مزيج المتعة والتعلم.. هل تنجح ألعاب الفيديو في تقديم الدرس التاريخي؟

يؤدي بناء الألعاب على نمط الأبطال والملوك إلى استبعاد غالبية عناصر المجتمعات السابقة من الصورة ومن مشهد صناعة التاريخ، مما يمنع الطلاب من التعرف على حياتهم ودورهم الحيوي في حركة وصناعة التاريخ

العديد من ألعاب الفيديو الحديثة تستند على إيحاءات تاريخية واضحة يرتبط كثير منها بالعصور الوسطى (غيتي)

في عالم حديث يتسع فيه استخدام الألعاب الإلكترونية للترفيه والتسلية، يدور جدل بين الخبراء حول إمكانية الإفادة منها في تقديم دروس تاريخية ولا سيما أن كثيرا من الألعاب أصبح يدور حول سيناريوهات تاريخية مثل الحروب الصليبية والملوك الأوروبيين والثورة الأميركية وزمن القرصنة والحرب العالمية وغيرها من الأحداث المستوحاة من حقائق تاريخية.

ويرى فلاسفة معاصرون أن هناك فهما متزايدا للواقع المعاصر على أنه إعادة إصدار للقرون الوسطى. وخلال العقد الماضي قدمت دراسات العصور الوسطى بالفعل ثروة من آثار ومخيال هذه الفترة الزمنية ألهم مجالات عديدة بينها ثقافة البوب وألعاب الفيديو، فضلا عن الأفلام السينمائية والأدب الشعبي.

ويعتمد تعليم التاريخ في المدارس والجامعات بشكل أساسي على الكتب والمحاضرات، ومع ذلك هناك اتجاه متزايد نحو إدخال وسائل تعليمية تكميلية مثل الروايات والأفلام.

وتقدم "الرابطة التاريخية" وهي مؤسسة غير ربحية في بريطانيا، قائمة من 20 صفحة من الروايات التاريخية التي تتراوح من ملاحم القرون الوسطى إلى أفغانستان الحديثة، بهدف مساعدة معلمي التاريخ على حث الطلاب من جميع الأعمار في المدارس الثانوية على قراءة الروايات التاريخية من أجل المتعة وأيضًا للإفادة من قيمتها التاريخية والمعرفية.

ألعاب الفيديو التاريخية

في مقالها بموقع رابطة مدرسي التاريخ الأوروبية (euroclio) تقول الأكاديمية سيسيليا بياجي، الباحثة بجامعة إيراسموس روتردام الهولندية، إن الخيال الأدبي والأفلام السينمائية يظلان الوسيلة المفضلة لمعلمي التاريخ في جميع أنحاء العالم، ولكن هناك نوعا آخر من الموارد تزداد شعبيته بسرعة، وهو ألعاب الفيديو التاريخية.

وبالحديث عن ألعاب الفيديو التاريخية، فإننا نشير إلى "تلك الألعاب التي تمثل بطريقة ما الماضي أو تتعلق بخطابات حوله"، وأيضا الألعاب التي تبدأ "عند نقطة واضحة في تاريخ العالم الحقيقي"، أو تلك التي تؤثر أحداث التاريخ بشكل واضح على تجربتها في اللعب.

وتضيف الكاتبة أنه يمكن تحديد عدد كبير من ألعاب الفيديو في أوقات وأماكن مختلفة باعتبارها ألعابا تاريخية، مما يجعلها أدوات تعليمية ذات قيمة محتملة، إذ يتمتع اللاعبون بإمكانيات غير محدودة تقريبًا.

مثلا يمكن للاعبين بناء صرح روما التاريخي العظيم (الكولوسيوم) في لعبة (Minecraft)، وبالتالي يمكنهم التعرف على العمارة الرومانية وكذلك المواد الخام القديمة، أو يمكنهم إيجاد وتنظيم والدفاع عن مستوطنة في أميركا الشمالية المكتشفة حديثًا في لعبة (Banished)، أو يمكنهم تحرير النازية المحتلة أوروبا من خلال الظهور على ما يبدو في حذاء جندي أميركي في الخطوط الأمامية في لعبة (Call of Duty) الشهيرة.

ألعاب الفيديو وصعوبات تدريس التاريخ

تناقش الكاتبة القضايا العملية التي قد تثني المعلمين عن استخدام ألعاب الفيديو لتعليم التاريخ، مثل المتطلبات التقنية التي تجعل استخدامها في الفصل أكثر صعوبة من استخدام الأفلام على سبيل المثال، إضافة للعوائق المالية واللوجيستية، وكذلك ضيق الوقت، وأيضا النظرة السلبية المسبقة من المديرين وأهالي الطلاب للفكرة.

وبغض النظر عن الصعوبات العملية لاستخدامها وسمعتها السلبية، تظهر الأبحاث أن ألعاب الفيديو يمكن أن تحسّن تجربة تعلم الطلاب بشكل كبير، خاصة أن بعض الألعاب تتبع نهجًا واقعيًا للماضي، تمثل بدقة الأشياء والمساحات المادية والبيئات، بينما تتوافق أيضًا مع الروايات التاريخية العريضة.

وتشمل الأمثلة العديد من الألعاب التي تتضمن تاريخ اليونان القديمة، واليابان الإقطاعية، ومحاكم التفتيش الإسبانية، والثورة الأميركية، وتسمح للاعبين بتعلم طريقة عمل بندقية أو مشاهدة لمحة عن فكرة الخنادق خلال الحرب العالمية الأولى.

ومع ذلك يقول بيتر فان دن هيدي المدرس في المدارس الثانوية البلجيكية والأكاديمي بجامعة إيراثموس نوتردام، إنه على الرغم من أن ألعاب الفيديو التاريخية تتمتع بإمكانيات تعليمية كبيرة، فإنها تعاني أيضًا من أوجه قصور ذات صلة.

على سبيل المثال، الألعاب بشكل عام غير كافية لتدريس التاريخ الاجتماعي والثقافي، فنظرًا لأن معظم اللاعبين يهتمون بالأدوار والمغامرات البطولية، فإنهم يفضلون لعب الشخصيات التي يمكن أن تؤثر قوتها الحاسمة بشكل كبير على نتائج اللعبة.

وإدراكًا منها لذلك، تنتج معظم الشركات ألعابًا يكون أبطالها ملوكًا ومستكشفين وجنرالات، وليسوا فلاحين أو راهبات على سبيل المثال.

ويؤدي هذا حتمًا إلى استبعاد غالبية أعضاء المجتمعات السابقة من الصورة ومن مشهد صناعة التاريخ، مما يمنع الطلاب من التعرف على حياتهم ودورهم الحيوي في حركة وصناعة التاريخ.

وعلى سبيل المثال، في حين أنه من الممكن تجربة لعب المقاتلات في ألعاب الحرب العالمية الثانية الحديثة لا يمكن التعرف على تجربة النساء في الصراع والمواقف العادية ولا تجربة الرجال في المصانع.

ومشكلة أخرى في ألعاب الفيديو هي أنها تكافح عمومًا لنقل قيم بديلة عن تلك الموجودة في المجتمعات الحديثة، وهذا يعني أن اختيارات اللاعبين قد تؤثر على سرد اللعبة بطرق قد لا تتوافق مع الأدلة التاريخية والمسارات التي حدثت بالفعل، وفي النهاية، قد تختلف النتيجة بشكل كبير عن الأحداث الحقيقية.

لذلك، من المهم أن يدرك الطلاب أنهم يلعبون شخصية خيالية في دور خيالي، وأنهم قد يتخذون خيارات لم يفعلها أو لا يستطيع الأبطال الحقيقيون (التاريخيون) للأحداث الممثلة في اللعبة القيام بها.

علاوة على ذلك، يوصي بيتر بإعطاء الطلاب الفرصة لمناقشة تجاربهم أثناء اللعب وبعده لمقارنة نتائجهم، إضافة لمناقشة الدقة التاريخية للألعاب والإستراتيجيات الشاملة بالإضافة إلى نوايا مطوريها.

وبغض النظر عن مزايا وعيوب ألعاب الفيديو، يلعب المعلمون دورًا رئيسيًا في إطلاق إمكانات الألعاب كأدوات تعليمية، وبالتالي يكونون هم المسؤولين عن نجاح التجربة، إذ لم تعد دراسة تاريخ العوالم القديمة مقتصرة على صفحات الكتاب المدرسي.

ومن يدري، ربما ستُلهم مؤرخًا شابًا لإكمال مهنته لصنع ألعاب فيديو تاريخية أكثر روعة، فكلما كان التعلم أكثر متعة، زاد عدد الطلاب الذين يرغبون بالمشاركة فيه.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية