ممنوع من النشر.. شبهة السياسة تعرقل الحصول على أرقام إيداع للكتب بمصر

يعرف الناشرون الشروط المتفق عليها ضمنا بينهم وبين النظام لنشر أعمال مترجمة. (تصوير خاص لجناح اتحاد الناشرين ـ معرض الكتاب ـ القاهرة ـ أرشيف)
الناشرون المصريون يعرفون بعض شروط النشر غير المصرح بها، والتي تتسبب في منع بعض الكتب من الظهور (الجزيرة)

شكا أدباء وكتّاب وناشرون في مصر من عراقيل تواجه الحصول على رقم إيداع للكتب ذات العناوين التي تحتمل تفسيرات سياسية، بينما أكد مسؤولو دار الكتب أن الحصول على رقم الإيداع متاح بمجرد التقدم لطلبه بإجراءات محددة.

وقال الأديب حمدي البطران -وهو لواء شرطة متقاعد- إن صاحب دار "إنسان" للنشر، توجه للحصول على رقم إيداع جديد لكتابيه "يوميات ضابط في الأرياف" الصادر قبل نحو 15 عاما، و"مبارك.. مأساة رئيس" الصادر منذ سنوات، إلا أنه فوجئ -وفق ما نشره في صفحته على الفيسبوك- برفض موظف دار الكتب منحه رقم إيداع للكتاب لإعادة نشره بطبعات جديدة منقحة، بدعوى أن العنوانين يوحيان بمحتوى سياسي.

وأكد الشاعر ماهر مهران أن دار الكتاب رفضت منحه رقم إيداع لديوانه "وأنا في القفص" للسبب نفسه، وهو أن "الغلاف والعنوان فيهما سياسة"، وتابع في منشور بصفحته على الفيسبوك "رغم أن ديواني هذا رقم 12 في تجربتي، والشعر معتمد في الأساس على المجاز، ودار الكتب بدلا من أن تمنح رقم إيداع صارت محاكم تفتيش".

ورغم أن ظاهرة عرقلة منح أرقام إيداع للكتب المشتبه برائحتها السياسية ممتدة منذ 3 سنوات مضت، فإن الكتّاب ضجوا مؤخرا على صفحاتهم في فيسبوك من التوسع فيها.

ودار الكتاب هي الجهة الوحيدة في مصر المنوط بها منح أرقام إيداع للكتب الصادرة، دون النظر لمحتواها، وفق إجراء اعتيادي يصاحب إصدار أي كتاب جديد.

رأس الذئب الطائر

وقال ناشر -رفض ذكر اسمه- إن هناك على الأرجح تعليمات عليا شفهية للموظفين بعرقلة منح الكتب التي يمكن أن يوحي عنوانها بـ"محتوى سياسي مزعج"، حتى يتسنى للمؤلف أو الناشر توضيح فحوى الكتاب للموظفين، إذ يقتصر منح الرقم على مجرد تقديم غلاف الكتاب وبطن الغلاف الخارجي وظهر غلاف الكتاب المتضمن لنبذة عنه.

وتابع الناشر في حديثه للجزيرة نت، قائلا إنه تقدم قبل عام لنشر كتاب ذي صبغة سياسية خارجية، وهو يتوقع عرقلة منحه رقم الإيداع، كما هو معتاد ومتوقع، إلا أن "المفاجأة" كانت سهولة حصوله على الرقم، "ربما لأن العنوان يتحدث عن السياسة العالمية لا المحلية"، بحسب تفسيره.

وقال إن المعتاد أن يُطمئن المؤلف أو الناشر المتقدم بطلب رقم الإيداع، الموظفين عبر إطلاعهم على ملخص لمحتوى الكتاب نفسه، ويتذرع الموظفون بهذا الإجراء بأن الأمر بذلك جاءهم من أعلى، رغم أنه لا قرار معلنا بهذه الصدد.

أما إذا كان الكتاب ذا محتوى سياسي معارض -بحسب المتحدث- فإن الناشر يحجم من تلقاء نفسه عن الذهاب لدار الكتب للحصول على رقم إيداع، فهو إن نجح في تخطي عقبة الحصول على الرقم، فسيواجه مصيرا غامضا حال النشر، كما جرى مع ناشرين ذهبوا "وراء الشمس" بسبب كتب نشروها، لم تكن على هوى السلطة.

وكان "رأس الذئب الطائر" الذي اتعظ به الناشرون، هو الناشر خالد لطفي الذي أصدر عبر دار مملوكة له ترجمة كتاب "الملاك" الذي يتناول قصة تجسس صهر الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر وسكرتيره أشرف مروان لصالح إسرائيل، وحوكم عسكريا عام 2019 وحكم عليه بالسجن 5 سنوات.

وامتنعت دار الكتب والوثائق القومية مطلع عام 2017 عن إصدار رقم إيداع لكتاب "الخازوق: العسكر والإخوان بين التحالف والمواجهة"، الصادر عن دار ميريت.

وطلب موظفون في دار الكتب من دار ميريت الناشرة للكتاب، الحصول على موافقة من الرقابة على المصنفات الفنية قبل منحها رقم الإيداع، بحسب تصريحات صحفية لمدير الدار محمد هاشم.

كما داهمت قوات الأمن دار ميريت واعتقلت موظفا فيها بدعوى ورود بلاغ بوجود كتب لا تحمل أرقام إيداع، ثم تبين عدم صحة الاتهام وأخلت النيابة سبيل الموظف.

سجالات ووعود

وشهدت صفحات الفيسبوك الخاصة بمبدعين وكتاب سجالا حول ظاهرة عرقلة منح أرقام إيداع لهم، وكتب عضو اتحاد الناشرين المصريين أحمد مرجان أنه تمت مناقشة هذه الظاهرة في صفحة اتحاد الناشرين مؤخرا.

وأعلن -نقلا عن رئيس الاتحاد سعيد عبده- أن ما راج بين الكتاب من وجود عرقلة متعمدة لمنح الناشرين والكتاب أرقام إيداع، هو "تصرف فردي من موظف"، مؤكدا أنه لم يصدر أي قرار من أي جهة تفرض رقابة بأي شكل على الكتّاب والناشرين.

وبحسب وسائل إعلام محلية، فقد اجتمع مؤخرا وفد من مجلس إدارة اتحاد الناشرين المصريين برئاسة سعيد عبده، مع رئيسة دار الكتب والوثائق نيفين موسى في مقر دار الكتب والوثائق القومية بكورنيش النيل، لبحث المشكلات كافة.

ووعدت موسى -خلال الاجتماع- بدراسة المشكلات التي تواجه الناشرين للحصول على أرقام الإيداع، والعمل على إيجاد حلول لها.

وقالت رئيسة دار الكتب -بحسب مواقع إخبارية محلية- إنه سيتم دراسة تسهيل عملية استخراج أرقام الإيداع ورفع الحد الأقصى للعدد المسموح به يوميا لكل ناشر.

ويحدد القانون رقم 20 لسنة 1936 المعمول به حاليا خطوات إصدار أي كتاب، إذ تبدأ بإيداعه في دار الكتب، بعد الحصول على رقم إيداع قبل النشر، وأن يذكر في أول صفحة من أي مطبوع أو بآخر صفحة منه اسم الطابع وعنوانه واسم الناشر وعنوانه إن كان غير جهة الطبع، وكذا تاريخ الطبع.

وعدم وجود رقم للإيداع لا يستوجب توقيع عقوبة سالبة للحرية على المؤلف أو الناشر، بحسب تقرير لمؤسسة حرية الفكر والتعبير، وهي مؤسسة خاصة معنية بحقوق وحريات التعبير والنشر.

ورصدت المؤسسة عوائق تواجه الكتاب والمبدعين في سبيل التعبير عن آرائهم وأفكارهم وإبداعاتهم، في ظل تتعدد الجهات التي تقف وراء تقييد حرية الإبداع، وازدياد الأدوات المستخدمة في ذلك.

وذكرت المؤسسة -في تقرير لها صدر عام 2017- أنه مع بداية ذلك العام، بات ضروريا أن يوقع الكاتب إقرارا على أنه مسؤول عن كل ما ورد في كتابه، ويتحمل عواقب كل ما جاء فيه، فضلا عن صورة رقمه القومي، وتوكيل رسمي لمندوب عنه إذا لم يستطع الحضور.

المصدر : الجزيرة