الروائي الجزائري أمين الزاوي: في مجتمعاتنا من السهل صناعة قاتل ومن الصعب إنشاء مواطن سوي

رواية "شوينغوم" ربما هي الرواية الوحيدة باللغتين العربية والفرنسية التي تناولت عملية إنزال جيوش الحلفاء في الحرب العالمية الثانية بالجزائر، التي قادها الجنرال أيزنهاور بنفسه وسُميت بعملية "الشعلة"، بحسب كاتبها أمين الزاوي.

صورة شخصية لأمين الزاوي
أمين الزاوي روائي وأكاديمي وإعلامي ويعمل أستاذا للدراسات النقدية في جامعة وهران الجزائرية (الجزيرة)

يستمر الكاتب والروائي أمين الزاوي -من خلال أحدث إصداراته الروائية "شوينغوم"- في محاولة ولوج عوالم سردية لم يسبق للرواية الجزائرية سبر أسرارها، غير آبه بلافتة الحظر، طمعا في أن تسمح جرأته الفكرية للإنسان العربي برؤية الوجوه بلا أقنعة على مرايا الحقيقة.

والتقت الجزيرة نت صاحب مقولة "شعب يقرأ.. شعب لا يجوع ولا يستعبد"، وسألته عن خياراته السردية والفكرية في روايته "شوينغوم"، وكيف تنسجم هذه الخيارات مع خطه الفكري الممتدّ إبداعيا إلى أكثر من 30 سنة، والقائم أساسا على فكرة الحرية.

أمين الزاوي- غلاف شوينغوم
رواية "شوينغوم" لأمين الزاوي صدرت عن "منشورات ضفاف" في بيروت و"منشورات الاختلاف" في الجزائر (الجزيرة)

فكرة هي نواة مشروع حياتي ضخم، كرّس لها العشرات من المؤلفات بالعربية والفرنسية والمئات من المداخلات، وهو مدرك أنه مشروع لا متعة فيه، بل رحلة خطرة تشبه -كما قال- الذهاب إلى مربّع الموت والألغام، لا لشيء إلا لتحرير الإنسان من مخاوفه الأبدية.

وقال الزاوي، الروائي والأكاديمي والإعلامي، أستاذ الدراسات النقدية في جامعة وهران، أن "العنوان إبداع كامل، إبداع مستقل، عتبة للسؤال والتساؤل، وعلى الروائي أن يبدأ تحريك أسئلة القارئ انطلاقا من عنوان الرواية. فالعناوين هي بطاقة الدخول إلى النص، والمشاكسة اللامجانية للقارئ تبدأ من العنوان، لكن العنوان الذكي هو الذي مهما كان مستقلا فإنه يمثل تآمرا بديعا ومنسجما مع بنية النص السردي الكامل".

العنوان الذكي هو الذي مهما كان مستقلا، فإنه يمثل تآمرا بديعا ومنسجما مع بنية النص السردي الكامل.

وتساءل: هل كان أحد متصالحا مع عنوان "اللاز" للطاهر وطار حين نشرها في مطلع السبعينيات؟ ألم يكن عنوانا مستفزا ومستنكرا من قبل القارئ في البداية؟ مع أنها أجمل رواية كلاسيكية كتبها وطار، لكن القارئ تصالح معه بشكل عادي جدا.

في رواية "شوينغوم" العنوان ليس مجانيا أبدا، وليس خارجيا أبدا، وليس للاستفزاز المجاني أبدا، يستدرك الزاوي: "فأنا أعود في فصل من فصول الرواية إلى التأريخ لوصول علكة شوينغوم الأميركية إلى الجزائر، وبالأساس إلى القرية التي ولدت بها على أطراف مدينة تلمسان، بوصول جيش الحلفاء إلى هذه المنطقة إثر إنزال الحلفاء بقيادة أيزنهاور بشواطئ وهران".

والعنوان "شوينغوم" بقدر ما هو اسم لشيء بسيط (العلكة)، إلا أنه يحيل على أمر كبير وفلسفي خطير هي الحرب ضد النازية القديمة والفاشية الجديدة، بحسب الروائي.

إنزال جيوش الحلفاء بالجزائر

ورواية شوينغوم ربما هي الرواية الوحيدة باللغتين العربية والفرنسية في الجزائر التي تناولت عملية إنزال جيوش الحلفاء -في الحرب العالمية الثانية- بالجزائر، تلك العملية التي قادها أيزنهاور -الجنرال الأميركي قائد قوات الحلفاء في أوروبا زمن الحرب العالمية الثانية والرئيس الأميركي لاحقا- بنفسه، وسُميت بعملية "الشعلة"، بحسب الكاتب.

وركزت الرواية الجزائرية بشكل عام على كتابة الحرب التحريرية التي انطلقت في الفاتح من نوفمبر/تشرين الثاني 1954، وكأن هذه الثورة جاءت من الفراغ، أو نزلت من السماء. وتعرّضت الكثير من الكتابات الجزائرية أيضا لانتفاضة 8 مايو/أيار 1945 دون أن تحفر في العمق وراء تحريك هذه الانتفاضة التي ذهب ضحيتها الآلاف من الجزائريين، بحسب الروائي.

ففي الوقت الذي كان فيه العالم الأوروبي يحتفل بالانتصار على النازية بالأعراس، كان الجزائريون يغرقون في دمائهم الزكية أمام همجية الاستعمار الفرنسي، وهم الذين ساهموا في تحرير باريس نفسها.

ويضيف "انطلاقا من ذلك، جاءت رواية شوينغوم لتتساءل عن طبيعة تشكّل الوعي الوطني الذي أوصل الجزائريين إلى انتفاضة 8 مايو/أيار 1945، ثم الثورة الكبرى في نوفمبر/تشرين الثاني 1954. لقد مثل وجود الحلفاء درسا كبيرا للوطنيين الجزائريين، والإنزال كان عبارة عن لحظة وعي وطنية تاريخية فارقة، وهذا ما أرادت رواية شوينغوم إيصاله".

ويقول الزاوي إن المعركة ضد النازية كانت معركة عالمية، فالإنزال الأميركي كما كان على شواطئ نورماندي بشمال فرنسا، كان على شواطئ وهران والجزائر العاصمة، فالمعركة ضد النازية تشبه المعركة ضد جائحة كوفيد-19، "لا يمكن أن نتساهل أو نتجاهل دورنا في محاربتها، والنجاح لا يكون إلا بالتعاون وتكاتف القوى".

نحتاج إلى قراءة تجارب الدول التي كانت قبل عشريتين أو ثلاث في المستوى نفسه الذي كنا فيه اقتصاديا وثقافيا وعمرانيا، لماذا تقدموا هم وتراجعنا نحن إلى الخلف؟

ويتابع "لا أحد يقوم بالثورة نيابة عنا، ولكن العالم فيه تحالف، وفيه اصطفاف على المستوى العسكري والاقتصادي والمالي. نحتاج نحن في الجنوب خاصة إلى قراءة تجارب الدول التي كانت قبل عشريتين أو ثلاث في المستوى نفسه الذي كنا فيه اقتصاديا وثقافيا وعمرانيا. لماذا تقدموا هم وتراجعنا نحن إلى الخلف؟ من هنا فاستحضار الآخر فلسفيا وتمثيليا (كمثال) يمكنه أن يحفز الهمم ويحرك الأفكار ويزرع الوعي، لكن في نهاية الأمر، الثورات لا تقام بالنيابة، فكل شعب له خصوصيته وإمكانياته وعبقريته في صناعة مجده أو صناعة هزيمته".

اليوم أصبح العالم بحجم شاشة هاتف ذكي، يجب إعادة النظر في مفهوم "البعبع الخارجي"، الثقافات والأفكار العابرة للقارات في رمشة عين. إذن، علينا أن نتحرر من مفاهيم السبعينيات والخمسينيات، وأن نقرأ التاريخ بمقاربة جديدة بناء على فلسفة للتاريخ والجغرافيا ومفهوم الوقت.

ويردف "اليوم أصبح العالم بحجم شاشة هاتف ذكي، يجب إعادة النظر في مفهوم البعبع الخارجي، الثقافات والأفكار العابرة للقارات في رمشة عين. إذن، علينا أن نتحرر من مفاهيم السبعينيات والخمسينيات، وأن نقرأ التاريخ بمقاربة جديدة بناء على فلسفة للتاريخ والجغرافيا ومفهوم الوقت".

دور المثقف

ويقول الروائي الجزائري إن رواية شوينغوم هي نص سردي يكتب رحلة الوعي الوطني والاجتماعي من خلال علاقة الأنا بالآخر، علاقة ندية وعلاقة مخاض، علاقة يتأسس فيها الوعي في مسيرة من الشقاء التاريخي.

ويتابع "شوينغوم هي حفر سردي في التاريخي وفي الذاتي، هي أيضا رواية حرية المرأة، فشخصية صفية عمران بكل ذكائها وجرأتها وتحديها تمثل إلى حد كبير صورة المرأة الجزائرية في مرحلتين أساسيتين من تاريخنا المعاصر"، وهما مرحلة الفعل الثوري زمن الحرب العالمية الثانية، ومرحلة العشرية السوداء في التسعينيات من القرن العشرين.

ويستدرك الزاوي: أنا أشفق على كثير من الذين يمارسون الهجوم عليّ وهم لم يقرؤوا كتابا واحدا في حياتهم، لا من كتبي ولا من كتب غيري، أشفق عليهم لأنهم ضحايا فراغ ثقافي رهيب، يسهل فيه صناعة "قاتل" ويصعب فيه صناعة "مواطن".

ويقول "أعتقد أن دور المثقف النقدي هو الذهاب إلى مربع الخطر، إلى مربع الألغام، كي يحرر المواطن من خوف يسكنه. أعتبر العمل الإبداعي والفكري عملا يحمل خطورة كبيرة. الكتابة ليست متعة، إنها مشي على قنابل قد تنفجر في أي لحظة في صاحبها"، ويتابع "حين أكتب أشعر بأنني أمشي على حقل من ألغام زرعت بنية فرض الرعب والموت والخنوع".

ويختم "شخصيا لا يزعجني غضب ولا تهيج العامة الواقعة ضحية الفكر الشعبوي الديني أو الثقافي ضد رأي ما، لكن المحزن في الأمر هو أن يتحول بعض الجامعيين إلى أصوات للدجل ولحماية قلاع الشعبوية، وبالتالي يمنحون نفَسا جديدا للرداءة، ويمددون أياما أخرى في عمرها".

المصدر : الجزيرة