقال إن تقليل فاتورة الواردات لا يمكن الاعتداد به كسبب لاستمرار القرار، بل قد يؤثر على الاقتصاد المصري الذي يعتمد على استيراد المواد الخام في نحو 80% من المنتجات، سواء المحلية أو التي تقوم الشركات بتصديرها.

وطالب رئيس لجنة التجارة الخارجية في الشعبة العامة للمستوردين باتحاد الغرف التجارية أحمد الملواني وزارة التجارة والصناعة بضرورة إلغاء القرارين 43 و44.

وأشار الملواني إلى أن هذه القرارات تسببت في ارتفاع الأسعار واحتكار السوق المصري من قبل فئة قليلة من المستوردين الذين تمكنوا من تسجيل المصانع، ليتمكنوا بذلك مع التحكم في الأسعار في ظل غياب المنافسة.

الاتحاد الأوروبي ينتقد القيود المفروضة على الواردات الأوروبية (الجزيرة نت)
الاتحاد الأوروبي ينتقد القيود المفروضة على الواردات الأوروبية (الجزيرة)

تسوية قبل الأزمة

من جهته، لم يستبعد رئيس منتدى التنمية والقيمة المضافة الدكتور أحمد خزيم أن تصل مفاوضات مصر والاتحاد الأوروبي إلى تسوية تضمن حلا يرضي الطرفين، قائلا "من حق الحكومة المصرية فرض الاشتراطات الخاصة بها من أجل تقليل فاتورة الواردات في الأساس، وحماية المستهلك من المنتجات غير معروفة المصدر".

وأضاف خزيم للجزيرة نت أن كل طرف يبحث عن مصلحته الخاصة، والحكومة المصرية تعاني فجوة كبيرة في عجز الميزان التجاري ونقصا في العملة الصعبة، وبالتالي فهي مطالبة بتقليل الواردات من خلال إصدار قرارات خاصة تحد من فاتورة الاستيراد، ولكن في نهاية المطاف ستكون هناك تسوية للقضية حتى لا تصل إلى أزمة.

الشريك التجاري الأكبر

ويعد الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لمصر، حيث يستحوذ على 24.5% من حجم التجارة المصرية في عام 2020، وتستورد مصر أكثر من ربع وارداتها من الاتحاد، فيما تبلغ الصادرات مصر إليه نحو 21.8%.

وارتفع عجز الميزان التجاري بين مصر والاتحاد الأوروبي لصالح الأخير إلى 10.5 مليارات دولار في 2021/2020 مقارنة بـ9.8 مليارات دولار في 2020/2019، وفق بيانات البنك المركزي المصري.

وفي عام 2020 بلغ إجمالي قيمة التبادل التجاري بين مصر والاتحاد الأوروبي 24.5 مليار يورو، وبلغت صادرات مصر للاتحاد 6.4 مليارات يورو، وتعتبر مصر ثاني أكبر مستقبل للاستثمار الأجنبي المباشر الأوروبي والأكبر في أفريقيا.

المصدر : الجزيرة