فيلسوفة ألمانية: شعرت بالصدمة لمعاناة اللاجئين وأخشى من تحوّل كورونا ذريعة للعنصرية والاستبداد

كارولين امكه كاتبة ومؤلفة وفيلسوفة ألمانية مهتمة بقضايا العولمة ونظريات العنف والهوية الثقافية
كارولين إيمكه كاتبة ومؤلفة وفيلسوفة ألمانية مهتمة بقضايا العولمة ونظريات العنف والهوية الثقافية (ويكي كومنز)

أسفر تفشي جائحة كورونا عالميا عن موجة كبيرة من المراجعات الفكرية والنقد الذاتي في بلدان العالم المختلفة ولا سيما العالم الغربي، وقدم مجموعة من فلاسفة ومفكري وعلماء اجتماع أوروبا والولايات المتحدة قراءة نقدية لواقع مجتمعاتهم المعاصرة ورؤى بديلة لتجاوز تأزم الحداثة المعاصرة التي قال بعضهم إنها كادت تصل لطريق مسدود.

تقول الفيلسوفة الألمانية كارولين إيمكه التي تمضي فترة الحجر الصحي في برلين، إنها تشعر بالصدمة كلما شاهدت صور تفشي فيروس كورونا في العاصمة الإسبانية مدريد أو معاناة اللاجئين في مخيمات الإيواء في الجزر اليونانية التي احتجز فيها مئات منهم.

وتُعتبر إيمكه المولودة في ألمانيا سنة 1967 واحدة من أبرز المفكرين المناهضين للتيارات الشعبوية التي تكتسب زخما في أوروبا المعاصرة وحصلت على جائزة السلام في معرض فرانكفورت للكتاب، ومن بين كتبها التي تناولت بالنقد خطاب العنصرية والكراهية الرائج في أوروبا، "ضد الكراهية" و"أنماط الرغبة". 

جائحة استبدادية
وتكشف إيمكه في حوارها مع صحيفة البايس الإسبانية، عن مخاوفها من أن تزيد أزمة تفشي فيروس كورونا والإجراءات التي تبعته، من أشكال القمع والاستبداد ضد الأجانب.

وكانت الصحيفة الإسبانية قد سألت الفيلسوفة المولودة لأم أرجنتينية وأب ألماني عن رؤيتها لتأثير هذه اللحظة على التعايش في أوروبا، حيث اعتبرت إيمكه أنه من السابق لأوانه أن نضع توقعات معينة، وأضافت "كل شيء هش وديناميكي للغاية، وغير متزامن".

وتابعت أنه بقدر ما تعتبر هذه الأزمة عالمية، فإن تبعاتها لا تؤثر على الجميع بالطريقة نفسها، "وفي الحقيقة، يُغري الوباء بمزيد من الاستبداد والقمع والمراقبة باستخدام الأدوات الإلكترونية". 

وأردفت إيمكه "سيكون من الحاسم أن تكون قادرًا على إثبات أن المجتمعات التي سوف تخرج من هذه الأزمة بأقل الأضرار هي تلك التي لديها نظام صحي عام يُعول عليه والتي لم تتم خصخصة بنيتها التحتية الاجتماعية وتآكلها تمامًا".

وأكدت أن "القدرة على إثبات أن التضامن والرعاية المشتركة هما أهم العوامل التي أدت إلى الانتصار على الفيروس وليس حالة العزل والحرمان من الحرية".

كثيرون يحذرون أن عالم ما بعد كورونا سيكون أقل ديمقراطية مما قبل انتشار الجائحة (بيكربو) 
كثيرون يحذرون أن عالم ما بعد كورونا سيكون أقل ديمقراطية مما قبل انتشار الجائحة (بيكربو) 

وواصلت الإجابة عن تقديرها للوضع بألمانيا في ظل الجائحة قائلة إن الصور التي التُقطت في مدريد أو مخيمات اللاجئين في الجزر اليونانية "لا تطاق فعليا بالنسبة لي".

وتابعت "لا أرى كيف سنكون قادرين على تحمل العبء الأخلاقي والسياسي كألمان وأوروبيين، لأننا لم نتفاعل مع الأزمة بالقدر اللازم من منطلق إنساني. يبدو لي أن تقديم بعض المساعدات المالية على مضض لبلدان جنوب القارة بدلاً من إطلاق حملة قوية لصالح الدول المتضررة، هو خطأ لا يُغتفر. وهنا أتحدث في السياق الأوروبي فقط".

ودرست إيمكه الفلسفة والعلوم السياسية والتاريخ في فرانكفورت وفي كلية لندن للاقتصاد وجامعة هارفارد. 

تغذية الكراهية
وفي ردها على سؤال حول اعتقادها عما إذا كان ما يجري سيفاقم من الكراهية تجاه الآخر المختلف القادم من الخارج، أجابت إيمكه "من الطبيعي أن يسبب الوباء في نفوس الناس الخوف والفزع. الخوف من المرض أو من الموت وحيدا أو عدم القدرة على مرافقة الأحباء وتوديعهم، فضلا عن الخوف من الأعباء المادية أو فقدان العمل".

واستدركت "لكن، لا ينبغي أن نعوض فقدان الحرية بالإساءة إلى الآخرين أو إذلالهم. لم يُفرز انعدام الأمن الفردي والجماعي رهاب الأجانب فحسب، بل غذّى أيضا الكراهية والعنف ضد المرأة".

وبسؤالها عما يشغل بالها حاليا أجابت إيمكه "إن القلق الأكبر الذي يراودني هو أننا لا نتعلم أي شيء من الأزمة. وقد أصبح جليا أنه لا يمكننا إنكار الواقع، وأن هناك حدودًا للخطاب المخادع والنرجسي والأكاذيب السياسية".

وأوضحت "لا يوجد أي إنسان محصن من هذا المرض، حتى لو أراد ترامب أو بوتين إنكار ذلك. كما أصبح واضحا أن الحكومات لا يمكنها أن تُنكر مسؤوليتها عن ضعف البنية التحتية والمرافق العامة. وقبل كل شيء، أنا قلقة من أن ننسى كل الأشياء التي تعلمناها بمرارة وألم بمجرد أن تنتهي الأزمة وأن نعيد بناء مجتمعاتنا بالظلم واختلال الموازين نفسيهما".

حالة الاستثناء
وإذ يدور الجدل بين المثقفين والفلاسفة الأوروبيين عما إذا كان التضييق على الحقوق الشخصية بذريعة الإجراءات الاستثنائية ضد تفشي الجائحة سيكون مؤقتا أم دائما، قالت إيمكه إنها تشعر بالخوف من أن يتم استغلال الوباء لتبرير الاستبداد.

وتابعت "إنها قضية حساسة للغاية ومحفوفة بالمخاطر. وقد أثبت فيكتور أوربان رئيس الوزراء المجري هذا الأمر عمليا، حيث ألغى حكم القانون، ويمكنه تمديد حالة الطوارئ إلى ما لا نهاية، وقد حوّل البرلمان إلى مجرد ديكور. يجب أن نكون متيقظين للغاية لمنع انتشار الأساليب الشمولية في استخراج البيانات والمراقبة الرقمية والقمع في أوروبا على المدى الطويل".

وختمت إيمكه حوارها مع الصحيفة الإسبانية بأنه من الواضح "أن مجتمعاتنا ستدفع أثمانا باهظة بسبب فيروس كورونا، ومنها الحد من حريتنا في التنقل. ولكن ينبغي علينا أن نطالب حكوماتنا بأن يتم اتخاذ القرارات الصحية بطريقة شفافة وشرح أسسها، وأن نتأكد من أن القيود مؤقتة حتى لا يتحول الأمر إلى ذريعة للمراقبة والقمع".

وكانت جائحة كورونا قد عطلت معظم الممارسات الديمقراطية حول العالم بحسب العديد من المثقفين والفلاسفة الأوروبيين ومنهم الفيلسوف الإيطالي جورجيو أغامبين.

وقال أستاذ التاريخ والسياسة في جامعة غراتس النمساوية فلوريان بيبر، إن الإجراءات الحالية قد تنجح في التخفيف من انتشار الفيروس وتفشي الجائحة، لكن العالم سيواجه خطرا من نوع آخر، إذ سيكون العديد من البلدان أقل ديمقراطية بكثير مما كانت عليه قبل مارس/آذار من العام الجاري، حتى بعدما يتراجع خطر الفيروس.

ويتابع أن الضوابط والتوازنات -غالبا- يتم تجاهلها من قبل السلطات التنفيذية في أوقات الأزمات، لكن الخطورة تكمن في أن تتحول هذه الإجراءات الاستثنائية المؤقتة إلى دائمة.

ومع تزايد البلدان التي أعلنت حالة الطوارئ العامة، تتزايد المخاوف بشأن مدى انتهاك التدابير -إن لم تكن مناسبة ومحدودة الزمن- الحقوق المدنية الأساسية وسيادة القانون، مع بقاء ما يقرب من ثلث سكان العالم في ما يشبه الحجر الصحي أو الحظر والعزلة. 

المصدر : الجزيرة + الصحافة الإسبانية