ليبيا تفقد علي المصراتي شيخ الأدباء وأحد سياسييها المناضلين

الشيخ علي المصراتي (يسار) خلال لقاء مع العالم المصري مصطفى محمود (مواقع التواصل)

طرابلس- فقدت الأوساط الليبية شيخ الأدباء الليبيين علي مصطفى المصراتي عن عمر ناهز 95 عاما، بعد مشوار طويل حافل في المشهد السياسي والثقافي والأدبي الليبي.

ويلقب الأديب والكاتب والباحث والمؤرخ الراحل المصراتي بـ"عقّاد ليبيا" بعد إثرائه المكتبة الليبية بعشرات الكتب في القصة والتحقيق والدراسة والمقال والتاريخ السياسي الليبي، إضافة إلى كونه من رجال الإعلام المرموقين، وكرس جانبا من حياته مؤلفا ومحققا في تاريخ ليبيا وتراثها وسير أعلامها، كما أن أعماله ترجمت إلى العديد من اللغات من بينها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والصينية والهندية.

ولد المصراتي في الإسكندرية عام 1926، وتلقى تعليمه في القاهرة ثم التحق بالأزهر ونال الشهادة العالية من كلية أصول الدين عام 1946، وشهادة التدريس العالية من كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر عام 1946.

وسياسيا، عرف المصراتي بتاريخه النضالي عندما اشترك في عدة مظاهرات ضد الإنجليز، ثم التحق بحزب المؤتمر الوطني -برئاسة بشير السعداوي- في طرابلس عام 1948 وقد سجن 3 مرات بسبب مواقفه الوطنية والقومية الرافضة للوجود الأجنبي على أرض ليبيا خلال العهد الملكي.

وانتخب المصراتي عام 1960 عضوا بمجلس النواب، وكان داخل البرلمان صوتا معارضا بقوة للهيمنة الأجنبية، مطالبا بجلاء القوات الأجنبية الاستعمارية؛ إذ عرف عنه قوته في الخطابة.

ونعى مسؤولون وسياسيون وإعلاميون ومثقفون الراحل، مستذكرين مواقفه الوطنية والقومية وكتبه المختلفة في التاريخ والسياسية والإعلام والتراث التي أثرت المكتبة الثقافية الليبية.

ومن بين أهم أعماله "أعلام من طرابلس" (1955)، و"لمحات أدبية عن ليبيا" (1965)، و"شاعر من ليبيا إبراهيم الأسطى عمر" (1957)، و"جحا في ليبيا دراسة في الأدب الشعبي" (1958)، و"صحافة ليبيا في نصف قرن" (1960)، و"غومة فارس الصحراء صفحة من تاريخ ليبيا" (1960)، و"حفنة من رماد" (1964)، و"الصلات بين تركيا وليبيا التاريخية والاجتماعية" (1968)، و"خمسون قصة" (1983)، و"الجنرال في محطة فكتوريا" (1991)، و"الطائر الجريح" (1995).

من معالم الوطن

وأكد مبعوث حكومة الوحدة الوطنية إلى الولايات المتحدة محمد الضراط إن الفقيد معلم من معالم الوطن العربي الذين أسهموا في توثيق أهم المحطات التاريخية في كتبه بطرق مختلفة.

وقال الضراط -وهو قريب للفقيد- "الراحل صاحب أحد الأقلام التي واكبت مراحل مهمة وتاريخية، واستطاع أن يكون جسر تواصل بقلمه بين الأجيال، حيث نقل المعلومة وحللها".

وأفاد الضراط -للجزيرة نت- بأن كتابات الراحل المصراتي تعكس الماضي في واقع الحاضر، واستطاع أن يبرز عبرا ودروسا واستنتاجات مهمة جعلت من التاريخ مادة دسمة لتوجيه الحاضر ورسم رؤية المستقبل.

وتابع الضراط "ناضل الراحل وكافح بعيدا عن الأضواء أحيانا، ولكن مواقفه التاريخية سيظل لها صدى في وجدان كل ليبي حر تمتع واستفاد بقلمه وبمواقفه ومن مسيرته النضالية".

وأشار الضراط إلى أن الراحل تناول قضايا حساسة في أوقات صعبة، ثابتا على مبادئه وقيمه في وقت كثرت فيه أمواج البطش والطغيان والقمع التي سعت إلى حيازة التاريخ لصالحها.

ذاكرة ليبيا الثقافية

بدوره، يرى الأستاذ الجامعي الأديب محمود ملوده أن الراحل علي المصراتي يمثل الذاكرة الثقافية لليبيا؛ فقد تمكن -بصبر ووعي مبكر- من الانتباه إلى كم كبير من الإرث الثقافي لهذا البلد موزع بين المكتبات الخاصة، وقام وحده بعمل مؤسسة كاملة.

وأضاف ملوده -للجزيرة نت- أن "الراحل تمكن خلال رحلات كثيرة وصعبة متعبة إلى جميع ربوع الوطن من الوصول إلى التراث الليبي وجمعه ومحاولة نشره، وكان هاجس المصراتي -رحمه الله- هو الهوية الوطنية إذ كان يشعر أننا مقصرون في حق مبدعينا".

ونقل ملوده مقولة الراحل الشهيرة "غيرنا يكبّرون أقزامهم، ونحن نقزّم عمالقة البلد في العلم والثقافة والمعرفة".

واعتبر ملوده أن المصراتي قيمة وقامة عالية؛ فلقد كان صاحب مشروع ثقافي وطني لم يسبقه فيه أحد، وواجهته الكثير من العراقيل والمصاعب وقد نجح في تعزيز قيمة المكتبة الليبية عربيا وعالميا.

ويأمل ملوده من الوطنيين استكمال مشروع الراحل بأن تشتري الدولة -ممثلة في مؤسساتها الثقافية والعلمية- بيت الراحل وتتعهد به إلى لجنة علمية على رأسها "سالم الكبتي"، وتقوم بأرشفة محفوظات الراحل، وتفتح بيته ليكون مزارا ثقافيا بالعاصمة طرابلس.

وطالب ملوده بأن يُندب من الجامعات والمراكز العلمية والبحثية من يخرج كنوز بيت المصراتي من كتاباته إلى دور النشر لترى طريقها إلى القراء الليبيين والعرب.

المصدر : الجزيرة