ملاذات للمتهربين والباحثين عن حماية الأسرار من الأثرياء.. متى تعد دولة ما جنة ضريبية؟

Concept photo for hidden money showing a businessman pulling back his shirt exposing twenty dollar bills; Shutterstock ID 133129163; Department: -
من الشائع أن الأثرياء الذين ينشطون في الدول التي توصف بالملاذات الآمنة يحصلون على ضمانات بإخفاء هوياتهم (وكالات)

خلال السنوات الأخيرة، باتت المقاطعات والدول التي تفرض ضرائب قليلة أو منعدمة تعد من الملاذات الضريبية، ولكن لا توجد معايير محددة ورسمية لتصنيف الدول على هذا النحو.

وتقول مجلة "موي نغوثيوس وإيكونوميا" (Muy Negocios & Economía) الإسبانية في تقرير لها إن العديد من الدول تلاحقها الشكوك والتساؤلات بشأن إذا كان يمكن اتهامها بأنها ملاذ ضريبي، ومن بين هذه الدول: سويسرا وبنما وإيرلندا وأندورا ومالطا.

وتوضح المجلة أن الإجابة تختلف من شخص إلى آخر، لأنه لا توجد لائحة أو وثيقة رسمية تحتوي على المعايير المعتمدة في هذا التصنيف.

ويعود الأمر إلى كل دولة أو كيان أو منظمة -مثل الاتحاد الأوروبي مثلا- للبت فيما كان ذلك البلد قد تجاوز الخطوط الحمراء في القوانين والإجراءات الضريبية، وأصبح ملاذا للمتهربين.

واليوم، يقوم الاتحاد الأوروبي بتحديث قوانينه ولائحة الدول المصنفة، حيث إن هنالك 12 دولة أو مقاطعة تعد ملاذا ضريبيا -لا توجد واحدة من بينها داخل القارة العجوز- من بينها الإمارات العربية المتحدة.

أما في إسبانيا على سبيل المثال، فقد صدر مرسوم ملكي في 1991 يضم 48 دولة ومقاطعة تصنف على أنها ملاذ ضريبي، ولكن هذه القائمة يتم تحديثها باستمرار، وانخفض العدد فيها إلى 33.

ما الملاذ الضريبي؟

توضح المجلة أن الدولة أو المقاطعة التي تكون فيها الضرائب منخفضة جدا أو تُلغى بالكامل هي التي يطلق عليها هذا الوصف.

إضافة إلى ذلك، من الشائع أن رجال الأعمال والأثرياء الذين ينشطون في هذه الدول يحصلون على ضمانات بإخفاء هوياتهم وأنشطتهم في إطار المحافظة على تعاملاتهم البنكية والتجارية والمهنية.

في هذه المناطق من العالم تنتشر شركات ما وراء البحار، وهي تلك التي تم تأسيسها في مناطق محددة، ويمتلكها أجانب يستخدمونها للتحايل والتهرب من الضرائب المفروضة عليهم من قبل وزارات المالية في بلدانهم الأصلية.

وتضيف المجلة أن الملاذ -أو الجنة الضريبية- قد يكون دولة أو مقاطعة أو منطقة، تتسم بصغر المساحة ومحدودية الموارد الطبيعية، ولكن تتميز بقوة القطاع المصرفي.

حماية الأسرار

حسب تقرير نشرته مؤخرا الغرفة التجارية الأوروبية، فإن دول الاتحاد تُحرم سنويا من دخول 800 ألف مليون يورو، بسبب هذه الملاذات الضريبية.

وبالطبع، فإن حكومات هذه الملاذات تحاول التهرب من توقيع أي اتفاقات رسمية أو معاهدات لتبادل المعلومات، خاصة بيانات الشركات والأفراد الذين يعيشون على أرضها، وهي تحرص على الحفاظ على ضبابية هذه الأسرار، وحفظ السرية والإبقاء عليهم مجهولين لتشجيعهم على جلب أموالهم إليها.

وتؤكد المجلة أن هذه الملاذات الضريبية تطرح أسئلة قليلة، ولا تطلب الأجوبة. وفي الواقع فإن أحد الشروط المفروضة لتغادر هذه الدول والمقاطعات القائمة السوداء للتهرب الضريبي هو التوقيع على اتفاق لتبادل المعلومات، مما يسمح بمعرفة من يخبئون أموالهم في بنوكها.

لماذا تعد هذه الملاذات مشكلة؟

يؤكد المسؤولون في هذه الملاذات أن ما يقومون به قانوني ولا يشكل أي مخالفة، حيث إنهم يكتفون بالسماح للمستثمرين بتخزين أموالهم من دون دفع ضرائب تذكر. ولكن المشكلة الأساسية في هذه الممارسة أنه على عكس ما يحدث في باقي دول العالم، فإن هذه الملاذات لا تسأل عن شرعية مصدر الأموال ومدة إيداعها في البنوك والأنشطة التي تستخدم فيها.

ولتوضيح هذه المشكلة، تشير المجلة إلى أنه في إسبانيا مثلا عند الدخول إلى فرع بنكي حاملا حقيبة فيها 6 آلاف يورو، فإن موظف الخدمة سيسألك عن مصدرها. كذلك فإن الأجهزة الرقابية والقضائية في أوروبا مثلا إذا طلبت من هذا البنك أن يقدم لها بيانات أحد العملاء ووضعه المالي، فإنها ستفصح عن هذه البيانات بشكل فوري وتتعاون مع السلطات، وهو شيء لا يحدث في الملاذات الضريبية.

وهكذا، فإن هذه الممارسات التي تحدث في دول ومقاطعات صغيرة وبعيدة، رغم كونها قانونية من الناحية النظرية، فإنها تسمح بالحصول على المال بشكل غير قانوني وإيداعه هنالك من دون أي مشاكل، كما أن هذه الأموال المودعة في الملاذات تمكن أصحابها من تجنب دفع الضرائب في بلدانهم التي يعيشون فيها.

إضافة إلى ذلك، فإن هذه الملاذات تكون فيها القوانين الضريبية متساهلة وقليلة. والفائدة الكبرى التي تحققها حكوماتها من هذه السياسة المالية أنها تأخذ عمولة ضخمة في مقابل مساعدة هؤلاء الأثرياء على نقل أموالهم.

تحويل الأموال بأميركا اللاتينية

تقول المجلة إنه في القارة الأميركية بأكملها، تعد دولة بورتوريكو أكبر مستفيد من هذا التحويل غير الطبيعي للأموال نحو الخارج.

وحسب بيانات موقع "ميسينغ بروفيت. ززرلد" (missingprofits.world)، وهو مشروع مشترك بين جامعات كاليفورنيا وبركلي وكوبنهاغن لتحليل الأوضاع الجبائية في 21 بلدا أميركيا؛ فإن هذه الجزيرة الواقعة في عرض الكاريبي تجتذب أكبر قدر من الأرباح المهربة من دول أخرى، وبلغت قيمتها عام 2017 أكثر من 38 مليار دولار.

أما جزر كايمان، فقد حلت في المركز الثاني، حيث نجحت في اجتذاب أكثر من 32 مليار دولار من الأموال المهربة للخارج، في حين حصلت بنما على 18.1 مليار دولار.

وتشير المجلة إلى أن التعريف الدقيق لعبارة ملاذ ضريبي لا تزال محل جدل وخلاف بين المنظمات والمؤسسات الحكومية، إلا أن هذه الدول والمقاطعات التي يشملها هذا التصنيف هي تلك التي تفرض ضرائب منخفضة أو منعدمة تماما، وبذلك فهي تجتذب الأثرياء بشكل غير عفوي.

هذه الميزة تضر اقتصادات الدول الأكثر إنتاجية، لأن الشركات النشطة فيها تحول مداخيلها نحو هذه الملاذات حتى تتجنب دفع الضرائب الواجبة عليها.

المصدر : مواقع إلكترونية