بعد مرور 5 سنوات.. ما الذي فعله تحرير سعر الجنيه بالمصريين؟

قرار تعويم الجنيه عدّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خطوة ضرورية لإصلاح الاقتصاد، وحل مشاكله، وأنه سيضخم من فرص التصدير.

بضع مئات من الجنيهات نصيب كل مصري من 30 مليار جرى سحبهم من البنوك مؤخرا. (تصوير خاص لأوراق من فئة خمسين ومائة جنيه ـ مصر
تحرير سعر الجنيه المصري كان صادما ونجمت عنه آثار مؤلمة على الأسعار في الأشهر الأولى من القرار (الجزيرة)
تصحيح
تعديل تحريري: أعيدت صياغة الفقرة الأخيرة من هذا الموضوع لإيضاح أن مصدرها أرشيفي من مقال للكاتب المصري الراحل عباس الطرابيلي نشرته جريدة المصري اليوم عام ٢٠١٧

القاهرة – يصادف الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني مرور 5 سنوات على إعلان البنك المركزي المصري تحرير سعر الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية، لتنخفض قيمته أمام الدولار إلى 19 جنيها بدلا من 9 جنيهات قبل قرار التعويم.

القرار عدّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خطوة ضرورية لإصلاح الاقتصاد، وحل مشاكله، وأنه سيضخم من فرص التصدير.

وخلال تلك السنوات الخمس دأب كثير من المحللين المصريين على التهليل لأي ارتفاع للجنيه مهما كان طفيفا، مقابل الدولار، فهم يرون في ذلك نجاحا للسياسات الاقتصادية المتبعة بالبلاد.

بل إن المركز الإعلامي لمجلس الوزراء نشر تقريرا يرصد فيه وجود الجنيه في قائمة أفضل عملات العالم أداء أمام الدولار في السنوات الأربع التالية للتعويم.

فكيف كان أداء الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية وخصوصا الدولار كعملة رئيسية خلال تلك السنوات الخمس؟ وما نسبة تأثير تحريره على الأسعار منذ قرار التعويم نهاية عام 2016؟ ولماذا لم يشعر المصريون بأي تحسن في الأسعار عندما تراجع سعر الدولار أمام الجنيه؟

الأداء أمام الدولار

قفز سعر صرف الدولار مقابل الجنيه من أقل من 9 جنيهات إلى ما يقارب 19 جنيها ليتراجع عند حدود 18 جنيها قبيل مرور عام على تحريره، ثم لامس 17.25 بعد مرور عام حتى 2018 ثم أكثر قليلا من 16 جنيها العام المالي 2019-2020 إلى أن بلغ نحو 15.60 في الوقت الحالي.

وكان تحرير سعر الجنيه المصري صادما ونجمت عنه آثار مؤلمة على الأسعار في الأشهر الأولى إذ ارتفعت أسعار السلع نحو 150%، فالدولار هو أحد المحددات الرئيسة للأسعار في مصر؛ حسب ما يؤكد الرئيس السابق لشعبة المستوردين باتحاد الغرف التجارية بالقاهرة أحمد شيحة.

وأشار شيحة -في تصريحات صحفية- إلى أن تلك الآثار السلبية امتدت إلى الصناعة خاصة تلك التي تعتمد على نسبة كبيرة من المكون الأجنبي في الإنتاج؛ مضيفا أنها بدأت تتلاشى بعد عام فقط من التعويم حين تأقلم المستهلكون مع زيادات الأسعار، ومعاودة الجنيه ارتفاعه أمام الدولار.

تراجع سعر الدولار أمام الجنيه المصري-
سعر صرف الدولار مقابل الجنيه بلغ نحو 15.60 في الوقت الحالي (الجزيرة)

الطبقة المتضررة

ويرى أستاذ الاقتصاد بجامعة المنوفية صفوت قابل أن أكثر الفئات الذين سحقتهم موجة الغلاء الناتجة عن تحرير سعر صرف الجنيه وغيره هم من ذوي الدخول الثابتة مثل الموظفين سواء أكانوا بالخدمة أم أحيلوا على المعاش.

فإذا كان الموظف يتقاضى مثلا 1200 جنيه قبل عام 2016 فإن التضخم نتيجة تحرير سعر الصرف الذي بلغ 40% يجعل راتبه يتآكل ليصبح 700 جنيه وربما أقل، حسب ما أكد قابل للجزيرة نت.

وأشار قابل إلى أن زيادات الأسعار المتوالية بعد التعويم، ومنها رفع أسعار السلع والخدمات والمحروقات، استطاعت أن تلتهم أي زيادات في الرواتب أقرّتها الحكومة، بل أدخلت كثيرا من المنتمين إلى الطبقة المتوسطة إلى شريحة أدنى بعد أن تآكلت مدّخراتهم.

ويمكن ملاحظة ذلك في تغير أنماط الاستهلاك حيث رصدت زيادات في اتجاه نحو هياكل الدجاج كبديل عن الطيور، وكذلك زيادة استهلاك البقوليات والنشويات كبديل عن البروتين الحيواني، وهذا يؤدي إلى أخطار على الصحة العامة للمصريين، وانتشار ظاهرة التقزم بين الأطفال.

انتشار العنف والتسول

كما أشار قابل إلى ظاهرة المتسولين الذين انتشرت أعدادهم انتشارا هائلا، وكذلك ظواهر العنف، وعمليات بيع الأعضاء التي أصبحت تجارة رائجة؛ عازيا كل ذلك إلى غلاء الأسعار بسبب تحرير سعر صرف الجنيه أو غيره.

ويسخر الخبير الاقتصادي الدكتور وائل النحاس ممن يهوّنون من تأثير تعويم الجنيه على معيشة المصريين؛ فمصر تستورد ما يقارب 70% من سلعها الأساسية مثل اللحوم، وما نسبته 90% إلى 95% من زيوت الطعام، بل الوجبة الرئيسية للمصرين التي هي الفول يتم استيراد نحو 80% منه من الخارج.

فنجد انعكاس ذلك -حسب كلام النحاس للجزيرة نت- على أسعار كل السلع، فالفول مثلا في المطاعم الشعبية قفز من جنيه واحد وربما أقل إلى 3 جنيهات وأكثر، وسارت كل السلع على هذا المنوال ولكن بتفاوت في نسب الزيادة.

الغريب حقا هو أن أسعار السلع في ازدياد وإن كانت بنسب أقل مما تلا التعويم، رغم تراجع سعر الدولار أمام الجنيه بما يزيد على 4 جنيهات في السنوات الخمس الأخيرة، حسب كلام النحاس.

طبق الفول.. وجبة السعادة في سحور المصريين
الفول الوجبة الرئيسية للمصرين يتم استيراد نحو 80% منه من الخارج (الجزيرة)

تحسن الجنيه من دون مردود على المواطن

وأرجع النحاس ذلك إلى تحكّم عدد من التجار في السوق المصرية نتيجة احتكارهم السلع الأساسية، وهم الذين يقررون فيما بينهم باتفاقات شفهية الأسعار كل يوم، ويفرضونها على السوق.

الخبير الاقتصادي إبراهيم محمد أضاف نقطة أخرى تعدّ سببا لعدم شعور المصريين بتحسن في الأسعار رغم تراجع الدولار أمام الجنيه؛ تتمثل في قلة المعروض السلعي بالأسواق، وأن كثيرا من منتجي السلع توجهوا للتصدير ليستفيدوا من فارق العملة بين الجنيه والدولار.

وأضاف محمد -في تصريحات صحفية لإذاعة صوت ألمانيا (DW)- أن زيادة نسبة الواردات في الأعوام الثلاثة التي تلت التعويم من 51 إلى 58 مليار دولار تمثلت في التجهيزات والسلع الرأسمالية اللازمة لتحديث قطاع الكهرباء وبناء العاصمة الجديدة ومشاريع قومية أخرى، وطبيعي أن مثل هذا العجز يحمل في طياته مخاطر استمرار الضغوط التضخمية التي تبقي على الأسعار مرتفعة.

وهم زيادة الاحتياطي النقدي

وسبق للكاتب الصحفي الراحل عباس الطرابيلي في مقال نشره بصحيفة المصري اليوم عام 2017 أن انتقد تغنّي الصحف بزيادة الاحتياطي النقدي في ذلك العام إلى 36 مليار دولار، وإرجاعها ذلك إلى نجاح مسار الرئيس الاقتصادي وشجاعته في تحرير سعر صرف الجنيه.

وأضاف المقال "إن الزيادة الأخيرة فى حجم هذا الاحتياطي الدولاري لم تأت من زيادة الإنتاج، أو من خفض مصروفات الدولة نتيجة سياسة ناجحة للتقشف الحكومي، ولكن في الحقيقة هذه الزيادة عبارة عن قروض حصلت عليها مصر، وودائع من الأشقاء والأصدقاء يمكن أن يطلبوها في أي وقت".

المصدر : الجزيرة