الأكاديمية والمترجمة الإسبانية فكتوريا خريش: اللغة العربية جزء من حياتي اليومية

تقول المترجمة الإسبانية فكتوريا خريش إن "الطلاب يُدهشون من إدراك عراقة الحضارة العربية الإسلامية ودورها في نقل معرفة القدماء".

المترجمة الإسبانية فكتوريا خاريش تدرس اللغة العربية بجامعة كومبلوتنسي بمدريد (مواقع إلكترونية)

بيروت – لطالما كانت الترجمة من عمليات التواصل المألوفة في العصور القديمة خصوصا في الحاجة إلى تسهيل أساليب الحياة ونمط عيش الإنسان لخلق تفاعل سليم مع مجتمعه.

من هنا كان لا بد للمترجم من أن يكون موضوعيا يسهم في تلاقح الثقافات وإغنائها، وقد اهتم المترجمون بترجمة المخطوطات العربية والقرآن والكتب التي تنتمي إلى فروع المعرفة كافة.

وقد برع العديد من المترجمين في عصرنا الحالي وازداد الاهتمام باللغة العربية ونقلها إلى لغات العالم، ومنهم المترجمة والأكاديمية الإسبانية فيكتوريا خريش التي لا تزال وفية لأصولها اللبنانية، وهي التي تعلقت باللغة العربية ورأتها خيارها الأول في تخصصها، إذ اشتغلت بجهد على ترجمة النصوص إلى اللغة الإسبانية.

وقد نجحت المترجمة في عملها وتم تكريمها في جامعات مدريد لما أثبتته من براعة وتدقيق في العمل وامتلاك عدة الترجمة وتقنياتها، بالإضافة إلى كونها سلكت مسارا علميا موضوعيا، إذ يمكن الانتباه إلى حسن اختيار نصوصها وتدقيقها في  تفاصيل العمل، ومراقبتها رموز اللغة وسياقاتها، ونقلها بأمانة، لتحويلها بمهارة إلى لغة أخرى عبر الحفاظ على المعنى المقصود ومن دون ابتداع عبارات خاصة.

تقول المترجمة فيكتوريا خريش للجزيرة نت إن "الطلاب يُدهشون من إدراك عراقة الحضارة العربية الإسلامية ودورها في نقل معرفة القدماء" وتتابع "في الجامعات الإسبانية، كنا نقوم بتحليل الترجمات الإسبانية للنصوص الأموية وما قبل الإسلام، حيث يتم إعادة إنتاج تلك النغمة القديمة بنجاح أكبر أو أقل، ونقوم بإعادة ترجمة تلك القصائد إلى إسبانية حديثة".

فكتوريا خريش الأكاديمية، التي نالت الدكتوراه من جامعة كومبلوتنسي في الدراسات السامية بمدريد، والأستاذة المشاركة في اللغة العربية وآدابها في الجامعة نفسها، تمكنت من تخطي صعوبات عدة وخصوصا في ما يتعلق بالتناص الذي يعد عثرة في مسار المترجمين، وقد نشرت الشعر العربي المعاصر.

تحدثنا خريش عن أخلاق الترجمة والمترجم الذي ينبغي أن يختار الأعمال المرشحة للترجمة وسط تصاعد نغمة السوق الاستهلاكي، وفي ما يلي المقابلة التي أجرتها مع الجزيرة نت:

  • ماذا تقولين عن علاقتك باللغة العربية كونك من أب لبناني، وقد اخترت الترجمة كمجال وتركيز على هذه اللغة؟

اللغة العربية هي جزء من حياتي اليومية، لكن هذا يرجع إلى اختياري.

مثل العديد من الآباء اللبنانيين في ذلك الوقت، الذين هاجروا وتزوجوا من نساء أجنبيات، لم يعتبر والدي أن التحدث باللغة العربية في المنزل أولوية. أتذكر أنه حاول لبعض الوقت أن يعلمني اللغة العربية الفصحى لأنني كنت أبدي اهتماما ولأنني عدت أتحدث اللهجة العربية من زيارة صيفية إلى لبنان، لكن الطفل ليس مضطرا لدراسة لغة لتعلمها، هو فقط يجب أن يستخدمها في أثناء لعبه وكان اختيار العربية الفصحى خطأ.

شيئا فشيئا، فقد كلانا الدافع. لكني استعدته عندما عدت إلى لبنان في سن المراهقة، عندما انتهت الحرب الأهلية. وبالنسبة إلي باتت اللغة العربية اليوم، في نسختها الفصيحة وفي لهجتها، جزءا من حياتي اليومية، لكن هذا الأمر كان يتطلب الكثير من الدراسة، والكثير من الجهد والإقامة المطولة في الشرق الأوسط.

  •  بما أنك أستاذة تدرسين التراث الأندلسي في الولايات المتحدة، أين نحن من التراث الأندلسي اليوم؟ وما أهمية الشعر والأدب الذي وصلنا، في تخليد الحضارة الأندلسية؟

كانت تجربتي في التدريس في الولايات المتحدة قصيرة جدا، لكنها كانت ماتعة للغاية.

الطلاب الذين يختارون هذا النوع من الدورات لديهم ملف تعريف خاص، فهم فضوليون ومنفتحون على العرب. وغالبا ما يدهشون من إدراك عراقة الحضارة العربية الإسلامية ودورها في نقل معرفة القدماء لأنهم، عادة، لا يربطون الإغريق والرومان القدماء الذين يعتقدون أنهم ورثة لهم، مع العرب القدماء، هؤلاء الذين شكلوا مصفاة هذه المعرفة وأعادوا تفسير التراث الإغريقي والروماني وتوسيعه.

ولسوء الحظ، يوجد في إسبانيا بشكل عام إنكار لهذا التراث الثقافي أو اعتراف سطحي ناتج عن الغرابة.

ويستمر الناس في الحديث عن "الوجود العربي" للإشارة إلى فترة من التاريخ استمرت 7 قرون و"استعادة الأراضي المسيحية" للإشارة إلى التطهير العرقي.

ومن غير المعترف به أنه لبعض الوقت، كان الكثير مما يعرف الآن بإسبانيا عربيا وأن الثقافة السائدة كانت إسلامية. إنهم يفضلون اعتبار هذه الفترة الزمنية فترة احتلال.

ويصعب تغيير هذا الخطاب، لكن هناك أكاديميين يبذلون جهدا للقيام بذلك، مثل المستعرب والمؤرخ إميليو غونزاليس فيرين، الذي لديه كتاب بعنوان "عندما كنا عربا"، ينوي فيه التخلص من ذلك الذي يعتبره مأزقا معرفيا حقيقيا.

  • ما الفرق في الترجمة بين الأدبين الكلاسيكي والمعاصر من اللغة العربية إلى الإسبانية؟ وكيف يمكن للترجمة أن تنجح في مواجهة حاجز اللغة؟

تقدم النصوص القديمة جهدا إضافيا للمترجم، خصوصا إذا اختار أيضا نقل تلك القديمة منها والموجودة في الأصل، إلى اللغة الهدف.

وفي دروسي في الأدب العربي في الجامعة، وبصرف النظر عن الترجمة، عادة ما كنا نقوم بتحليل الترجمات الإسبانية للنصوص الأموية وما قبل الإسلام، حيث يتم إعادة إنتاج تلك النغمة القديمة بنجاح أكبر أو أقل، ونقوم بإعادة ترجمة تلك القصائد إلى إسبانية حديثة. إن فهم خصائص خيارات الترجمة المختلفة، في رأيي، كلها صالحة في حال الحفاظ على الاتساق، والتعامل بسهولة مع الأدوات التي تسمح بالتكيف مع اللغة الأم المعاصرة، وهذان عنصران أساسيان لتعزيز كفاءة الترجمة.

  • لديك اهتمام بالشعراء المعاصرين وقد ترجمت عددا من الأعمال الأدبية العربية إلى الإسبانية منها "الأحزان العادية" لعبد الرحمن الأبنودي، ومختارات من الشعر العربي إلى جانب مترجمين آخرين. ما معايير اختيارك لهذه الأعمال تحديدا؟

اهتمامي بالأدب المعاصر كبير، خصوصا الشعر الملتزم أو على الأقل الشعر الذي يهتم بـ"نحن" أكثر من اهتمامه بـ"أنا"، مثل الشعر الشعبي. لهذا السبب، شكل شعر المقاومة الفلسطيني وتأثير الفولكلور في نصوص شعرائه، الموضوع الأساسي في رسالتي للدكتوراه. وتفترض ترجمة هذا النوع من الأدب متعة جمالية، ولكنها تفترض أيضا مسؤولية اجتماعية والتزاما. إن الأدب الذي يتحدث عن أشياء في هذا العالم، خصوصا ذلك الذي يحتج على الظلم والذي -وبالرغم من ذلك- ينجح في الاستمرار في كونه أدبا هو أكثر ما يثير اهتمامي.

وغالبا ما يعتقد أن الشعر، كلما كان أكثر إحكاما وتعقيدا؛ كانت ترجمته أكثر تعقيدا، لكن ترجمة الشعر العربي الملتزم، وفي نظري، تعد أكثر تطلبا من ذلك. وهناك دائما خطر أن يكون المنتج النهائي مبتذلا للغاية، إلى حد عدم إمكانية اعتباره شعرا.

ويستخدم الشعر العربي الملتزم أيضا العديد من عناصر الفولكلور المحلي، والتي قد لا تكون رموزها واضحة دائما للمترجم. ومن ناحية أخرى، فإن التناص الناتج عن استخدام أبيات من القصائد الشعبية واللعب بالأمثال والأقوال يثير العديد من الصعوبات في الترجمة.

  • ما رأيك في الذي يقول إن ثمة ارتباطا للأعمال المترجمة بحاجة السوق الاستهلاكية من جهة، والتطلع إلى حصد جوائز معينة من جهة أخرى؟

يؤثر سوق النشر بلا شك في الذي يتم ترجمته، ولكن يصح القول أيضا إن العديد من الترجمات الأخرى للأعمال الكلاسيكية والمعاصرة العظيمة باتت ترى النور بفضل العمل المتفاني للباحثين الذين يترجمون لمجرد المتعة، وليس من أجل المال وليس من الصعب عليهم نشر ترجماتهم. هذا ليس الخيار المثالي، لكنه من ناحية أخرى، يسمح بأن ما يجده القارئ في السوق لا يتوافق مع المعايير التجارية فحسب، بل أيضا يتوافق مع المعايير الفكرية.

وتشكل ترجمة اللغة العربية في إسبانيا مقياس حرارة للاهتمام بما هو أجنبي وأداة لتحليل نوع الاتصال الذي تم إنشاؤه عبر التاريخ بين الثقافة العربية (الشرقية والأندلسية) والثقافة الإسبانية.

  • إلى أي ترجمة تتطلعين في المستقبل؟ وهل من مشاريع أخرى في هذا المجال؟

أقوم الآن بترجمة رواية "براري الحمى" لإبراهيم نصر الله لمدرسة توليدو للمترجمين، والتي ستنشرها دار "بربوم" (Verbum) للنشر. أنا حقا أستمتع بهذا المشروع. إنه لشرف وسعادة حقيقيان أن أترجم لهذا المؤلف الموهوب.

إنها رواية؛ لكن كاتبها مؤلف هو قبل كل شيء وبالنسبة إلي هو شاعر. وهنا تكمن الصعوبة الرئيسية. لا يمكن الاسترخاء عند الترجمة، فكل إشارة يمكن أن تكون رمزية. الخوف الذي ينتابني في كل سطر من "فقدان الأشياء على طول الطريق" هو ​​نفس الخوف الذي ينتابني عند ترجمة الشعر.

وكما أقوم بترجمة رواية "غدي الأزرق" لريما بالي وهي مؤلفة سورية مقيمة في إسبانيا، والتي ستنشرها دار "كوماريس" (Comares) للنشر. إنه عمل ماتع للغاية، تدور أحداثه في سوريا وإسبانيا وفرنسا، ومن الشخصيات الرئيسة فيه امرأة سورية وامرأتان إسبانيتان كان عليهما الهروب من طغيان الذكور والبقاء على قيد الحياة. تتمتع المؤلفة بحساسية خاصة؛ وتمكنت من التقاط جوهر الريف الإسباني بمهارة مذهلة. أعتقد أن هذا العمل سيفاجئ القارئ الإسباني بما فيه من متعة كبيرة.

وعندما أنتهي من هذين العملين، أود العمل على صياغة مختارات من الشعر الفلسطيني، والتي تجمع قصائد مؤلفين من بداية القرن الـ20 وحتى الوقت الحاضر.

المصدر : الجزيرة