مصر.. ارتفاع أسعار مواد البناء يعزز ركود سوق العقارات

الطلب على مواد البناء تراجع بأكثر من 70% في مصر منذ مطلع العام

قطاع العقارات في مصر تراجع بنحو 50% خلال 2020 بسبب كورونا (رويترز)

القاهرة – في إطار مسلسل مستمر لارتفاع أسعار مواد البناء بمصر منذ سنوات، شهد القطاع ارتفاعا لافتا الشهر الماضي، بنسبة تجاوزت 70% في بعض الأصناف، حسبما رصدته النشرة الشهرية الصادرة عن وزارة الإسكان المصرية، ما سيلقي بظلاله على قطاع العقارات بشكل خاص، وقطاعات أخرى، حسب مراقبين وخبراء.

وحسب البيانات الرسمية لوزارة الإسكان، فقد سجل طن الحديد خلال يونيو/حزيران 2021 ارتفاعا وصل 14500 جنيه على أرض المصنع (نحو 925 دولارا)، صعودا من 9600 جنيه (نحو 610 دولارات) ‏في الفترة نفسها من العام الماضي، بنسبة زيادة بلغت 51%.

فيما ارتفع سعر المتر المكعب من الخشب السويدي الأبيض ‏من 5800 جنيه (370 دولارا) إلى 10 آلاف (637 دولارا) بنسبة زيادة بلغت 72.4%، وارتفعت أسعار الألومنيوم -ملوّنا كان أم فضيا- بنسبة تخطت 40%، ‏والإسمنت بنسبة 13.3%، ‏والزلط بنسبة 15.4%، والجير بنسبة 33.3%، والزجاج بنسبة 44%.‏

وبخلاف حالة الركود التي يعيشها سوق العقارات منذ فترة لأسباب مختلفة أبرزها تداعيات تفشي وباء كورونا، وتشدد الحكومة في ملف التراخيص وما فرضته من رسوم عالية مقابل التصالح، فإن هذه الزيادة دفعت مراقبين إلى توقع تفاقم أزمة السوق خلال ما بقي من العام الجاري.

وحسب تقديرات مراقبين، نشرتها وسائل إعلام محلية الشهر الماضي، فإن الطلب على مواد البناء تراجع بأكثر من 70% في مصر منذ مطلع العام، على خلفية الأسباب السابقة، الأمر الذي زاد حدة الركود، وتجميد كثير من المطورين العقاريين نشاطهم إلى حين اتضاح الرؤية.

وعلى خلفية زيادات سابقة شهدها سوق مواد البناء بمصر، قالت شعبة مواد البناء في الغرفة التجارية بالقاهرة، عبر بيان لها في مايو/أيار الماضي، إن سوق مواد البناء يعاني ركودا كبيرا، مؤكدة أن السوق المصري لا يتحمل هذه الزيادات في أسعار مواد البناء بشكل عام والحديد بشكل خاص.

ارتفاع منطقي

وفي هذا السياق، يرى أسامة الشريف، وهو مقاول وصاحب مجموعة شركات "فيوتشر غروب" (Future Group)، أن الزيادة الأخيرة لأسعار مواد البناء "منطقية" في إطار توجه الدولة إلى الإنشاء السريع لمدن جديدة كالعاصمة الإدارية، ومشروعات أخرى كالكباري والطرق، الأمر الذي أدى إلى زيادة طلب شركاتهم المنفذة على مواد البناء.

ويرى في حديثه للجزيرة نت، أن إحجام تجار العقارات عن بيع وشراء أراضي المدن الجديدة، دفع العديد من أصحابها إلى التوجه للإنشاء عليها كحل بديل عن البيع، ما أظهر حالة من زيادة الطلب على مواد البناء، إضافة إلى تأثير جائحة كورونا التي قللت الإنتاج عالميا، ومن ثم ارتفعت أسعار المواد الأولية والمواد الخام عالميا.

ويتوقع الشريف أن يؤدي هذا الارتفاع في أسعار مواد البناء، إلى زيادة أسعار العقارات الجديدة، وبالتبعية أسعار العقارات المعاد بيعها، ما سينتج عنه تفاقم الركود في سوق العقارات وتراجع حركة الشراء، ويعزز ذلك عزوف الكثير من المغتربين عن قضاء إجازاتهم السنوية بمصر كما هو المعتاد، نتيجة سياسات حركة الطيران المتذبذبة.

وفي هذا السياق، يرى الصحفي الاقتصادي طارق الشال، أن تباطؤ النشاط الاقتصادي منذ بدء فيروس كورونا وتداعياته، أدى إلى حالة ركود بجميع القطاعات، ومن ثم فإنه من المنطقي مع عودة النشاط الاقتصادي بشكل نسبي، وارتفاع الطلب وأسعار النفط والشحن عالميا وقلة المعروض، أن يشهد السوق المحلي بمصر هذا التضخم.

ويشير في حديثه للجزيرة نت، إلى أنه مع تراجع قطاع العقارات بنحو 50% خلال 2020 بسبب كورونا، سيشهد القطاع مزيدا من الركود مع تنامي أسعار مواد البناء وعوامل الإدخال الرئيسية، ما سيؤدي إلى تقليص العمالة في شركات القطاع وتوقف بعض مشاريعها، ومن ثم تفاقم ارتفاع أسعار العقارات.

ولفت إلى أن أثر ذلك سيتجاوز القطاع إلى الإضرار بالقطاع المصرفي، كونه يعد أحد القطاعات التي يلجأ إليها العملاء الراغبين في الشراء، كذلك سيرفع من أسعار إنتاج المواد الوسطية أو التحويلية بهذا القطاع، وقطاع الخدماء الذي يعمل فيه العديد من المواطنين في خدمات التسويق والبيع.

لكنه يرى أن هذا الارتفاع لن يشمل ضرره الجميع، فالشركات المحسوبة على الجيش والتي يتم استثناؤها من الضرائب والجمارك لن تطالها تلك الأضرار، الأمر الذي يتيح لها ميزة تنافسية أو احتكارية تمكنها من بناء العقارات بأسعار منخفضة وبجودة عالية مقارنة بالقطاع الخاص.

تباطؤ النشاط الاقتصادي منذ بدء فيروس كورونا وتداعياته، أدى إلى حالة ركود بجميع القطاعات (رويترز)

موجة عالمية

الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام، يربط هذه الزيادات بموجة ارتفاعات أسعار السلع والخدمات على مستوى العالم، والناجمة في تقديره عن بدء الدول والشركات، تخزين السلع على خلفية توقع حدوث انفراجة اقتصادية وعودة عجلة الإنتاج مرة أخرى، الأمر الذي أدى إلى إقبال شديد على المواد الخام والسلع.

ويرى في حديثه للجزيرة نت أن موجة الارتفاع تلك، ستمتد لكل السلع المستوردة بلا استثناء، ومنها مواد البناء، الأمر الذي سيؤثر بالضرورة على قطاع العقار الذي يعاني من الركود أصلا، بسبب ضعف القوة الشرائية لدى المواطن، والقيود التي تم وضعها على عمليات البناء وبدأ تطبيقها مطلع الشهر الجاري.

ويشير في هذا السياق، إلى استغلال التجار والمستوردين القفزات التي تشهدها الأسواق المالية العالمية، رغم الركود الذي يعاني منه السوق المحلي وتراجع المبيعات فيه باستثناء المشروعات الحكومية، وكذلك الخاصة بمجموعة طلعت مصطفى.

وإضافة إلى توقعه شمول موجة ارتفاع الأسعار مختلف السلع، فإن عبد السلام يرى أن ارتفاع أسعار قطاع البناء والتشييد سيكون له أثر إضافي، كونه أحد القطاعات الأساسية المحركة للاقتصاد، فهو حسب قوله، مرتبط بـ100 مهنة، ما سينعكس على قطاعات مختلفة، كأسعار النقل والمواصلات وغيرها.

أما الخبير الاقتصادي، عبد النبي عبد المطلب، فيرى أن هذه الارتفاعات تأتي في مسلسل مستمر منذ فترة، لافتا النظر إلى ارتفاعات سابقة شهدها قطاع مواد البناء، كانت في مراحل أكبر مما شهده السوق مؤخرا.

لكنه في حديثه للجزيرة نت، لم يتوقع أن يترك هذا الارتفاع أثرا لافتا على قطاع العقارات، ولا حتى على قطاع التشييد والبناء، مرجعا ذلك إلى بطء عودة حركة البناء والتشييد، ولا يمنع ذلك حدوث ارتفاعات بسيطة في أسعار العقارات، هي في تقديره طبيعية.

ويتفق عبد المطلب مع المتحدثين السابقين في تجاوز أثر ارتفاع أسعار مواد البناء ليشمل قطاعات أخرى كقطاع النقل، وقطاع خدمات البناء والتشطيبات، وغيرها من القطاعات المرتبطة بشكل مباشر بتصنيع مواد البناء، مثل رسوم الشحن، وتوريد مستلزمات الإنتاج وغيرها.

وفي ظل الركود القديم في سوق العقارات، والزيادة الجديدة في أسعار مواد البناء، فإن عبد المطلب يرى أن المتضرر الأكبر هو المواطن البسيط الذي ربما يضطر إلى الشراء بأسعار مرتفعة لاحتياجات ملحة تدفعه لذلك.

المصدر : الجزيرة