الغزو الضروري عند فيكتور هوغو والتقدميين.. عندما استعمرت فرنسا أفريقيا بذريعة إنهاء العبودية

فيكتور هوغو كان مؤيدًا لنظام الحكم الجمهوري واستعمار أفريقيا في الوقت ذاته (غيتي)

بدأت فرنسا سياستها الاستعمارية بحلول الربع الأول من القرن 16، حيث فرضت سيطرتها على أكثر من 20 دولة أفريقية، واستمرت في حكم نحو 35% من مساحة القارة لمدة 300 عام.

ومن أجل تبرير غزو القارة الأفريقية، ادعى المستعمرون أنهم يقومون بمهمة نشر الحضارة، وأنهم مدفوعون بالرغبة في وضع حد لاضطهاد السود، الأمر الذي استخدم -للمفارقة- ذريعة لغزو القارة السمراء.

ويقول الكاتب فرانسوا رينارد، في تقرير نشرته صحيفة "نوفال أوبسرفاتور" (Le Nouvel Observateur) الفرنسية، إن الأديب الفرنسي الشهير فيكتور هوغو (1802-1885) يعد -بلا شك- واحدا من أعظم الكتاب والمفكرين في التاريخ، وكان شاعرا وروائيا ذا شهرة في زمنه، لكنه كان يتبنى بعض الأحكام المسبقة والخاطئة التي كانت رائجة في ذلك القرن.

الوجه الاستعماري لهوغو

وفي أيامه الأخيرة، بعد أن بدأ التغلغل الأوروبي في القارة السمراء، خطب هوغو -الذي كان عضوا في مجلس الشيوخ الفرنسي- مشجعا أبناء وطنه على تسريع عملية استعمار أفريقيا، واصفا هذا الاستعمار بأنه ضروري وسهل.

في هذا الصدد، قال فيكتور هوغو حينها "هيا أيها الناس، استولوا على هذه الأرض، احصلوا عليها، لمن تعود ملكيتها؟ إنها ليست ملكا لأحد، اذهبوا واحصلوا على هذه الأرض لأجل الرب، إنه هو الذي يهب الأرض للناس، والرب أهدى أفريقيا لأوروبا".

ويقول الكاتب إن هذا الخطاب المتعصب الذي ألقاه فيكتور هوغو عام 1879 لم يكن في حضرة بعثة من المستكشفين، أو مجموعة من أصحاب المهن والتجار الراغبين في البحث عن فرص جديدة، بل في حضور الكاتب والبرلماني الفرنسي فيكتور شولشر أثناء مأدبة للاحتفال بإلغاء العبودية، وهو قرار أسهم شولشر في الوصول إليه، ساعيا إلى إلغاء العبودية في المستعمرات الفرنسية خلال الجمهورية الثانية بفرنسا عام 1848.

هوغو وشولشر

في ذلك الوقت، اعتبر فيكتور هوغو أنه لا يوجد أي تناقض بين التشجيع على تحرير السود من العبودية واحتلال قارتهم، وكان المنطق الذي يعتمده لدعم موقفه أن "الرجل الأبيض صنع من الأسود إنسانا في القرن 19، وبالطريقة نفسها، فإن أوروبا ستصنع من أفريقيا عالما في القرن 20".

هذا الفكر الذي اجتمع عليه فيكتور هوغو وفيكتور شولشر، رغم كونهما شخصيات توصف بأنها "تقدمية وذات حس إنساني"؛ جعلهما من أبرز المدافعين عن السود، وفي الوقت نفسه عن الاستعمار.

يشير الكاتب إلى أن القارة الأفريقية قُسّمت خلال القرن 19 بين القوى العالمية (المملكة المتحدة وفرنسا وبلجيكا والبرتغال وألمانيا) ولا تزال صور الجنود والآليات العسكرية إلى اليوم موجودة لتوثق تلك الحقبة.

أجريت العديد من الدراسات لتفسير الأسباب العميقة وراء ذلك التوسع الأوروبي نحو الجنوب، وحتى عام 1870 لم يكن الأوروبيون يعرفون من أفريقيا سوى سواحلها، وشرعوا في استكشاف الداخل؛ ليتبين أنه غني بالخيرات ومخزون واعد بالنسبة للقارة العجوز، التي كانت تشهد ثورة صناعية وتحتاج للمواد الأولية والأسواق الخارجية لتصدير سلعها.

حظيت السياسة الاستعمارية بدعم شخصيات توصف بأنها تقدمية، وكانت مقتنعة بضرورة القيام بهذا الأمر بغرض خدمة الإنسانية. ومن بين هؤلاء جول فيري، الذي قال أثناء نقاش برلماني عام 1885 إن سبب التوجه إلى استعمار أفريقيا هو أن العرقيات المتفوقة لديها حقوق على حساب العرقيات السفلى. كما أن للأولى واجبا يتمثل في نشر الحضارة لدى الثانية، حسب تقرير الصحيفة الفرنسية.

مكاسب الاستعمار

كان جول فيري -مثل غيره من المنظرين للاستعمار في ذلك الوقت- مقتنعا تماما بأن هذه السياسة ستجلب لبلاده مكاسب اقتصادية هائلة. وكان هؤلاء يسعون أساسا للاستيلاء على الزنوج واستغلالهم، ويريدون بشكل عام السيطرة على باقي مناطق العالم، تحت شعار "مهمة نشر الحضارة"، الذي كانت ترفعه كل الدول الغربية في ذلك الوقت، وتدّعي أنها تقف ضد العبودية.

ويذكر الكاتب أن الدول الأوروبية في ذلك الوقت استخدمت مكافحة العبودية ذريعة، وادعت أن أفضل طريقة للقضاء على تجارة الرقيق تكون بالذهاب إلى أعماق القارة الأفريقية ومنع عمليات اختطافهم واستعبادهم.

ومن أبرز الأمثلة على هذا النفاق الأوروبي ما قام به ملك بلجيكا ليوبولد الثاني، الذي كان يرغب بشدة في إقامة مستعمرة في أفريقيا، إلا أن حكومته منعته من القيام بهذه الخطوة. وخلال مؤتمر مكافحة العبودية الذي تم تنظيمه في بروكسل، قام بالتبرع بأموال ضخمة لهذه القضية، وصنع لنفسه صورة على أنه محرر السود؛ ومن خلال هذه الخدعة تمكن من إقناع البلجيكيين والأوروبيين بشكل عام، والذهاب للسيطرة على الكونغو.

وفي سياق احتجاجات "حياة السود مهمة" التي توسعت عالميا، عبر ملك بلجيكا فيليب نهاية يونيو/حزيران الماضي عن "بالغ أسفه للجروح" التي تسببت فيها فترة الاستعمار البلجيكي لجمهورية الكونغو الديمقراطية، خلال حقبة الملك السابق ليوبولد الثاني، التي وصفها المؤرخون بالأكثر دموية، عندما كان يدير الكونغو وثرواتها باعتبارها ملكيته الخاصة من بروكسل.

ويوضح الكاتب أن الدعاية الأوروبية في ذلك الوقت كانت تتحدث عن تحرير القارة السمراء، وتمارس التعتيم وتقيد حركة الناس في القرى في أفريقيا حتى لا تنتقل الأخبار، وفي الواقع كان هذا الاستعمار الأوروبي مليئا بالعنف والاحتلال ونهب الموارد الطبيعية، واعتبر السكان المحليون في منزلة سفلى، وفرض عليهم نظام حكم أجنبي، وكان يتم استغلالهم للعمل القسري من أجل تشييد البنى التحتية التي يحتاجها المحتلون.

المصدر : الجزيرة + الصحافة الفرنسية