الشاعرة الروسية ألينا فسينيا: الحرب مؤقتة والحب أزلي والمثقف نذير ناطق باسم عصره

الشاعرة الروسية ألينا فسينيا ولدت في مدينة دونيتسك الأوكرانية وانتقلت لتعيش بالعاصمة الروسية موسكو (الجزيرة)

دأبت الحروب البشرية على تغيير ملامح الأوطان، ولم ينج منها البشر، فإذا ما سلم جسد المرء ونجا، ربما لا تسلم نفسه، وفق ما يعتقد بعض علماء النفس، ولكن ما أثر الحرب على الأديب على وجه التحديد؟

لأن الأدب مهذب ومطهر للنفس البشرية كما يقال، صار كثير من الكُتاب يوصفون بالهشاشة والرقة، لذا فإن الكاتب -مثله مثل الأبنية- يتهشم جراء ما يخلفه الدمار والموت، ولو أن الحرب وضعت أوزارها وأعيد بناء ما تحطم من بنى تحتية، فسترى من الذي سيعيد الكاتب لسابق عهده، إذا ما أصيب بلوثة الأدلجة؟

في هذه الزاوية، تفتح الجزيرة نت نافذة لكُتاب وكاتبات من الشعبين الروسي والأوكراني، لكي يدلوا برأيهم حول مصير الأدب أثناء الحرب وبعدها، وعن آرائهم فيما يصرح به بعض كُتاب الحروب أو معاديها، وبعض الاتحادات، وعن موقف شعوبهم منها، وعن واجب الأديب وموقفه الإنساني من قبول الحرب أو رفضها والإعلان عن ذلك صراحة، وانحيازه لوطنه وإن كان بادئا الحرب، أو الاصطفاف للإنسان عابرا للجنسية والقومية، أي عسكرة الأدب وأدلجته.

ولدت الشاعرة والكاتبة الروسية إلينا فسينيا في مدينة المناجم، إحدى أهم مدن الصراع الروسي الأوكراني، مدينة دونيتسك، ثم انتقلت لتعيش في موسكو، بدأت الكتابة مؤخرا إلا أنها سرعان ما أصبحت عضوة في منظمة مدينة موسكو لاتحاد الكُتاب في روسيا، ثم أصبحت عضوة في النادي الإبداعي، وأصدرت أكثر من 8 كتب تنوعت بين الشعر والنثر، فإلى الحوار:

  • ما موقفكِ الشخصي من الحرب بين روسيا وأوكرانيا؟

كانت الحرب بالنسبة للشعب الروسي صدمة كبيرة. شخصيا يؤلمني كثيرا أن هذه الحرب قد أصبحت ممكنة.

كتابُ "المذاق اللاحق" هو قصة غنائية عن الحب المتأخر والعاطفي والآثم، صدر عن اتحاد كتاب روسيا عام 2012 (الجزيرة)
  • أما تعتقدين أن من واجب الكاتب أن يرفض الحروب ويعلن عن رفضه؟

لا يوجد شيء أكثر قيمة من حياة الإنسان، نعيش الآن في القرن الـ21 بينما لم يتعلم السياسيون حتى اللحظة حل القضايا سلميا، عن طريق المفاوضات. مهما كانت الصراعات العسكرية، ليس ثمة هدف واحد يستحق فلسا مكسورا إذا ما قتل الناس. الشعراء والكُتاب هم طليعة البشرية، بأيديهم أقوى سلاح، هي الكلمة، وينبغي دائما أن تقف الكلمة إلى جانب الحقيقة والسلام.

  • هل يقف الأديب لجانب الإنسان أيا كان مشربه، أو أن من الواجب عليه أن يصطف لجانب وطنه وإن كان وطنه هو المعتدي؟

إنني على قناعة بالغة، أنه ينبغي على الكاتب، عبر كل السبل المتاحة له، أن يجعل من عالمنا عالما أفضل. الكاتب ليس سياسيا، من خلال أخذ تاريخ حياة البشرية الواحدة، يجب أن يظهر فظائع الحرب واللامعنى للموت والدمار، هدف الكاتب هو أن يدفع القارئ للتفكير والتعاطف.

  • هل تسهم الحرب في خلق أدب مختلف؟

الكاتب، أولا وقبل كل شيء هو إنسان، ومن الطبيعي أن يخشى الإنسان على حياة أحبائه، ويقلق لمصير وطنه.

الحرب كانت بمثابة صدمة كبيرة للناس، وبالتأكيد، إذا ما أراد الكاتب تقييم ما يسود من أحداث، فإنه سيفعل ذلك.

هناك العديد من الروايات الجميلة التي تناولت موضوعات حربية، لكن غالبا ما يكون المكان الرئيسي، في أي عمل أدبي، هو للإنسان.

سيخلق بعد الحرب أو إبانها أدب جيد أو سيئ، ولكن هذا يرتكز على موهبة المؤلف.

وكما أسلفت كانت الحرب بين روسيا وأوكرانيا صدمة لكل المبدعين، من الروس والأوكرانيين، وسوف يستغرق الأمر وقتا طويلا لإعادة التفكير أو النظر في هذه الأحداث التراجيدية، أنا ككاتبة لا يمكنني أيضا المكوث بعيدا عن هذا الموضوع.

ولدت وترعرعت في دونباس، منذ أن كان الاتحاد السوفياتي، وأتذكر جيدا قصص والدي، الناجين من ويلات الحرب العالمية الثانية.

ومنذ سنة 1983 أعيش في موسكو، فمنذ وقت طويل صارت هذه المدينة محبوبتي، وأصبحت روسيا وطني الثاني، لكني ما زلت أتذكر جدي إيفان من كييف، الذي لقي حتفه وهو في الـ32 من عمره إبان الحرب الوطنية العظمى (الحرب العالمية الثانية في التسمية الروسية) في القتال بالقرب من موسكو. كل ما يحدث الآن في أوكرانيا، يسكب الألم في قلبي. أنا أعمل الآن على رواية "الحرب تحب الشباب" عبر الوقائع التي تشهدها حياة الشاب كوستي ساينكو المتطوع، في حرب غير معلنة على الدونباس، أريد أن أنقل موقفي تجاه هذه الحرب.

"الهوامش" مجموعة شعرية للشاعرة، صدرت 2012 وتنوعت قصائدها بين الذاتي والعام (الجزيرة)
  • ما رأيكِ بعسكرة الأدب، وهل تعتقدين أنها ستعود؟

أعتقد أن الحرب مؤقتة، بينما الحب أزلي، ربما ستظهر موجة من العسكرة في الأدبين الروسي والأوكراني، لأن ما حدث هو موضوع مؤلم، لكن مع مرور الوقت سيعود كل شيء إلى سابقه، لأنه لا شيء أكثر قيمة من الحياة والحب والجمال.

  • كيف ترين الحركة الأدبية المعاصرة في روسيا؟ أثمة خروج للشعر عن طوره القديم أم أنه ما زال يتبع مساره القديم ولم يواكب حركة التغير الشعري في العالم؟

الحركة الأدبية الآن في روسيا متنوعة وقوية للغاية، إذ صار ليس من الضروري أن يبحث الكتاب عن ناشر لإيصال إبداعاتهم للقارئ، لانتشار الكثير من الخدمات التي جعلت الكاتب تقريبا يستعيض بها عن الناشر، إذ أصبح المؤلف يصل إلى القارئ مباشرة.

وبإمكان أي مؤلف أن يعبر عن نفسه بما يشاء وفيما يشاء فكل السبل الآن متاحة أمامه، يوجد العديد من الدورات التي من شأنها أن تطور موهبة المرء، إذ لا بد للكاتب من أن ينمي ويطور موهبته ولا تكفي أن تكون الموهبة من عند الله، بل يجب الاشتغال عليها، وصقلها وتحسينها، وتطويرها دون هوادة.

فعلى الصعيد الشخصي، كنت قد أكملت دورة في الشعر و3 دورات في الدراسات الرومانسية في الأدب. ومما لا شك فيه أن هناك خروجا ملحوظا عن الأدب الكلاسيكي في روسيا، لأنه زمن مختلف، ومشاكل مختلفة، وقارئ مختلف، فصار يسيرا على القارئ أن يحظى بأي كتاب يرضي ذوقه سواء كان خيالا علميا، أو روايات رومانسية أو بوليسية أو مزيجا من الأنواع والموضوعات المختلفة. لكن الوقت وحده فقط، كفيل بأن يخلد ويستبقي أهم الأعمال الأدبية للأجيال اللاحقة.

  • هل الواجب أن يكون للمثقف رأي في القضايا الإنسانية الكبرى؟ وهل يستطيع المثقفون التأثير في مجتمعاتهم؟

إن المثقف جزء من عصره، وهو نذير ناطق باسمه، فإن الكلمة هي الأقوى تأثيرا والأشد وطأة في الناس، وغالبا ما يتمتع الكُتاب والشعراء بهبة البصيرة، فهم يشعرون بكافة التغييرات التي تطرأ على المجتمع. لقد كانوا دائما في طليعة المجتمعات.

ومن خلال أعمالهم سيحكم الأحفاد على الحقبة الماضية. إن الشعر غذاء النفس البشرية، إذ يجعل من الإنسان أشد سموا وأكثر كمالا، وإن الشر ليس بإمكانه أن يتسرب ليعيش في روح جميلة.

  • هل قرأت الأدب الأجنبي، والأدب العربي على وجه الخصوص؟ وهل أثرت هذه القراءات على تجربتك الشعرية؟

لقد نشأت في قرية تعدين صغيرة، ثم أصبح الأدب نافذتي على العالم الكبير، وعلمتني الصداقة رواية ألكسندر دوما "الفرسان الثلاثة"، والنبل روايات فينيمور كوبر، بينما ما زال جاك لندن هو من أفضل الكُتاب لدي حتى يومنا هذا. ولن أضع قائمة بكُتابي المفضلين، فهم كثر.

حسنا، ومن منا لا يعرف شهرزاد وعلاء الدين أو علي بابا؟ ترافقنا صور هؤلاء الأبطال الرائعين من القصص الخيالية العربية، ألف ليلة وليلة، منذ الطفولة وحتى الحياة اللاحقة.

لديّ قصائد ذات موضوعات شرقية، أذكر منها: "ارقصي شهرزاد" و"مسلم" و"هل تسمع؟ الصحراء البكماء تبكي". لقد زرت مصر غير مرة، والإمارات، وفي إحدى زياراتي، أدركت فجأة أنني وقعت في حب الصحراء. لدي اهتمام كبير بالعالم الشرقي. حتى الآن يتعلق الأمر بشكل أساسي بالسفر والسياحة والسينما، لكنني آمل أيضا أن أتعرف إلى الأدباء العرب المعاصرين بشكل أقرب.

كتاب "الحبّ لا يحتمل الضجيج" القصصي عالجت قصصه جوانب مختلفة من الحبّ والعاطفة، وصدر في 2019 (الجزيرة)
  • بوصفكِ شاعرة، حدثينا عن الأشكال الشعرية في روسيا، ما هي، وماذا يطلق على الشعر الروسي الحديث؟

عالمنا الشعري اليوم متنوع للغاية. هناك العديد من النوافذ أو البوابات الإلكترونية المهمة إذ يمكن لكل شاعر نشر قصائده من خلالها والتواصل مع الزملاء والقراء، كما يوجد العديد من الجمعيات والنقابات الإبداعية. ويسود الآن في روسيا شعر "ستيفايا" أي شعر الشبكة أو شعر الإنترنت.

أما الاتجاهات الجديدة، مثل الشعر الحر، وكما يلفظ بالروسية "فيرليبر" والذي يسمى بالفرنسية "vers libre" والشعر الأبيض وينطق بالروسية "بيلي ستيخ"، في رأيي، فهما للهواة أكثر منهما للمحترفين، ولم يفوزا بعد بروح القراء.

  • فيما يخص الرواية الروسية هل تتجه هي الأخرى نحو الحداثة؟ أتحظى باهتمام القارئ الروسي، أم أن اهتمامه بالشعر أكبر منه بالنثر؟

إن العصر الجديد، والحياة الجديدة، والعلاقات الجديدة، التي تولد وتنمو على نحو متزايد، في الفضاء الافتراضي، توفر أساسا وأرضية لأشكال أدبية جديدة ومختلفة لا علاقة لها بالأشكال الأدبية الكلاسيكية، إذ لا تشترك بشيء معها.

القارئ الروسي يحب الشعر، لكنه أكثر استعدادا لتقديم المال إزاء كتاب نثر جيد، وما يزال الطلب أكبر على الروايات منه على الشعر.

بوصفي ساردة أو كاتبة نثر أيضا فأنا مهتمة بالأشكال الحديثة، في عام 2021 كسر -تماما- كتابي الثلاثي "امرأة هنري فليفل الروسية" كل الصور والقوالب النمطية للأدب الكلاسيكي. وتضم الرواية حوارا افتراضيا بين رجل وامرأة، نتيجة لذلك يولد عالم كبير من الحب المجنون، الذي يخرج عن السيطرة، ليبدأ بإملاء قواعده الخاصة.

  • كيف ترين النقد الأدبي في روسيا؟

في عصر التواصل الاجتماعي، صار الأمر مباحا لكل قارئ في أن يدلي برأيه حول هذا العمل الأدبي أو ذاك. أعتقد أن اليوم لم يعد لدينا -تقريبا- نقاد محترفون أو مختصون، لأن آراءهم ليست ذا وزن أو قيمة.

في الأساس أعمالهم تقتصر على المسابقات الأدبية الكبيرة، فالآن أصبح تعزيز الإبداع على شبكات الإنترنت أكثر قيمة، وبطبيعة الحال، فإن القارئ وحده من يقرر، برغبته في شراء كتاب ما، إذا ما كان يثير اهتمامه أم لا.

المصدر : الجزيرة