كيف يمكن للضرائب العالمية المفروضة على الشركات أن تدمر الملاذات الضريبية؟

خلصت دراسة أجريت عام 2018 إلى أن حوالي 40% من الأرباح الخارجية للشركات متعددة الجنسيات وقع تحويلها بصورة مفتعلة إلى البلدان منخفضة الضرائب.

الملاذات الضريبية هي الخاسر الأبرز من الصفقة العالمية لتعديل مقدار الضرائب (غيتي)

لطالما كانت الولايات المتحدة هي المسيطرة -كثيرا من الأحيان- في المسائل المتعددة الأطراف. وعندما أعلنت وزيرة الخزانة جانيت يلين -في وقت سابق من العام الجاري- أن الوقت حان لإنهاء "السباق العالمي نحو القاع" فيما يتعلّق بضرائب الشركات؛ أثارت ملاحظاتها محادثات متداخلة حول إمكانيّة عقد صفقة عالمية لتعديل مقدار الضرائب التي تدفعها الشركات متعددة الجنسيات، حيث لا بدّ من دفعها.

وقالت صحيفة "إيكونوميست" (Economist) البريطانيّة في تقريرها إن المحادثات تركز على تغييرين رئيسيين:

  • إعادة توزيع حقوق فرض الضرائب للبلدان التي تنطوي على نشاط اقتصادي، بدلا من الأماكن التي تختار الشركات جني الأرباح فيها.
  • وضع حد أدنى لمعدل الضريبة العالمي الذي سيكون على الأرجح في حدود 15%.

ومن المقرر أن يصرح وزراء المالية من مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى بموافقتهم على هذه القرارات في اجتماع ينعقد في الرابع والخامس من يونيو/حزيران الحالي.

وتوافق مجموعة العشرين -الأوسع نطاقا- على الشروط في أقرب وقت في يوليو/تموز القادم، مما يدفع الدول والأقاليم الـ120 الأخرى -المشاركة في المحادثات- إلى التوافق مع بعضها البعض، فيما توقع وزير المالية الألماني في 26 مايو/أيار الماضي حدوث "ثورة" بقواعد الضرائب العالمية في غضون أسابيع قليلة.

رابحون وخاسرون

وأضافت الصحيفة أن كل الثورات تشمل رابحين وخاسرين؛ وفي هذه الحالة ستكون الاقتصادات الكبيرة هي المنتصر الأبرز، حيث تحقق الشركات متعددة الجنسيات نسبا كبيرة من المبيعات، بينما تجمع ربحا منخفضا نسبيا خاضعا للضرائب، وذلك بفضل التخطيط الضريبي الذي ينقل الدخل إلى الولايات القضائية منخفضة الضرائب. وقد نما هذا التفاوت مع ظهور الشركات الرقمية العملاقة مثل "أمازون" (Amazon) و"آبل" (apple) و"غوغل" (google)، والتي يمكن القول إن أصولها غير ملموسة إلى حد كبير.

فضلا عن ذلك، ستستفيد البلدان النامية التي تقع فيها مصانع الشركات العالمية وأعمالها الأخرى، تقول الصحيفة.

في المقابل، لا تعدّ الاستفادة بالقدر الذي تتوقّعه هذه الشركات. وستكون الملاذات الضريبية هي الخاسر الأبرز، وهي ملاذات تمكّنت -منذ ظهورها قبل أكثر من نصف قرن- من الاستفادة بشكل متزايد في ظل العولمة التي جعلت رأس المال أكثر مرونة.

وقدّمت هذه الملاذات الضريبيّة ما بدا لها أنه منافسة ضريبية ضروريّة، وما رآه كثيرون آخرون أنه سياسة اقتصاديات الجار المتسوّل، وفق تعبير الصحيفة.

يعتقد أحد المسؤولين المنخرطين عن كثب في المحادثات الحالية أن الصفقة التي تتبلور يمكن أن "تقضي على الملاذات (غيتي)

 دراسة

خلصت دراسة أجريت عام 2018 إلى أن حوالي 40% من الأرباح الخارجية للشركات متعددة الجنسيات وقع تحويلها بصورة مفتعلة إلى البلدان منخفضة الضرائب.

ويعتقد أحد المسؤولين المنخرطين عن كثب في المحادثات الحالية أن الصفقة التي تتبلور يمكن أن "تقضي على الملاذات".

مع ذلك، توجد تلك الأماكن المصنفة على أنها ملاذات ضريبية بأشكال وأحجام مختلفة، على غرار جزر الكاريبي الخالية من الضرائب ومراكز منخفضة الضرائب في أوروبا وآسيا.

وأشارت الصحيفة إلى أن الأمور تبدو قاتمة بعض الشيء بالنسبة للمناطق المحاطة بأشجار النخيل والخالية من الضرائب، مثل برمودا وجزر العذراء البريطانية وجزر كايمان.

وعلى الرغم من أنهم لا يحققون ربحا من عائدات ضرائب الشركات؛ فإنهم يعتمدون بدرجات متفاوتة على الرسوم التي تدفعها الفروع التابعة للشركات الكبيرة والصناعات المنزلية التي تشمل المحاسبين والمحامين ومقدمي الخدمات الآخرين الذين يقدّمون خدماتهم على نطاق محلي.

وبحسب الصحيفة، تمثّل العائدات التي يجمعها هؤلاء الأطراف مجرد فتات مقارنة بالضرائب التي توفرها تلك الشركات. في المقابل، تعدّ قيمتها كبيرة بالنسبة لمثل هذه الاقتصادات الصغيرة، حيث شكلت خدمات الشركات والخدمات المالية أكثر من 60% من إيرادات حكومة جزر العذراء البريطانية في عام 2018.

 صفقة

ومن شأن الصفقة التي تقدّمها إدارة جو بايدن -التي ستطبّق الحد الأدنى للمعدل العالمي على كل بلد تلو الآخر وليس بشكل إجمالي- أن تقضي على نموذج الأعمال التي تقدّمه هذه الملاذات. وعلى الرغم من عدم رضاهم؛ فإنهم غير قادرين على فعل أي شيء في هذا الخصوص.

وذكر أحد الدبلوماسيين أن الملاذات الضريبيّة بصدد أن يقع "تحييدهم"، كما أنهم "ليسوا طرفا" في المحادثات المنعقدة و"لا أحد يرغب في الاستماع لهم".

في المقابل، يحظى البعض بمصادر أخرى لتدفقات الإيرادات؛ فعلى سبيل المثال، تمثّل كايمان موطنا لصناديق التحوط، بينما تضمّ برمودا شركات التأمين.

كما اجتذبت العديد من دول الاتحاد الأوروبي -مثل أيرلندا وقبرص- الاستثمارَ من خلال فرض معدل ضرائب منخفض على دخل الشركات (معدّل ضريبة كليهما 12.5%)، أو من خلال قواعد تميّزها بين الهياكل الضريبية، مثلما فعلت لوكسمبورغ وهولندا لمساعدة الشركات على تجنّب دفع الضرائب في البلدان الأخرى.

يمكن للولايات المتحدة وبعض البلدان الأخرى فرض حد أدنى من الضرائب على شركاتها حتى دون إبرام صفقة عالمية (غيتي)

ووجدت دراسة -نشرها صندوق النقد الدولي في عام 2019- أن مثل هذا الاستثمار "الوهمي" زاد من مخزون لوكسمبورغ من الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 4 تريليونات دولار، وهو عُشر الإجمالي العالمي. فضلا عن ذلك، استفادت هونغ كونغ وسنغافورة من ضرائب الشركات، وفق تعبير الصحيفة البريطانية.

وتقول الصحيفة إن بعض الثغرات -الأكثر فظاعة والتي تغذي هذه التدفقات- أغلقت في الأعوام القليلة الماضية، في أعقاب صفقة بوساطة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في عام 2015. ومن بينها الأيرلندية المزدوجة والتي تتضمن تحويل الأرباح إلى الشركات التابعة المسجلة في أيرلندا التي تتخذ من برمودا أو جزر كايمان مقرا للملاذ الضريبي، التي ربما وفرت على شركة "غوغل" وحدها عشرات المليارات من الدولارات على امتداد عقد من الزمان.

ويذكر تقرير الصحيفة البريطانية أنه مع ذلك، لا يزال هناك الكثير لتخسره أيرلندا بعدما أصبحت تعتمد على معدلها البالغ 12.5% لجذب الاستثمار الأجنبي الذي يشتمل قسم كبير منه على أشخاص حقيقيين ومكاتب ومصانع. وفي الوقت الراهن، تشكّل ضريبة الشركات رقما قياسيا يبلغ 20% من إجمالي الضرائب في البلاد.

علاوة على ذلك -تقول الصحيفة- يمكن للولايات المتحدة وبعض البلدان الأخرى فرض حد أدنى من الضرائب على شركاتها حتى دون إبرام صفقة عالمية. وفي الواقع، لدى الولايات المتحدة بالفعل نسخة للدخل غير المادي، على الرغم من أنه تم تحديده عند نسبة 10.5%.

وعموما، تُعتبر الثورة قادمة، ما لم يحدث انهيار غير متوقع في المحادثات. ومع ذلك، قد يقترب العصر الذهبي للملاذات الضريبية في العالم من نهايته، تختم الصحيفة.

المصدر : إيكونوميست