"دكتورة هناء".. مفارقات اجتماعية مثيرة وحيرة شخصيات روائية لا تفهم ذاتها

رواية "دكتورة هناء" للأكاديمية والروائية ريم بسيوني صدرت في طبعات عديدة عن دور نشر مصرية مختلفة (الجزيرة)

يغلب الأسلوب الأدبي المتعمق بعض الشيء على بعض الروايات حتى ليصبح المخبوء بين سطورها أوقع وأجمل من كلماتها المعلنة.

يتميز هذا النوع من الروايات بإبراز الكاتب دلالات الكلمات الخاصة بها وحسن انتقائه الجمل وإبراز عفويتها، وشيء من المداراة للرأي بين الكلمات، يبرز حينا ويختفي آخر وينتصر له مجمل الرواية.

وهو أسلوب امتازت به الروائية والأكاديمية المصرية ريم بسيوني أستاذة اللغویات في الجامعة الأميركية بالقاهرة منذ روايتها الأولى "طرح البحر" وامتد معها عبر روايات، أبرزها "مرشد سياحي"، و"ثلاثية المماليك"، و"سبيل الغارق"، و"دكتورة هناء" التي صدرت لأول مرة عام 2007 عن دار مدبولي، وصدرت بعد ذلك عن الدار المصرية اللبنانية ودار نهضة مصر 2015، وأخيرا عن مكتبة الأسرة 2020.

تقوم الفكرة الرئيسية لرواية "دكتورة هناء" على محاور "المشروع الأدبي" نفسه الخاص بالمؤلفة، والقائم على تحليل العلاقة المعاصرة بين الرجل والمرأة، خاصة في أجواء الاختلافات الشخصية بين الزوجين، وتحمل مرارات الحياة المعاصرة وتحدياتها كما سبق لبسيوني في "طرح البحر"، أو البحث عن نقاط التقاء اجتماعية تديم تواصلهما كما في "مرشد سياحي"، أو حتى عبر استلهام 3 قصص تاريخية للإشكالية نفسها كما في "ثلاثية المماليك"، وهو ما تكرر بتفاصيل مختلفة وعبر استدعاء تاريخي من حدود القرن الـ19 في "سبيل الغارق".

مفارقات وطرافة

تلعب الرواية على العديد من التناقضات التي تستفز القارئ بشخصيات حية ومتقلبة ومفعمة بالجنون والغضب، وتبرز من القصة صراعات عديدة خارجية وداخلية، كما تحضر الطرافة والمفارقة، بدءا بالإهداء الذي كتبته المؤلفة "إلى كل امرأة شرقیة تمسك بالقلم، لتكتب قصتها /بيدها/ أیا كان نوع القلم/ فلها شرف المحاولة/ وإلى كل مصري یعشق بغزارة ویكره بغزارة/ ویأكل الحلویات الشرقیة".

وفي أحداث القصة عشية عيد ميلاد بطلتها الأربعين تجد الأكاديمية المرموقة هناء نفسها وحيدة ولا تنعم بالحب الذي لطالما اعتبرته ضعفا، ونظمت حياتها بعيدا عن المشاعر في روتين حازم وعمل مهني صارم تخفي خلفه عواطفها وروحها، لكن القناع الجامد لا يلبث أن ينهار.

تقرر هناء الزواج بخالد المتقدم لنيل الدكتوراه تحت إشرافها، وعلى نحو غامض بعيد عن الوسط الأكاديمي وحتى العائلي، لكن ذلك الزواج يفتح أبوابا من الاضطرابات التي تفقدها قبضتها الصلبة، وهي التي ترى الاحتياج ضعفا وتخشى من مشاعرها.

ورغم العواصف المعيشية العاتية والتحديات المهنية الصاخبة وتدخلات الأهل والأصدقاء الشديدة، وتوتر حياة البطلين، بالإضافة إلى عنادهما المستمر وتحديهما لبعض العادات الاجتماعية، ورغم ثقافتهما المتباينة فإن علاقتهما قد تكلل بالنجاح كما تظهر أحداث الرواية.

وكما بدأت الرواية بمفارقات تختتم بتناقضات بطليها:

"قالت (هناء) في تلقائیة: لا يهم ما دمت المشرفة على رسالتك (للدكتوراه) فسأحطم مستقبلك وسترى.

– حطميه ونحن معا.

– نعم ونحن معا.. لن أتركك بالطبع.. لن أتركك تحيا بسلام بعد ما فعلته بي.

قال وهو یسیر بجانبها: لا، لا تتركیني أحیا في سلام.. لا أستطیع".

تشويق وحيرة

وتنساب بين ثنايا الكلمات المكتوبة بلغة بسيطة تجمع بين الفصحى والعامية روح المغايرة الأدبية التي تسحر القراء، ففي لحظة إقرار استمرار الأسرة تأتي لغة التحدي ولهجة التهديد، وإن كانت الزوجة تتنحى فورا عن الإشراف على رسالة الدكتوراه لزوجها الذي يصغرها بسنوات فور إعلان الزواج وفق قوانين الجامعة فإن الزوجة هنا لا تعلن تقيدها بذلك من باب دلالة عدم الاستسلام، وفي المقابل يرد الزوج بما يناسب المقام والكلمات.

وإذ يصعب على القارئ استكشاف موقف الكاتبة من شخصيات رواياتها التي تهجوها حينا وتتعاطف معها أحيانا فإنه بلا شك سيجد القصة مشوقة وتفتح باب أسئلة اجتماعية وثقافية عديدة قد تبقى حائرة حتى نهاية الرواية بلا أجوبة.

وتعيد الرواية استخدام ثيمة "الفخر والازدراء" التي افتتحتها الروائية الإنجليزية جين أوستن بروايتها الشهيرة "الكبرياء والتحامل" (1813)، ولكن في قالب محلي واقعي يشترك مع أقدم وربما أهم روايات الكوميديا الرومانسية في غاية البحث عن الذات، لكن أحداثه لا تدور في مجتمع طبقة ملاك الأراضي الإنجليز أوائل القرن الـ19، وإنما في مجتمع عربي معاصر لا يزال يتلمس طريقه بين التقاليد والحداثة.

المصدر : الجزيرة