هل تستطيع حكومة العراق اعتماد موازنة للعام 2023 بعد غيابها العام الماضي؟

New Iraqi Prime Minister Mohammed Shia al-Sudani attends the first regular session of the Council of Ministers in Baghdad
من أولى تحديات حكومة السوداني اعتماد موازنة عامة للبلاد (رويترز)

بغداد – يفصلنا عن انتهاء العام أقل من شهرين ولا يزال العراق بلا موازنة مالية عامة، بعدما عجزت الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي عن إرسالها إلى البرلمان العراقي الذي يقوم بمراجعتها واعتمادها، فهل تستطيع الحكومة الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني تجاوز السلبيات التي حدثت جراء غياب الموازنة، وتسن واحدة جديدة للعام القادم؟

أسباب غياب الموازنة

هناك أسباب عديدة أدت لغياب قانون موازنة 2022، كما أن هناك قوانين عدة متعلقة بالجوانب المالية والاقتصادية ما زالت في رفوف البرلمان العراقي ولم تُشرع لغاية اليوم، ويحدد الباحث الاقتصادي حيدر الربيعي أبرز تلك الأسباب في الصراع السياسي والأمني الذي دار بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري، وما تبعه من عدم حسم اختيار رئيس الجمهورية ورئاسة الحكومة لأكثر من عام منذ انتخابات العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وأوضح الربيعي للجزيرة نت أن من أهم القوانين المُعطلة هو قانون الموازنة الذي يعد الشريان الاقتصادي والمالي الأهم للبلاد، وتعطل قوانين اقتصادية أخرى منها قانون الاستثمار الصناعي والمعدني والتجاري، فضلا عن قانون الشراكة بين القطاعات العامة والخاصة، وقوانين أخرى.

ويحمل الربيعي الكتل والتيارات السياسية مسؤولية الإخفاقات الاقتصادية للبلاد، وتعطيل القوانين كون تشريعها بحاجة لجهود سياسية تعمل لمصلحة الدولة والشعب العراقي.

مظهر محمد صالح (مواع التواصل الاجتماعي)
صالح لفت إلى أن قانون الإدارة المالية كان بديلا لتسيير شؤون المالية العامة بالبلاد، مع غياب الموازنة العامة (مواقع التواصل)

كيفية الإدارة والموازنة غائبة؟

يتحدث المستشار المالي للحكومة العراقية الدكتور مظهر محمد صالح -للجزيرة نت- عن كيفية إدارة الدولة العراقية شؤونها الاقتصادية في ظل غياب الموازنة بالقول إن قانون الإدارة المالية النافذ كان بديلا استثنائيا مهما لتسيير شؤون المالية العامة في البلاد، مع غياب الموازنة العامة.

وأوضح أنها سياسة مالية محددة تمارس من خلالها آليات الصرف داخل الاقتصاد العراقي بما يماثل المصروفات الجارية الفعلية التي صرفت بشكل متعاقب في العام السابق 2021، وعلى وفق قاعدة صرف 1/12 شهريا (بمعنى أن يتم اعتماد الصرف الشهري وفقا للموازنة العامة السابقة).

مناف الصائغ
الصائغ رأى أن هناك تأثيرات حادة على الاقتصاد نتيجة غياب الموازنة (الجزيرة نت)

تأثيرات سلبية

أدى غياب الموازنة لظهور تأثيرات سلبية على المواطن العراقي، يحددها حيدر الربيعي في زيادة معدلات البطالة والفقر نتيجة تعثر الإنفاق الاستثماري داخل الموازنة، مطالبا بضرورة تضمين قانون الموازنة المقبل فقرات واضحة "تعالج ارتفاع البطالة البالغة 16.5% والفقر 25% من مجموع السكان البالغ أكثر من 40 مليون نسمة، والتضخم المرتفع إلى 12.3%، إضافة للحد من ارتفاع أسعار السلع المستوردة عن طريق دعم المنتج المحلي".

من جهته اعتبر الاستشاري في السياسات العامة العراقية مناف الصائغ أن هناك تأثيرات حادة على الاقتصاد نتيجة غياب الموازنة، من خلال عدم إقامة الدولة مشاريع استثمارية جديدة في المحافظات، وعدم التمكن من إنجاز مشاريع البناء والإعمار في المحافظات التي كانت تحت قبضة تنظيم الدولة الإسلامية، كما أنه أعطى إشارة سلبية للمستثمرين بسبب سوء الأوضاع.

ولفت الصائغ إلى أن غياب الموازنة أدى لتوقف ترفيعات وعلاوات الموظفين، فضلا عن غياب تثبيت نفقات الدولة ووارداتها بشكل مدروس ومخطط له، بالإضافة إلى بقاء جزء كبير من المال العام غير مستغل بصورة صحيحة وارتفاع نسبة الانكماش في الأسواق العراقية.

زينب الموسوي حكومة الكاظمي لم تقدم برنامجا اقتصاديا لسداد الديون بل عملت على رفعها (الجزيرة نت) copy
زينب الموسوي: موازنة 2023 ستختلف عن سابقاتها بوجود شق استثماري معتبر (الجزيرة نت)

موازنة 2023

برنامج الحكومة الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني جعل على رأس أولياته دفع مسودة قانون الموازنة لعام 2023 إلى البرلمان، إذ تحدثت عن ذلك وزيرة المالية العراقية طيف سامي في بيان اطلعت عليه الجزيرة نت قائلة إن "إقرار مشروع قانون الموازنة للعام المقبل سيتم قبل نهاية هذا العام الجاري".

وبخصوص هذه الموازنة، فقد حددت ملامحها عضوة اللجنة الاقتصادية في البرلمان النائبة زينب جمعة الموسوي بأنها مقدرة بين 130 و150 مليار دولار، معتمدة سعر صرف برميل النفط الواحد بين 70 و75 دولارا.

وقالت الموسوي للجزيرة نت إن موازنة 2023 ستختلف عن سابقاتها بوجود شق استثماري معتبر يتناسب مع البرنامج الحكومي الجديد للسوداني لتقديم الخدمات، إضافة لاعتمادها على القروض لتنفيذ مشاريع إستراتيجية محددة.

وألمحت البرلمانية إلى وجود موارد جديدة للموازنة مثل مكافحة الفساد الذي يتوقع أن يوفر ملايين الدولارات، واستثمار السياحة وتنشيط الزراعة والصناعة والصناعات التحويلية وغيرها، في وقت كشفت فيه عن "تضمين الموازنة مخصصات البترودولار للمحافظات النفطية".

أما بشأن التوظيف، فلا تؤكد الموسوي في حديثها تضمينها حاليا في موازنة العام المقبل لغاية الآن، "لكن الأيام قد تُغيير من ذلك".

المرسومي انتقد الموازنات عامة ورأى أنها تُركز على الإيرادات المالية دون الاهتمام بالتخطيط المتوسط أو الطويل (الجزيرة نت)

موازنة البرامج والأداء

أما الأكاديمي الاقتصادي في جامعة المعقل في البصرة (جنوبي العراق) الدكتور نبيل المرسومي فيرى أنه سيتم اختيار موازنة البرامج والأداء التي تهتم بتبويب موازنات الوحدات الإدارية لوظائف وبرامج رئيسية وفرعية يربط بينها وبين البيانات المالية، وهي تزود الإدارة العامة بوسائل القياس الدقيقة مثل كلفة الوحدة وقياس العمل ومعدلات الأداء.

ويوضح المرسومي -في حديثه للجزيرة نت- أن الموازنة تركز على تأثير الإنفاق الحكومي على المواطن من خلال تقديم الخدمات المختلفة وانعكاسها عليه وعلى الاقتصاد الكلي، وتركز أيضا على الأعمال والأنشطة التي تقوم بها الوحدات الإدارية، فيتم رصد المبالغ للبرنامج الذي تقوم به الوزارة وليس للوزارة ذاتها.

وختم المرسومي حديثه منتقدا الموازنة العامة العراقية بشكل عام، قائلا إنها تُركز على تحقيق الإيرادات المالية دون الاعتبار للتخطيط المتوسط أو طويل الأجل، ولا يتم تقيم العوامل الإنتاجية والنفقات العامة بسبب عدم التركيز على الاستخدام الأمثل للموارد المالية.

المصدر : الجزيرة