نيكاراغوا.. الفقر ينقذ أمناء المكتبات من طوفان التحديث

مكتبة سالمون دي لا سيلفا في التابعة للجامعة الوطنية المستقلة بمناغوا.
مكتبة "سالمون دي لا سيلفا" التابعة للجامعة الوطنية المستقلة في ماناغوا (الجزيرة)

انقطع التيار الكهربائي خلال حديثي مع نورا أليسيا رييس أمينة مكتبة "سالمون دي لا سيفا" في الجامعة الوطنية المستقلة بالعاصمة النيكاراغوية ماناغوا.

استخدمت الضوء في هاتفها، وكذلك فعلت أنا والطلاب الآخرون الذين بدؤوا الخروج مستخدمين مصابيح هواتفهم، كان ذلك في الخامسة والنصف مساء فيما تنتهي آخر محاضرة في الجامعة عند تمام الثامنة.

لم يكن هناك مولد كهربائي بديل في المكتبة ليعوض انقطاع التيار، فكرت في الظروف المتخلفة التي ما زال قطاع التكنولوجيا يعاني منها في ثاني أفقر بلد في أميركا الوسطى بعد هاييتي.

ظروف صعبة

بدأت رييس العمل أمينة للمكتبة في تلك الجامعة منذ عام 1988 بتقديم خدمات للطلاب، قبل أن تلتحق بكلية "إدارة المعلومات" لتسهيل عملها في المكتبة.

نورا أليسيا رييس، أمينة مكتبة سالمون دي لا سيلفا في الجامعة الوطنية المستقلة بمناغوا -الجزيرة
نورا أليسيا رييس أمينة مكتبة "سالمون دي لا سيلفا" في الجامعة الوطنية المستقلة بماناغوا (الجزيرة)

تصر رييس على أنه لا يمكن الاستغناء عن أمناء المكتبات، ولا سيما في المكتبات الحكومية التي لا تتوفر فيها تقنيات متطورة، ومع هذا، لا تنكر أن الاتجاه اليوم يذهب نحو الاستعانة بكل ما هو تقني، إلا أن المكتبة لا تحظى بدعم مادي كبير لتطوير التقنيات التي تسهل على الطلاب العثور على مصادرهم ومراجعهم.

وضربت مثالا بأن فضاء المكتبة يتسع لـ360 طالبا، فيما ارتفع فيه عدد الطلبة إلى 1500، لكن بإطلالة سريعة على الطاولات المنتشرة في المكتبة تدرك أن مرتاديها يعدّون على أصابع اليد.

"نحن نستقبل الطلاب، نجيب عن تساؤلاتهم، ندلهم على طرق استخراج المعلومات والمخطوطات، لكن بعضهم يدخل إلى موقعنا الإلكتروني قبل المجيء ليتأكد من وجود الكتاب الذي يرغب في استعارته"، مشيرة إلى أنهم يقدمون تدريبا بين فترة وأخرى لمن يرغب من الطلاب.

وظيفة أمين المكتبة

حتى عام 1995 كان تخصص "أمناء المكتبات" يدرَّس في جامعة "سنترو أميركانا"، ثم أغلق هذا التخصص لضعف الإقبال عليه، بحسب رييس التي قالت إن مدة الدراسة فيه هي 5 سنوات، فيما فرص العمل محدودة جدا.

ومع هذا، فهي تعتبر قسم "إدارة المعلومات" التابع لكلية العلوم الإنسانية بديلا عن تخصص "أمناء المكتبات"، إذ "بإمكان الخريجين العمل في المكتبة أو أرشيف أي مؤسسة أو في الصحف والمكاتب والشركات"، ويستوعب القسم 50 طالبا كل عام، وافتتح عام 2008.

نستور لوبيس سانشيس، أمين مكتبة إسبامير، مناغوا – عاصمة نيكاراغوا-الجزيرة
نستور لوبيس سانشيس أمين مكتبة إسبامير في ماناغوا (الجزيرة)

وما بين عامي 1995 و2008 لم يكن هناك تخصص يتعلق مباشرة بأمناء المكتبات، أما تفاؤلها ببقاء المهنة رغم محدودية المكتبات وتوفر قواعد بيانات فهو لأن أمين المكتبة الآن هو خريج إدارة معلومات متخصص وبإمكانه تسهيل البحث على الطلبة.

وتعد مكتبة "إسبامير" الخاصة لبيع الكتب من كبرى المكتبات في نيكاراغوا، ويقصدها الكثيرون، خصوصا من الوسط الثقافي، حيث تشارك في نشر الكتب وتقيم حفلات التوقيع والأمسيات الأدبية باستمرار، وهناك التقت الجزيرة نت مع نستور لوبيس سانشيس خريج الأدب الإسباني وأحد أمناء المكتبة، إضافة إلى زميل له تخرج في الكلية نفسها، حيث تجد المكتبات خريجي الأدب أنسب لهذه المهمة.

رفض سانشيس أن يتحرك من مكانه قائلا إن عليه تقديم المعلومات للقراء والزبائن، لكنه تحدث بعد إغلاق المكتبة، وبدا مدافعا عن مهنته محاججا بأن مهنة أمين المكتبة ولدت قبل ولادة التقنيات، أما التقنيات فهي تدعم وتسهل العمل، إلا أن من المستحيل إهمال العامل البشري.

ويقول إن "هناك علاقة تنشأ بين أمين المكتبة والقارئ لا يمكن أن تحدث بينه وبين الأجهزة الصماء، فأمين المكتبة يجيب عن أسئلتك ويرشدك ويقنعك وينصحك، لا يمكن للتكنولوجيا أن تشكل بديلا، صحيح أننا في زمن تدفق المعلومات من الإنترنت، لكن القارئ يفضل التحدث مع إنسان يشبهه، وليس مع آلة لا ردة فعل لديها".

ويبرر رأيه قائلا إن "مشروع كتب غوغل مثلا هو تطبيق يهدف لعمل مكتبة افتراضية، ومع ذلك لم يحقق النتيجة المتوقعة، لأن النتائج الافتراضية ليست كالواقع".

تحديات

كارميلو تشافاريا مدرس في الجامعة وباحث لغوي يرتاد المكتبة من وقت لآخر، لم يكن متفقا تماما مع ما ذكره كل من رييس وسانشيس، إذ إنه كباحث يعود كثيرا للشبكة العنكبوتية، ويعطي وقتا أقل للمكتبة، مدللا على ذلك بإلغاء كلية "أمانة المكتبة"، وجعل مهمة الأرشفة ضمن كلية "إدارة المعلومات" التي يمكن لخريجيها العمل في أكثر من مجال وليس في نطاق المكتبات فحسب.

كارميلو تشافاريا مدرّس جامعي وباحث في اللغويات-الجزيرة
كارميلو تشافاريا مدرس جامعي وباحث في اللغويات أشار إلى دور أمناء المكتبات في التصدي للأمية (الجزيرة)

تخرجت الدفعة الأولى من أمناء المكتبات في نيكاراغوا عام 1978 حين كان القسم جزءا من كلية العلوم الإنسانية في جامعة أميركا الوسطى (أوكا)، بمبادرة من مؤسسيْها نويل لاكايو باريتو، والتشيلي النيكاراغوي والتيريو لوبيس، فيما افتتحت مكتبة "سالمون دي لا سيلفا" التابعة للجامعة المستقلة الوطنية عام 1983، أي بعد 4 سنوات من انتصار الثورة الساندينية (اليسارية) عام 1979.

وفي عام 1980 كان على أمناء المكتبات أن يواجهوا تحديا كبيرا بالتصدي للأمية التي كانت منتشرة في نيكاراغوا، بحيث كان أكثر من نصف شعبها لا يتقنون القراءة والكتابة.

ومنذ ذلك العام قررت وزارة التعليم تخصيص يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام للاحتفاء بأمناء المكتبات وتكريمهم، نظرا لما قدموه في سنوات انتصار الثورة الأولى من جهود لنشر المكتبات في مدن نيكاراغوا وبلداتها للتخلص من الأمية.

أما اختيار هذا التاريخ فلأنه يصادف اليوم الذي قتل فيه القائد النيكاراغوي كارلوس فونسيكا أمادور مؤسس الحركة الساندينية الذي كان معروفا بعشقه للقراءة، بل كان هو نفسه أمينا لمكتبة معهد ميغيل راميرس غويينا الوطني.

المصدر : الجزيرة