جدل عراقي محتدم عقب تصريحات وزير الثقافة.. إلغاء مهرجان المربد البصري يثير حفيظة الأدباء

خلال استقباله عدداً من الأدباء.. رئيس الجمهورية @BarhamSalih يؤكد على الدور المهم للنخب الثقافية في القضايا التي تشغل البلد والمواطنين، وضرورة عدم ادخار أي جهد من أجل تقديم الدعم والرعاية للأدباء والفنانين في مجال عملهم بما يسهم بدعم النتاجات الأدبية والفكرية والملتقيات الثقافية.
لقاء الأدباء العراقيين برئيس الجمهورية برهم صالح (مواقع التواصل الاجتماعي)

أثارت تصريحات وزير الثقافة العراقية حسن ناظم سخطًا ورفضا في الأوساط الأدبية بعدما قال إن "مهرجان المربد في البصرة فقد أهميته بعد 2003، ويجب أن يكون هناك بديل عنه"، معلنًا رفضه "عقد مؤتمرات للقاء الباحثين والشعراء والأدباء دون تحقيق إنجاز". ولما للمربد من اعتبارات تاريخية وثقافية حاضرة في ذاكرة الثقافة العراقية، جوبهت تصريحات الوزير برفض واسع من الأدباء العراقيين.

ويعد مهرجان المربد حدثا ثقافيا مهما، إذ نظمت وأقامت دورته الأولى وزارة الثقافة العراقية عام 1971 والتي كان قد وفد إليها أبرز شعراء الوطن العربي آنذاك بينهم محمد مهدي الجواهري وأدونيس وعبد الوهاب البياتي وسعدي يوسف وأحمد عبد المعطي حجازي وغيرهم، حتى أصبح المربد عرفًا ثقافيا تقيمه الوزارة المعنية سنويا.

يذكر أن اسم المهرجان الشعري "المربد" لم يأت عنوانه أو اسمه عبثًا، بل استُلهم من جذوره التي امتدت لسوق المربد الواقع سابقًا في قضاء الزبير بمحافظة البصرة، الذي كان يضاهي سوق عكاظ قبل الإسلام، بل يرى بعض المؤرخين أنه فاق سوق عكاظ لا سيما في العصرين الأموي والعباسي، مرجعين تفوق سوق المربد إلى أنه كان محطة مهمة لمختلف الأعراق والقوميات، فقد أقبل عليه فرس وهنود وأقباط وعرب وغيرهم من مختلف البقاع، وكان من رواد المربد القديم: أصحاب النقائض جرير والفرزدق، وبشار بن برد، والجاحظ، وأبو نواس، والخليل الفراهيدي وغيرهم من شعراء العصور الذهبية للأدب العربي.

قرار الوزير بشأن المربد دفع اتحاد البصرة إلى أن ينظم وقفة احتجاجية رافضة له. ومن أجل أن لا ينطفئ ضوء المربد، التقى وفد من الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق واتحاد أدباء البصرة رئيسَ الجمهورية العراقية برهم صالح.

مهرجان الشعر المفتوح

واستطلعت الجزيرة نت آراء بعض الكتاب بشأن ما صرح به وزير الثقافة والسياحة والآثار في العراق، ورأى كريم جخيور الرئيس الأسبق لاتحاد الأدباء والكتاب في البصرة أنه "بعد 2003 استطاع المثقفون العراقيون إعادة مهرجان المربد إلى الساحة الأدبية على أن يكون مهرجانا عراقيا يعقد في البصرة باعتبارها الحاضنة الأولى له حتى قبل ظهور الإسلام، وقد أقام الزميل الناقد حاتم العقيلي، وهو أول رئيس اتحاد للأدباء في البصرة، أول مهرجان عام 2004. ثم تطوّر المهرجان من عراقي إلى عربي مع حضور بعض الدول الأجنبية أيضا".

وأصبح المربد يرتدي زيًا وأسلوبا جديدا كل عام، فقد وفد إليه أدباء وفنانون من المغرب وتونس والجزائر ومصر والسودان وسوريا ولبنان والأردن واليمن، إضافة إلى دول الخليج العربي، وحضر 60 أديبا عربيا مهرجان المربد لعام 2018، يكمل جخيور.

ويتابع الشاعر البصري "مع انعقاد المربد السنوي صار اتحاد الأدباء والكتاب في البصرة يصدر ويطبع كتبا للأدباء والفنانين حتى وصل العدد إلى 25 كتابا، هكذا هو مهرجان المربد. فقد تحوّل من مهرجان السلطة إلى مهرجان شعري بكل المقاييس ودون اشتراطات..".

ويردف "استطاع الأدباء أن يمنعوا الحكومة من التسيد في المهرجان، وما عليها سوى أن تدعم المهرجان ماديًا وتسهل دخول الوافدين إليه، وهذا لم يحدث إلا في العراق".

وختم جخيور حديثه للجزيرة نت مستدركا "نعم حدثت بعض الأخطاء والمعوقات غير المقصودة، لكنها لم تؤثر على المهرجان. ولهذا يصر أدباء البصرة على إقامته في كل عام، حيث نشاهد أن أعداد المدعويين قد تجاوزت 400، وهذا يحسب للمهرجان ولأدباء البصرة".

منجز ثقافي عراقي

بدوره صرح الشاعر مروان عادل حمزة الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق للجزيرة نت بأنه "ما زلنا نحسن الظن في كل عراقي يتحدث عن المربد ونحترم رأيه، والسيد وزير الثقافة له رأي نختلف معه فيه، لكننا نحترم مقاصده، فهو ينتمي للوسط الثقافي قبل أن يصبح وزيرا، ويحمل المربد حبًا وهمًا وحرصًا شخصيا".

واستدرك حمزة "أعزو رأيه إلى التسرع والحماسة والارتجال، وإلا فلا يمكن أن يكون رأي وزارة معنية بثقافة هذا البلد بأهم مهرجان فيه، فالمهرجان مهرجان شعر، وكل ما يمكن أن يضاف إلى فعالياته يجب أن يجعل من الشعر أداة وهدفًا".

وتابع حمزة أنه "لا يوجد خط أحمر عند الأدباء أمام أي فكرة جديدة من شأنها أن تخدم مهرجانهم الأحب، وتغني ساحتهم الثقافية فكرا وفلسفة وجمالا".

مروان عادل حمزة
الشاعر العراقي مروان حمزة متفائل بشأن عودة مهرجان المربد (مواقع التواصل الاجتماعي)

وفيما يخص الإجراءات التي سيتخذها الأدباء في الأيام المقبلة، قال "نحن بصدد اللقاء بالسيد الوزير للبحث معه سبل بلورة أفكارنا وأفكاره فيما يصب في مصلحة المهرجان ومصلحة الثقافة عامة"، موضحا ما أفرزه اللقاء مع رئيس الجمهورية برهم صالح حيث "أكد دعمه وتأييده لعقد المهرجان في موعده، ووعد بأنه سيتحدث مع السيد رئيس الوزراء والسيد وزير الثقافة بهذا الشأن، وخرجنا من عنده ونحن متفائلون وواثقون بحب العراقيين كلهم لمربد بلدهم واعتزازهم به".

كما بيّن الشاعر عمر السراي مسؤول اللجنة الإعلامية في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، أن "الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، واتحاد أدباء البصرة وكتّابها، يتواصلون بالتحضير لعقد الدورة الـ34 لمهرجان المربد، والمزمع عقده متزامنا مع معرض البصرة الدولي للكتاب منتصف فبراير/شباط المقبل، والجهد مستمر مع الجهات المعنية بالأمر".

وأوضح أنه "بغض النظر عن الرؤى التي تختلف أحيانا، فالحوار أساس لإذابة كل ما التبس، وصدق النوايا كفيل بالارتقاء بالمنجز الثقافي".

كما لم يتوان السراي عن التلميح للمتابع العربي ومن يهمهم أمر الثقافة من العرب قائلا "ستحمل الأيام المقبلة أخبارًا طيبة عن المربد وتفاصيل انعقاده بعد تلقي وعود طيبة بالدعم واللقاء لتكثيف الجهود الرامية لخدمة الإبداع، خصوصًا ونحن نتحدث عن مهرجان عراقي وطني تحتضنه واحدة من أهم محافظات العراق، ألا وهي البصرة التي وهبت وما زالت تهب العالم أجراس ضوئها".

المصدر : الجزيرة