حياوي صاحبة الدمعة.. "دليلة" الأدب العربي في روما

الأديبة دليلة حياوي - الصورة في ملكية المراسل
الشاعرة المغربية الإيطالية دليلة حياوي أسست صالون أركانة الثقافي (الجزيرة)

روما- قبل يوم من "عيد الحب" الأخير، كتبت دليلة حياوي، الشاعرة المغربية المقيمة في روما والتي تنشر بالعربية؛ قصيدتها الأولى بالإيطالية، تتقفى خطى الشاعر جوفاني بوكاتشو (1313-1375).

حدث ذلك خارج إيطاليا، قرب مجرى مائي في العاصمة الكوسوفية بريشتينا، في أثناء مشاركتها ضيفة في احتفالات استقلال كوسوفو.

وظلت دليلة حياوي غزيرة الإنتاج الأدبي عامة والشعري خاصة (45 مؤلفا بين الفردي والمشترك)، طيلة حوالي عقد ونصف من الاغتراب في إيطاليا، وهي القادمة من المغرب برواية واحدة عنوانها "يوميات زوجة مسؤول في الأرياف"، ونصوص شعرية غير منشورة.

غير أنه منذ مارس/آذار الماضي، لم تعد دليلة تكتب شعرا بالعربية، بسبب إصابتها بمتلازمة "العين الجافة"، فقد كانت لا تنظم الشعر إلا والدمع ينهمر من عينيها.

العين "تنضب"

أول مرة قرأت فيها دليلة الشعر كانت أمام نافورة بهو منزل العائلة بمراكش، لكن خيبتها كانت كبيرة عندما انتقص أحد أقاربها مما دونته، فانتابها بكاء شديد، ثم حرقت قصيدتها الأولى، هكذا أضحى الدمع الرقراق في مقلتيها طقسا يلازمها عند كل بوح شعري، باستثناء باكورة شعرها بالإيطالية، التي تفاعلت فيها مع مجرى مائي كأنه دمع يسيل من عيني كوسوفو، البلد المتألم من تبعات الحرب.

رواية "يوميات زوجة مسؤول في الأرياف" (الجزيرة)
رواية "يوميات زوجة مسؤول في الأرياف" للكاتبة المغربية دليلة حياوي (الجزيرة)

لذلك قد ينتبه المرء الآن إلى سر تلك النقطة على شكل دمعة التي ترسمها دليلة بقلم مكياج أسود عند منبت أهذاب عينها اليسرى، حيث جريانها منحبس، ومعه قريحة المبدعة في الشعر بالعربية، وإن بدا أن كتابة الشعر بالإيطالية خلصتها من شرط الدموع أخيرا.

دليلة "شاعرة روما"، كما ينعتها بعض النقاد، عين لا تنضب من العطاء المستمر على واجهة التنشيط الثقافي، وقد هندست العديد من المبادرات الأدبية الفكرية والفنية بإيطاليا، أبرزها الصالون الثقافي "جنان أركانة "، الذي وصل إلى حلقته الـ114.

جنان أركانة

خلال ربيع سنة 2011، عقب حادث تفجير مقهى أركانة الدموي بمراكش، بادرت دليلة وعدد من المثقفين الإيطاليين، إلى الرد على العنف بالمعرفة عامة، والشعر خاصة.

تم تأسيس تلفزيون أركانة على الويب، وضمن شبكة برامجه، كان صالون جنان أركانة الأدبي -بإشراف من ابنة مراكش دليلة- متنفسا، تنتصر فيه للسلام بمدينتها المكلومة بنار التفجير الإرهابي، وكذلك أضحى البرنامج فضاء للتعبير عن كثير من الحنين تجاه الوطن الأم، مدينة الألوان الحارة و"البهجة" (لقب يطلقه المغاربة على مدينة مراكش وسكانها).

الشاعرة لم تنس لونها الحار، هوية جدران قلبها، مراكش، المكان الذي يشبه روما، حمرة العمران، الطقس الدافئ. تعلق دليلة حياوي بهذا الخصوص قائلة للجزيرة نت "أشعة الشمس التي تلون بشرة أهلها بصبغة مارونية، سكانها فكهون من أهل البسط، فتجد نفسك متماهيا مع فضاء مكاني جديد/قديم، حيث من هنا عبر يوما أجدادي".

مسرحية "تكشبيلة مراكشية" لدليلة حياوي (الجزيرة)
مسرحية "تكشبيلة مراكشية" لدليلة حياوي (الجزيرة)

دليلة، تتحدث بنفس فلسفي صوفي، ولعل قصيدة "من أنا؟" في ديوانها الشعري "نسيم الجنوب"، خير مثال:

"تا الله..

امرأة أنا؟

أم متاهة..

الكدر إليها رنا

مجرجرا آياته..

وما منذ الخلق جنا

تا الله..

امرأة أنا؟"

هكذا تسعى دليلة إلى أن "تنتصر للمرأة وللمدينة التي تسكن كل منهما الأخرى حد الحلول، فهي حمراؤها المتوهجة في القلب والذاكرة"، يقول الناقد والأديب عبد النبي دشين.

استطاعت دليلة أن تصنع لها أكثر من بطاقة زيارة في ظرف وجيز، من خلال إصدارات أدبية عديدة باللغة العربية، سقتها من نهر التيبر، ذكرنا بعضها سابقا، ونزيد في عرض أخرى، كمثال (بعضها ترجمت إلى 13 لغة): "شراع اليراع"، "في حياة أخرى"، "فحيح زعفران"، "بريد من الماضي"، "تيكشبيلة" و"البحر الغول".

قصائد “نسيم الجنوب” كتبتها دليلة بلسانين بين ضفتين حيث جغرافيا المشاعر تلغي الحدود (الجزيرة)
قصائد "نسيم الجنوب" كتبتها دليلة بلسانين بين ضفتين حيث جغرافيا المشاعر تلغي الحدود (الجزيرة)

زخم من الحيوية جعل دليلة تكسب الثقة من عمدة مدينة روما، التي اختارتها سنة 2019، ضمن أحسن 100 امرأة، بالنظر إلى نشاطها الأدبي، ومبادراتها الثقافية التي تقرب بين ضفتي المتوسط، من خلال الصالون الثقافي العربي/الإيطالي "جنان أركانة".

الصالون سيعرف برمجة جديدة في مارس/آذار الجاري، حضوريا وعن بعد، انطلاقا من روما، وذلك للسنة الـ13.

"جنان أركانة" منتدى أدبي، تجمع فيه الشاعرة بين أدباء المهجر العرب عبر العالم وأشقائهم من البلدان الأصلية، ونظرائهم بإيطاليا للحديث حول الأدب والثقافة. وهو امتداد لمشروع قديم، قبل هجرة دليلة.

رحلة نحو النجاح

"ابعثي لي بدعوة الحضور حينما تنظمين صالونك الأدبي هناك في روما"، هكذا خاطبت الأم لطيفة (مازحة) ابنتها دليلة حياوي، التي كانت تجر حقيبة سفرها، مهاجرة من المغرب نحو إيطاليا للاستقرار هناك، قبل حوالي 14 سنة.

دليلة غادرت المغرب نحو المهجر "لإعادة بناء الذات"، على حد تعبيرها، بعد تجربة عائلية خاصة، تاركة وراءها حصيلة ثقافية في مراكش الحمراء، حيث كانت مدللة بين كبار الأدب والثقافة هناك (مليكة العاصمي، سعيد الشرايبي، حسن الجندي..)، وهي الشابة الشاعرة الحيوية، التي دعمها الرواد سنة 2002، لإدارة الصالون/النادي الأدبي والفكري بمدينتها، لذلك ودعتها والدتها بكلمات فكِهة كعادة المراكشيين، لكنها مثل ضحك كالبكاء.

جدة دليلة لم تر في هجرة حفيدتها نحو روما ما يدعو للاطمئنان، كفتاة في مقتبل العمر، مخاطبة أم لطيفة "ليس هناك ما يدعو للهزل، ابنتك ذاهبة في رحلة نحو المجهول، وأنت تحدثينها عن الصالون الأدبي؟"، لترد والدة دليلة "إنها ابنتي، أعرفها جيدا، ستشق طريقها بنفسها نحو النجاح".

مرت السنين ثم بصمت دليلة حياوي -وما زالت- على مسار ناجح. وبعد إصداراتها وصالون أركانة استطاعت أن تدخل بيت الإيطاليين عبر التلفاز، لتكون دليلتهم نحو مدارج اللغة والثقافة العربيتين.

يقول الناقد دجوزيبي نابوليتانو "تشعر ابنة المغرب الآن أيضا بأنها مواطنة أوروبية (..) وهو ما يسمح لها أن تكون، بالإضافة إلى ثنائية اللغة، جسرا في التوازن بين عالمين".

المصدر : الجزيرة