عوائق إسرائيلية وتجاهل أممي.. ماذا قدمت اليونسكو لمدينة الخليل التي تعاني الاحتلال؟

بينما يمنع الفلسطينيون من الحركة في الجزأين الجنوبي والشرقي من الخليل القديمة يتحركون بقيود في الجزء الآخر، وتكمن الصعوبة في تنقلهم بينهما

أن تكون مدينة ما مدرجة في لائحة التراث العالمي فهذه بشرى، وقد تكون فرصة لازدحام الأقدام وجلب السياح والرفاهية، لكنها ليست كذلك عندما تكون الأرض خاضعة لاحتلال عسكري ونظام فصل عنصري.

فمنذ قررت لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) إدراج البلدة القديمة في مدينة الخليل (جنوبي الضفة الغربية) في لائحة التراث العالمي -إلى جانب المسجد الإبراهيمي- في يوليو/تموز 2017 زاد الوضع سوءا.

يعيش جزء من البلدة لا تزيد مساحته على كيلومتر مربع واحد، تعقيدات قلّ نظيرها نتيجة إغراقها من قبل الجيش الإسرائيلي بالعوائق والحواجز العسكرية ونقاط المراقبة والكاميرات، مما زاد صعوبة الحياة فيها.

ماذا فعلت اليونسكو؟

لم تقدم اليونسكو شيئا لمنع خطط الاحتلال التهويدية لتغيير معالم البلدة، وآخرها اقتلاع سوق وبناء بؤرة استيطانية مكانه، والشروع في حفريات قرب المسجد الإبراهيمي لإنشاء ممر ومصعد كهربائي.

تتميز البلدة القديمة بطراز معماري فريد يعود إلى عهد الأيوبيين والمماليك والعثمانيين، في حين يحظى المسجد الإبراهيمي بقدسية خاصة لدى المسلمين لاحتضانه قبور إبراهيم عليه السلام وزوجته سارة، وابنيهما إسحاق ويعقوب عليهما السلام وزوجتيهما ليقا ورفقا.

في كل زاوية بالخليل القديمة قصة وحكاية وتاريخ وتجارب مريرة، ونأخذكم هنا في جولة داخل البلدة ليحكي سكانها أشكال الحصار والملاحقة وتقطيع حاراتها وأزقتها، مع إطلاق العنان لاعتداءات المستوطنين المستمرة.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن اتفاق الخليل بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1997 ترك جزءا من المدينة يقدر بنحو 20% تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي أطلق عليه "خ2″، مع صلاحيات مدنية فلسطينية محدودة، فيه تقع البلدة القديمة، بما في ذلك المسجد الإبراهيمي.

عوائق وحواجز

نبدأ الجولة بأول نقطة اتصال بين المنطقة الخاضعة للسيطرة الفلسطينية (غرب) والأخرى الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية (شرق)، وتحديدا شارع الشهداء الذي كان أحد أهم شوارع المدينة تجاريا وتاريخيا والمدخل الغربي للبلدة القديمة، إذ نصب جيش الاحتلال حاجزا مأهولا شديد التحصين.

 

يحظر الدخول عبر الحاجز إلا لعدد من الفلسطينيين حافظوا على وجودهم في الشارع رغم قساوة الظروف، لكن عليهم الخضوع لإجراءات التفتيش والتدقيق في هوياتهم في كل مرة يعودون فيها إلى منازلهم.

أما عن احتياجاتهم -بما في ذلك المواد الغذائية- فعليهم التنسيق مع جيش الاحتلال مسبقا لإدخالها بشروط المحتل.

وأغلق شارع الشهداء منذ عام 1994 عندما قتل مستوطن إسرائيلي 29 فلسطينيا وأصاب العشرات داخل المسجد الإبراهيمي.

حاجز شارع الشهداء واحد من حوالي 120 عائقا ماديا وحاجزا ونقطة عسكرية في أقل من كيلومتر واحد، وفق مؤسس تجمع "شباب ضد الاستيطان" عيسى عمرو للجزيرة نت.

ويضيف عمرو "لا يوجد شارع أو زقاق إلا ومراقب بالكاميرات أو تعلوه نقطة عسكرية، أو فيه عائق مادي"، مشيرا إلى استمرار إغلاق نحو 1800 محل تجاري منذ 1994.

وتتنوع العوائق والإغلاقات داخل الأزقة والشوارع وبين الحارات، ومنها: نقاط مأهولة بالجنود على مدار الساعة، بوابات حديدية، أسلاك الشائكة، بوابات إلكترونية، جدران خرسانية، جدران من الحديد، نقاط مراقبة في الشوارع وعلى أسطح المنازل، ومراكز أمنية.

وبينما يمنع الفلسطينيون من الحركة في الجزأين الجنوبي والشرقي من الخليل القديمة يتحركون بقيود في الجزء الآخر، وتكمن الصعوبة في تنقلهم بينهما.

وإذا تركنا المدخل الغربي وتحركنا إلى الجهة الشمالية الشرقية نجد عدة عوائق مادية تغلق الأزقة ثم بوابة حديدية ونقطة مراقبة عسكرية تمنع حتى دخول السكان، وتبدو من خارج البوابة عشرات المحلات التجارية التي يمنع أصحابها من الفلسطينيين من وصولها.

في كل حي وزقاق أوجد الاحتلال عوائق كانت في مجموعها سببا لهجرة أغلب سكان البلدة القديمة نحو مناطق أقل خطوة من الناحية الأمنية.

وتحاول السلطة الفلسطينية من خلال "لجنة إعمار الخليل" تثبيت السكان في مساكنهم، وبهذه الطريقة أعادت اللجنة منذ عام 1996 تسكين قرابة 10 آلاف فلسطيني في ألفي وحدة سكنية جرى ترميمها وإعادة تأهيلها، وفق تقارير اللجنة.

خان حزين ومسجد خاوٍ

"هذا خان شاهين، هذا لعائلتنا، هنا ولدت وهنا كبرت"، يقول للجزيرة نت المسن الثمانيني عبدو شاهين الذي يعمل خادما لمسجد "السنّية" في الحي منذ 46 عاما.

لكن الخان حزين وخال من السكان، وأبواب المحلات مقفلة، والمسجد فارغ، فأين سكانه؟ يجيبنا شاهين: رحلوا.

ويشير هنا إلى انتقالهم للعيش في الجزء الخاضع لسيطرة السلطة الفلسطينية من المدينة "خ2″، حيث الفرصة أفضل للعيش والتجارة.

ويضيف أن المسجد كان يمتلئ بالمصلين في صلاة الفجر نظرا لوجوده قرب الحِسبة (السوق المركزي)، أما اليوم فلا يتجاوز عدد المصلين أصابع اليد الواحدة، ولا يرفع الأذان فيه إلا نهارا.

عبدو شاهين ومن خلفه خان شاهين ومحلاته المغلقة (الجزيرة)

يأخذنا شاهين إلى عائقين خرسانيين بارتفاع لا يقل عن 6 أمتار يفصلان الخان عن شارع الشهداء الذي تقتصر الحركة فيه على المستوطنين، وآخر يفصل الخان عن سوق الخضار سابقا الذي تحول إلى بؤرة استيطانية حاليا.

تستخدم السلطة الفلسطينية بعض المرافق كمكاتب فرعية لمؤسساتها، لكن ذلك لم يكن كافيا لإقناع أغلب السكان بالعودة.

وتُقسّم أسواق البلدة القديمة حسب المهن التي كانت شائعة فيها، ومنها: سوق القزازين، سوق الذهب، سوق اللبن، سوق الخضار، واليوم في كل سوق عائق، في حين قسمت الأحياء حسب العائلات التي تسكنها.

لا يتركنا شاهين دون أن يأخذنا في نظرة لما وراء الجدران الخرسانية، فهناك في الطرف الآخر قوم لا يعيقهم عائق ويسمح لهم دون غيرهم بالتحرك واستخدام السيارات والبناء "إنهم غرباء جلبوا إلى هنا يطلق عليهم مستوطنون" وفق المتحدث.

ويضيف أن ما يجري هو "العنصرية بكل معنى الكلمة"، مشيرا إلى أن كل الصعوبات تفرض على السكان الفلسطينيين لتهجيرهم، وفي المقابل يطلق العنان للمستوطنين، بما في ذلك الاعتداء واقتحام البيوت.

حاجز مركّب

نترك خان شاهين متجهين إلى المسجد الإبراهيمي عبر أسواق تقليدية ذات تصميم معماري فريد، لكن ليس لها من اسمها نصيب، فهي إما أبواب مغلقة أو باعة لا يجدون متسوقين.

في محيط المسجد، يجبر الإنسان زائرا كان أو من سكان المنطقة على الدخول عبر حاجز مركّب: بوابة حديدية يدور معها المارة فرادى تسمى "معاطة"، تليها بوابة إلكترونية، ثم مجندة تجبره وضع بطاقته الشخصية على زجاج غرفتها المحصنة لتسجل بياناته، وإن شاءت فتحت البوابة الأخيرة أو طلبت من أحد الجنود إعادته من بوابة المغادرين.

على هذا الحاجز يقف الفلسطيني فضل حربي عدة مرات يوميا، ويحدثنا عن معاناته على عدة نقاط وحواجز عسكرية.

ويقول -بينما يمضي في طريقه عبر الحاجز- إنه يضطر لاجتياز هذ الحاجز وحاجزين آخريين في محيط المسجد الإبراهيمي عدة مرات يوميا، في مسافة لا تحتاج 5 دقائق سيرا على الأقدام.

ويضيف في حديثه للجزيرة نت "يوميا أضطر لعبور 3 حواجز شديدة التحصين، وبينها نتعرض في بعض الأوقات لتهجم المستوطنين وإهانة الجيش".

ويتابع: في كل يوم نمر من بين الجنود، وفي كل مرة يطلبون الهوية للتدقيق فيها، لا يأخذونها منا مباشرة، بل يجبروننا على رميها أرضا ثم يعيدونها بنفس الطريقة.

أما عن احتياجات السكان من أثاث ومتاع فيقول: هذا يتطلب موافقة الجيش مسبقا، وتدخل عبر بوابات خاصة.

وبعد هذا الحاجز وفي الساحة المؤدية إلى المسجد الإبراهيمي أعدم الجيش الإسرائيلي عدة فلسطينيين بذريعة محاولتهم تنفيذ عمليات طعن.

ويتطلب الدخول للصلاة في المسجد اجتياز بوابة إلكترونية موجودة في الساحة وتسبق درجات المسجد، وهناك يجري تسجيل البيانات الشخصية مجددا، وحين انتهاء الزيارة أو الصلاة لا خيار إلا المغادرة من خلال الباب الدوار أو "المعاطة" التي تعلوها نقطة عسكرية.

مبدأ الفصل

تخصص منظمة "بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية زاوية خاصة بموقعها الإلكتروني لمنطقة وسط مدينة الخليل، وتقول إن إسرائيل أقامت "نقاطا استيطانية في قلب مناطق سكنية فلسطينية وتدير هناك نظاما مؤسسا على مبدأ الفصل".

وتضيف أن الجيش الإسرائيلي "يفرض منذ سنين قيودا صارمة ومشددة على الفلسطينيين أدت إلى نزوح مكثف للسكان الفلسطينيين وإغلاق مئات المصالح التجارية وانهيار اقتصاد مركز المدينة".

والخليل أكبر مدينة فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، ويبلغ عدد سكانها مع قراها نحو 800 ألف نسمة، وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

ووفق معطيات "بتسيلم" لعام 2019 يقيم اليوم في المنطقة الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية "خ1" نحو 34 ألف فلسطيني ونحو 700 مستوطن، ومن بين الفلسطينيين يقيم نحو 7 آلاف في أماكن متاخمة لمنازل المستوطنين والشوارع التي يستخدمونها.

المصدر : الجزيرة