اقتصاد الصومال الهش.. ما الثروات التي يتمتع بها؟

ثروات الصومال تؤهله لأن يحتلّ مكانة اقتصادية أفضل بكثير مما هو عليه الآن.

الصومال لديه الساحل الثاني طولا في أفريقيا وفيه مختلف أنواع الأسماك والحيوانات البحرية (الجزيرة)

شهد الصومال اضطرابات سياسية وأمنية في المرحلة التي أعقبت اندلاع الحرب الأهلية في البلاد عام 1991، وضعت اقتصاد الصومال على حافة الانهيار، إذ دُمّرت معظم البنى التحتية، إلا أنه بدأ يتحسن ويتعافى تدريجيا بعد أن حقق القطاع الخاص مكاسب مهمة في السنوات العشر الماضية إثر التحسن النسبي للأوضاع الأمنية والسياسية.

وأشارت التقارير الصادرة من المؤسسات الدولية إلى أن إجمالي الناتج المحلي في الصومال بلغ 7.70 مليارات دولار عام 2019 بعد أن كان قبل 10 سنوات 4.1 مليارات دولار، وبتحقيق معدل نمو يقدر بـ2.9%.

وكان يتوقع البنك الدولي أن يستمر هذا المعدل في الارتفاع ويبلغ 3.2% في عام 2020 لولا جائحة كورونا التي أعاقت التقدم وأبقت المعدل على وتيرته.

ويعدّ الصومال من أفقر الدول، كذلك وضعه الاقتصادي لا يزال هشًّا ومتواضعا قياسا بالإمكانات التي تتوفر به وتؤهله لأن يحتلّ مكانة اقتصادية أفضل بكثير مما هو عليه الآن.

ما الثروات التي يتمتع بها الصومال؟

الصومال غني بثروات هائلة، ولديه ثروة حيوانية تقدّر بـ40 مليون رأس من الإبل والبقر والغنم، وكذلك ثروة زراعية، إذ تقدر الأراضي الصالحة للزراعة بـ8 ملايين هكتار تجعل الصومال سلة غذائية لدول المنطقة.

وإذ إن 60% من سكان الصومال البالغ عددهم 15 مليونا يعيشون في المناطق الريفية ويعملون في تربية المواشي والزراعة، فإن القطاعين كانا عرضة لنكبات وأزمات منذ 2011 بسبب حالات الجفاف المتكررة، والحرب التي تدور بين القوات الحكومية وحركة الشباب، التي تسببت في نزوح نحو 2.9 مليون شخص ممن كانوا يمتهنون الرعي والزراعة، وهو ما يعرض البلاد لأزمات غذائية.

وحسب آخر تقرير للمكتب الأممي لتنسيق الشؤون الإنسانية فإن 5 ملايين صومالي (ثلث السكان) بحاجة إلى مساعدات إنسانية، فضلا عن سوء التدبير وقلة الإمكانات واستخدام الطرائق التقليدية والأساليب القديمة في تربية المواشي والزراعة التي عسّرت استغلال هذين القطاعين بالوجه الذي يحسن وضع السكان واقتصاد البلاد.

وعلى الجانب الآخر فإن لدى الصومال الساحل الثاني طولا في أفريقيا وفيه مختلف أنواع الأسماك والحيوانات البحرية، ولو استغلت جيدا لأسهم ذلك في تحسين الوضع الاقتصادي في البلاد، إلا أن الصيادين الصوماليين يفتقرون إلى السفن وزوارق الصيد وإمكانات الصيد المتطورة وأدواته الحديثة، ويصطادون بقوارب وزوارق وآلات وشباك صيد تقليدية فلا يكاد مردودهم يغطي السوق المحلية في أفضل الأحوال.

كذلك فإن الصيادين المحليين يعانون حربا شرسة من سفن صيد أجنبية تمارس أعمال صيد غير قانونية في المياه الصومالية تدمر قواربهم وشباكهم وتأخذ ما يصطادون مستغلة عدم وجود حرس قوي للساحل الصومالي يردعها ويحمي الصيادين المحليين.

ومثل هذه الممارسات حولت الصيادين الصوماليين قبل أكثر من 10 سنوات إلى قراصنة لاستهداف واختطاف كل السفن الأجنبية التي كانت تمر بالمياه الصومالية دون تفريق، وهو ما جيش العالم للقضاء على القراصنة دون الصيد غير القانوني الذي يأخذ سنويا 132 ألف طن متري من الأسماك بقيمة 306 ملايين دولار من المياه الصومالية، حسب هيية تأمين الثروة السمكية العالمية عام 2015.

وتوجد في الصومال أيضا احتياطات نفطية وغاز طبيعي، وبدأت الأعمال الاستكشافية والتنقيب حتى قبل استقلال البلاد عام 1960، وكان يرى بعضهم في ذلك الوقت أن الصومال سيتحول إلى بلد نفطي، لكن الوضع بعد مرور سنوات لا يزال على حاله ولمّا يتحقق الحلم.

التجارة تعدّ إحدى الدعامات الرئيسة في النشاط الاقتصادي الصومالي (الجزيرة)

وقد علقت شركات التنقيب أعمالها ونشاطاتها في الصومال عقب سقوط النظام العسكري السابق عام 1991، إلا أن الأعمال الاستكشافية والتنقيب استؤنفت قبل 8 سنوات لا سيما في السواحل، نظرا إلى صعوبة تنفيذ مثل هذه الأعمال في البر للظروف الأمنية.

واكتشف بالمسح الجيولوجي وجود كميات ضخمة من النفط في السواحل الصومالية، وكان من المخطط أن تبدأ وزارة البترول الصومالية عام 2020 منح تراخيص للشركات النفطية للشروع في عملية الاستخراج لكن ذلك لم يحدث بعد.

أما المعادن التي يتمتع بها الصومال فهي: اليورانيوم، الجبس، القصدير، النحاس، البوكسيت، خام الحديد، الملح، وهي أيضا لم تستخرخ ما عدا الملح.

ورغم هذه الثروات فإن الصومال يعدّ من أقل دول العالم نموًّا وفي المرتبة 165 في تصنيف مؤشر التنمية، ومعدل الفقر  فيه مرتفع جدا يبلغ 73%، في حين تتفشى البطالة بمعدل 67% في فئة الشباب التي تشكل 70% من سكان البلاد.

ما القطاعات الإنتاجية التي يعتمد عليها اقتصاد الصومال؟

يعتمد اقتصاد الصومال في المقام الأول على قطاعي المواشي والزراعة اللذين يسهمان بـ40% من إجمالي الناتج المحلي و50% من الإيرادات، ويأتي قطاع الخدمات في المرتبة الثانية مسهما بـ32% من إجمالي الناتج المحلي لا سيما في مجال الاتصالات والتحويلات المالية التي يديرها القطاع الخاص. وحسب منظمة "أكسفوم" (oxfam) فإن المغتربين الصوماليين يرسلون سنويا 1.3 مليار دولار على الأقل يستفيد منها نحو 40% من الأسر الصومالية بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ثم يأتي القطاع الصناعي بإسهام بـ7.4% من إجمالي الناتج المحلي، حيث يوجد في الصومال نحو 104 صناعة من الصناعات الصغيرة، ويأتي في المرتبة الأخيرة قطاع الصيد الذي يسهم بـ2% من إجمالي الناتج المحلي.

كم يقدّر حجم التجارة في الصومال وهل من فرص للاسثمار الأجنبي؟

تعدّ التجارة إحدى الدعامات الرئيسة في النشاط الاقتصادي الصومالي واضطلعت بدور رئيس في إنقاذه من الانهيار في أثناء أزمة الحرب الأهلية. ورغم أن التجارة في الصومال حرة ومن حق أي صومالي مزاولتها فإنها تفتقد بعض الأسس التي تقننها وتفتقر إلى آلية مراقبة تقيد الجودة والسلامة لا سيما السلع المستوردة، وكذلك القوانين التي تحمي الصناعات المحلية من غزو البضائع التجارية الخارجية.

والأمر الآخر هو أن الواردات والصادرات غير متوازنة والفجوة بينهما كبيرة جدا، فحسب كتاب المعلومات لوكالة الاستخبارات الأميركية فإن قيمة الواردات في 2018 قدرت بـ94.43 مليار دولار أميركي مقابل 819 مليون دولار فقط للصادرات، وذلك يعني أن العملة الصعبة تذهب إلى الخارج.

وأهم ما يستورده الصومال من الخارج المواد الغذائية والمشتقات النفطية والأجهزة الصناعية ومواد البناء والقات، في حين يصدر إلى الخارج المواشي والموز والسمسم والجلود واللبان والفحم النباتي والسمك والخردة.

اقتصاد الصومال يعتمد في المقام الأول على قطاعي المواشي والزراعة اللذين يسهمان بـ40% من إجمالي الناتج المحلي (الجزيرة)

وتعدّ الصين والهند والسعودية والإمارات واليمن وسلطنة عمان وباكستان وتركيا وكينيا وإثيوبيا من أهم الشركاء التجاريين للصومال.

أما فرص الاستثمار الأجنبي فهي متاحة في مختلف المجالات، إلا أن الظروف الأمنية لا تسمح بذلك، ومع ذلك  فإن هناك شركات أجنبية محدودة حاضرة في مجال الخدمات مثل شركتي "آلبيرق" (albayrak) و"فافوري" (favori) التركيتين اللتين تشغلان الميناء والمطار الدوليين بمقديشو على الترتيب، وشركة موانئ دبي العالمية التي تشغل ميناء بربرة بإقليم أرض الصومال المنفصل عن الصومال منذ 1991 وكذلك ميناء بوساسو بولاية بونتلاند بشمال شرق الصومال.

كيف تواجه الحكومة الصومالية التحديات الاقتصادية؟

تعد إمكانات الحكومة الصومالية الاقتصادية متواضعة جدا لأنها لا تسيطر على كامل تراب البلاد، فإقليم أرض الصومال الذي أعلن انفصاله عن الصومال 1991 والمناطق الخاضعة لحكم الشباب خارج حساباتها ولا تحصل منها أي إيرادات أو ضرائب، مثلما لا تحصل من مناطق كثيرة من البلاد.

وتعتمد الحكومة على إيردات الميناء والمطار الدوليين بمقديشو وإيردات ضرائبية محدودة، لذلك تستعين بمساعدت خارجية على تسيير شؤون الدولة، بدليل أن موازنة عام 2020 كانت 476 مليون دولار أميركي 231.8 مليونا منها مساعدات مقدمة من الدول المانحة وهو ما يقارب 50% من الموازنة.

من جانب آخر فإن العملة الصومالية (الشلن) فقدت قوتها الشرائية واختفت كل فئاتها ما عدا فئة "ألف شلن" التي بقيت صامدة وتداولها أصبح في نطاق ضيق، أما الدولار فهو المسيطر في كل المعاملات سواء في القطاع الحكومي والقطاع الخاص الذي يتحكم بالجوانب الاقتصادية المهمة، والبنك المركزي الذي لا يعمل بمستوى فاعليته لم ينجح بعد في إصدار نسخ جديدة من العملة الوطنية.

المصدر : الجزيرة